تترقب أسواق النفط العالمية، نتائج اجتماع تحالف "أوبك+"، المقرر عقده الخميس، 30 يونيو (حزيران) الحالي، وسط توقعات على الأرجح بالحفاظ على خطة تسريع زيادة إنتاج الخام في أغسطس (آب) على أمل تخفيف ارتفاع الأسعار وضغوط التضخم، وتوقع محللون نفطيون في تصريحات لـ "اندبندنت عربية"، تمسك التحالف الذي يضم منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، بقيادة السعودية، والدول الـ 10 المتحالفة معها، ومن بينها روسيا، باتفاق زيادة إنتاج النفط بمقدار 648 ألف برميل يومياً خلال أغسطس المقبل بالوتيرة نفسها المقررة في يوليو (تموز).
وفي اجتماعه الأخير في الثاني من يونيو، اتفق "أوبك+" على زيادة الإنتاج بمقدار 648 ألف برميل يومياً في يوليو أو 0.7 في المئة من الطلب العالمي وبالمقدار نفسه في أغسطس، وذلك في قرار مفاجئ للأسواق النفطية، ويفوق توقعات المراقبين، إذ يتخطى الزيادات الشهرية السابقة البالغة 432 ألف برميل يومياً بنسبة 50 في المئة، وجاء هذا التحرك بعد مطالبات الغرب على مدى أشهر لمعالجة نقص الطاقة على مستوى العالم والذي زادته سوءاً العقوبات على روسيا بسبب حربها مع أوكرانيا، ورحبت واشنطن بهذا التحرك.
واقترب النفط هذا العام من ذروة غير مسبوقة بلغت 147 دولاراً للبرميل في 2008 على الرغم من تراجع سعره من ذلك الحين إلى 111 دولاراً للبرميل بسبب مخاوف من خطورة حدوث ركود، ومدى تأثر الطلب على الوقود برفع معدلات الفائدة، لكن أسعار النفط ظلت مدعومة جيداً فوق 100 دولار للبرميل مع استمرار قلة المعروض من الخام والمنتجات النفطية بسبب العقوبات الغربية على النفط الروسي.
ووافق "أوبك+" على تخفيض كميات قياسية من الإنتاج في 2020 حين قللت الجائحة الطلب على النفط، وحين ينتهي الاتفاق في سبتمبر (أيلول)، سيكون لدى التحالف طاقة احتياطية محدودة لزيادة الإنتاج بشكل أكبر، ويجد صعوبات في تحقيق أهداف الزيادة الشهرية بسبب إحجام دول أعضاء في "أوبك" عن الاستثمار في حقول النفط بالإضافة إلى نقص الإنتاج الروسي في الآونة الأخيرة.
وكانت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أعلنت تقديم موعد اجتماعها، يوماً واحداً، ليصبح الأربعاء 29 يونيو، بحسب بيان للمنظمة، في وقت سيستمر عقد الاجتماع الوزاري لتحالف "أوبك+" في اليوم الذي يليه كما كان مقرراً في الأصل، وبحلول أغسطس المقبل، تجري دول التحالف الـ 23، آخر تخفيضات إنتاج النفط الضخمة القياسية المطبقة منذ انتشار جائحة كورونا في عام 2020، لكن كبار المستهلكين يضغطون عليها لزيادة الإنتاج بوتيرة أسرع، خصوصاً أن العقوبات الغربية أضرت بالإنتاج الروسي، وتوصلت "أوبك+" التي تقودها السعودية وتضم 13 دولة من "أوبك"، و10 دول من خارجها بقيادة روسيا إلى اتفاق في أبريل 2020، لخفض إنتاجها الإجمالي تنازلياً بـ 10، و8، و6 ملايين برميل يومياً ابتداء من الأول من مايو (أيار) 2020 وينتهي بنهاية سبتمبر 2022.
