Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بينالي القاهرة يتجه "نحو الشرق"... لكنّ فوضى المعايير تفقده غايته

فاز بالجائزة الكبرى البلجيكي يوريس فان دو مورتل عن عمل ادائي

تجهيز في بينالي القاهرة الذي يخلو من المعايير الفنية (اندبندنت عربية)

أكثر من سبعين مشاركاً ينتمون إلى اثنتين وخمسين دولة يعرضون أعمالهم حالياً في الدورة الثالثة عشرة لبينالي القاهرة الدولي، والذي تستمر فعالياته حتى العاشر من أغسطس (آب) القادم. تتوزع عروض البينالي على ثلاث مساحات فنية، هي قصر الفنون ومتحف الفن المصري الحديث في محيط دار الأوبرا المصرية، وقصر عائشة فهمي الذي لا يبعد كثيراً عن دار الأوبرا. تحمل الدورة الحالية عنوان "نحو الشرق" وتقدم ست جوائز مالية بينها جائزة النيل الكبرى وقيمتها 250 ألف جنيه مصري وخمس جوائز أخرى متساوية قيمتها 150 ألف جنيه. فاز بالجائزة الكبرى في هذه الدورة الفنان البلجيكي يوريس فان دو مورتُل عن عمله الآدائي (Performance) أما الجوائز الخمس الأخرى فقد توزعت على الفنانين أحمد بدري من مصر، وبريجيتا كوفانس من النمسا، وأيمن يسري، من الأردن، وكيم هيتشون من كوريا الجنوبية، وصادق الفراجي من العراق. يعود البينالي هذا العام بعد انقطاع ثلاث دورات، وهو كأي فعالية جماعية يضم أعمالاً متفاوتة المستوى، وقد روعي في اختيارها الموائمة بين الممارسات المختلفة، الحديث منها والمعاصر. ضم البينالي أعمالاً تصويرية ونحتية، جنباً إلى جنب مع أعمال الفيديو والآداء والفوتوغرافيا والأعمال المركبة.

بلغ عدد الدول العربية المشاركة في هذه الدورة 13 دولة، ويمثل مصر سبعة فنانين، هم أحمد بدري، وأحمد قاسم، وحازم المستكاوي، ورضا عبد الرحمن، وعصام درويش، ومروة عادل، ويوسف نبيل. ترأست لجنة التحكيم فليسيتاس تون من النمسا، وضمت في عضويتها أربعة أعضاء من أميركا وأسبانيا واثنين من فرنسا. كما تم اختيار الفنان الفرنسي جيرار جاروست ضيفاً شرفيا، أما القيم العام على البينالي فهو الفنان المصري إيهاب اللبان، الذي يتولى هذه المهمة للمرة الثالثة.

ربما لا تختلف القضايا والإشكاليات التي يثيرها حدث كهذا في مصر عن غيرها من البلدان الأخرى، بداية من طريقة التنظيم والعرض إلى الاختلاف حول نوعية الأعمال المشاركة والفائزة بالجوائز، غير أن الأمر يتخذ غالباً في مصر منحى حاداً، خاصة في مثل هذه الفعاليات الكبرى التي تنظمها الدولة. ربما يكون أحد أسباب الخلاف هنا متعلق بانعدام الشفافية في اختيار المُنظمين، وهو ما أثار حفيظة البعض أو اعتراضهم، غير أن السبب الأكثر تأثيراً ووضوحاً، وتكراراً أيضاً في مثل هذه الفعاليات الدولية يرجع إلى حدة الاختلاف حول الممارسة الفنية وطبيعتها، ليس بين المتابعين والمهتمين فقط بل بين الفنانين أنفسهم. هذا الخلاف أو الاختلاف تعكسه الآراء المعلنة والنقاشات الجدلية بين أطياف متباعدة من أصحاب الممارسات الفنية، وهو أمر إيجابي بلا شك يكسر حالة الجمود العام التي تخيم على المشهد الفني.

صدمة التلقي

قال لي أحد الفنانين المخضرمين في تساؤل ممزوج بالدهشة وهو يهم بتفقد الأعمال المعروضة في قصر الفنون بالقاهرة: "ما كل هذه الأشياء الغريبة؟ وكيف نسمح بعرض هذه التفاهات!؟ أيعقل أن ينحدر الفن إلى هذه الدرجة؟". فنان آخر يعلق بمرارة على أحد الأعمال التجهيزية قائلاً: "لو عرف الأمير يوسف كمال بما سيحدث للفن في مصر اليوم ما كان أمر بتأسيس الفنون الجميلة". (تأسست مدرسة الفنون الجميلة في مصر عام 1908 بمبادرة من الأمير يوسف كمال أحد أمراء أسرة محمد علي) بين المتابعين من يتأمل المشهد في صمت ينم عن حيرة، وهناك أيضاً من يحتفون بالبينالي كمؤشر لعودة الأمور إلى طبيعتها، كما يقول أحدهم معلقاً عبر صفحته على الفيس بوك، مشيراً إلى الفوضى التي خلفها الربيع العربي حسب رأيه، وهو رأي لا يبتعد كثيراً عن فحوى النشرات الإعلامية التي يتم توزيعها على الصحف المصرية، والتي تحتفي عناوينها بعودة البينالي، كدلالة على عودة النظام أو الانضباط .

بين الرسائل السياسية المبطنة لهذه النشرات الإعلامية، وبين مشاعر الاستهجان أو الترحيب، والاحتفاء أو الهجوم، تبدو الصدمة جلية وكاشفة لهذه الفجوة بين أصحاب الممارسات الحديثة والمعاصرة في مصر. ما يسبب ارتباكاً للكثيرين، ليس على مستوى الفنانين وحدهم بل على مستوى الأخبار والكتابات المنشورة في الصحف والمواقع الإخبارية، والتي تجد حرجاً في التصنيف والوصف، وهو حرج نابع من قناعة راسخة بطبيعة الممارسة الفنية التي لا يُتصور غيرها، فتلتبس المصطلحات وتتداخل التصنيفات، بل ويتم اختلاق أوصاف ونعوت جديدة أحياناً.

ما يفاقم من هذه الصدمة أن الحدث ينتمي إلى المؤسسة الرسمية بطبيعتها الأقرب إلى الراديكالية، والتي يتم التعامل معها كسند حقيقي للفن في صورته السائدة أو الشعبوية. هناك استثناءات بالطبع لكنها تندرج غالباً ضمن أطر محددة، عمرية مثلاً كصالون الشباب، أو في شكل مبادرات وعروض فردية، وهي استثناءات لم تتمكن من خلخلة ثقة البعض في مرجعية المؤسسة الرسمية أو حياديتها على الأقل. فهذه الممارسات تظل في النهاية حبيسة هذا الإطار أو ذاك، ما يوفر سنداً مناسباً لقناعات البعض، ممن لا يعترفون بتغير لغة التعبير البصري في العالم، ويريحون أنفسهم بوصف تلك الممارسات بأنها محض شطحات لشباب عابث، أو ممارسات مريبة تتبناها مؤسسات مرتبطة بالغرب. هذه النظرة الاستهجانية للفنون والممارسات المعاصرة ليست قاصرة على مصر أو منطقتنا العربية بالطبع، لكنها تبدو هنا أكثر حدة لأسباب كثيرة، بينها مثلاً ما هو متعلق بطبيعة الدراسة الأكاديمية لدينا والتي ماتزال تعتمد نفس المناهج الدراسية التي اعتمدت عليها منذ بداية تأسيسها، ما يفرز جمهوراً من الممارسين لا يصدقون أن هناك ممارسات فنية خارج هذا الإطار، ومن هنا تأتي الصدمة. علينا أن نشير هنا أيضاً أن تبني المؤسسة الرسمية لمثل هذه الفعاليات لا يعني تغيراً لهذه الصورة المحافظة، كل ما في الأمر أن حدثاً دولياً بهذا الحجم يفرض استثناءات في التعامل معه على مستوى اختيار المشاركين والمُحكمين، ما يجعل أيدي المؤسسة الرسمية مغلولة بعض الشىء عن التدخل أو فرض رؤيتها على نحو كامل.

وأخيراً، يجدر القول أن بينالي القاهرة هو حدث هام ومؤثر بالفعل، وليس من المناسب أن يتم التعامل معه في إطار الروتين الحكومي. ولا شك أن تغيير الوجوه والاستفادة من الخبرات الأخرى هو أمر إيجابي، أياً كانت القيمة والمكانة التي تتمتع بها هذه الوجوه. القيّم على هذه الدورة مثلاً الفنان إيهاب اللبان يتولى المهمة نفسها للمرة الثالثة من دون مبررات واضحة، فبين مطبوعات البينالي لم نعثر على أي سيرة ذاتية يمكن التعرف من خلالها على تجربة القيّم العام وخبراته السابقة. واعتماداً على الموقع الرسمي لقطاع الفنون التشكيلية المصري، والذي يتيح الاطلاع على السير الذاتية للفنانين المصريين، لا نكاد تلمح أي ميزة استثنائية متعلقة بالخبرات التي اضطلع بها الفنان إيهاب اللبان، أو أن له تأثيراً بارزاً في ما يتعلق بالتنظيم أو المساهمة في العروض الدولية خارج إطار وظيفته الحكومية. على المستوى الفني يمتلك اللبان تجربة فنية متواضعة وغير مؤثرة على الصعيد الدولي أو المحلي، فلا مبرر إذا لهذا الإصرار على توليه المهمة نفسها لثلاث دورات متتالية من دون سند معقول، غير أنه أحد موظفي وزارة الثقافة.

المزيد من ثقافة