إنتاج دون المستهدف
وأظهرت وثيقة لتحالف "أوبك+" أن إنتاج التحالف جاء دون المستهدف في مايو بواقع 2.695 مليون برميل يومياً بسبب مشكلات في الإنتاج لدى عدد من البلدان، بحسب ما ذكرت "رويترز"، وبينما تواجه روسيا عقوبات، واصل "أوبك+" الإنتاج أقل من حصصها وبلغ معدل الالتزام العام بتخفيضات الإنتاج المتفق عليها 256 في المئة، في الشهر الماضي، ارتفاعاً من 220 في المئة في الشهر السابق، ويتعافى الطلب العالمي بعد الجائحة ويفوق قدرات دول "أوبك+" على زيادة الإنتاج، وأدت العقوبات الغربية على النفط الروسي في أعقاب حرب أوكرانيا إلى ضغوط على نمو إنتاج الخام الروسي، وأظهرت وثيقة "أوبك+" ارتفاع إنتاج روسيا من الخام إلى 9.273 مليون برميل يومياً في مايو من 9.159 مليون برميل يومياً في أبريل (نيسان)، لكن مستويات الإنتاج ظلت دون المستهدف في مايو بواقع 1.276 مليون برميل يومياً، وهو أكبر تراجع بين جميع أعضاء "أوبك+"، وتواجه الإمدادات من المجموعة تحديات إضافية في يونيو، إذ أدى إغلاق جديد لمنشآت نفطية ليبية إلى خفض مستويات الإنتاج في البلاد بشكل كبير ولا تزال ليبيا معفاة من حصص إنتاج النفط في "أوبك".
لا مفاجآت متوقعة
من جهته، استبعد المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي أن يحمل الاجتماع المقبل لتحالف "أوبك+" أي مفاجآت في ما يتعلق بزيادة الإنتاج المقررة لشهر أغسطس المقبل، متوقعاً مضي التحالف على الأرجح قدماً نحو الحفاظ على الاتفاق الحالي من دون تغيير، وقال الحرمي إن قرار "أوبك+" الأخير بتسريع زيادات الإنتاج بمقدار 648 ألف برميل يومياً إلى جانب كسر جدولة الكميات التي كانت مقررة أن تنزل الأسواق في سبتمبر المقبل جاء إرضاء لمتطلبات السوق ومحاولة منها بتهدئة الأسعار، ولطمأنة المستهلكين من حدة الارتفاعات في سعر النفط الذي تجاوز 120 دولاراً للبرميل في وقت سابق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف أن هذه الكميات معظمها "ورقية" إلى حدّ كبير وغير قابلة للتنفيذ بسبب عدم إمكانية الدول النفطية زيادة انتاجها، إذ إن توزيع الكميات على جميع أعضاء التحالف، منها دول لا تستطيع زيادة إنتاجها، مثل نيجيريا وأنغولا وروسيا، كونها لن تستطيع زيادة إنتاجها من الخام وبكميات تفوق المليون برميل، في وقت تقتصر القدرة الإنتاجية الاحتياطية، على عدد قليل من أعضاء المنظمة في الخليج ما يعني مرة أخرى تكرار مسلسل عدم الالتزام والوفاء بكميات الإنتاج الرسمية والمعلنة، مشيراً إلى أن التحالف يواجه تحدياً جديداً نتيجة التوجه الأوروبي نحو الفحم والطاقة النووية الذي يعد تحولاً في مسار الطاقة بعيداً من النفط والغاز.
اتفاق سريع
وقال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي إنه لا تغيير في الاجتماع المقبل لتحالف "أوبك+"، ومن المرجح اتخاذ التحالف قراراً سريعاً آخر بالحفاظ على حجم الزيادة الأخيرة. وأشار الرفاعي إلى أن الاجتماع المقبل سيكون الأهم لبيان مدى تأثير الأسعار والتضخم على حجم الإنتاج من جانب منظمة "أوبك" وحلفائها، وتأثير ذلك أيضاً في الطلب العالمي على الخام في كثير من دول العالم، وأضاف أن ما يلي الاجتماع المقبل يحمل علامة استفهام مع إشارة بعض العوامل إلى التباطؤ الاقتصادي في بعض الدول الكبرى المستهلكة للخام مثل الصين التي قد تشهد تباطؤاً في النمو، ومن المحتمل أيضاً حدوث الركود في بعض الدول الأوروبية، وكذلك الولايات المتحدة مع انخفاض الطلب في أكبر مستهلك للخام في الولايات المتحدة بسبب الارتفاع الحاد في البنزين والوقود.
ولفت إلى أنه تلوح في الأفق احتمالية زيادة شحّ الإمدادات في السوق، مع سعي الدول الغربية نحو إيجاد طرق لخفض قدرة موسكو على تمويل حربها في أوكرانيا، في الوقت الذي يناقش قادة مجموعة "السبع" إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ما قد يؤدي إلى مزيد من صادرات النفط الإيرانية.
مستويات قياسية
وقال محلل أسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم إن أسعار النفط تواصل التحليق عند مستويات قياسية منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية وبخاصة كون موسكو شريكة خارجية غير رسمية متحالفة مع منظمة "أوبك" لتقييم التوازن النفطي العالمي وأسعاره، وذكر كرم أن الأسعار الحالية هي أيضاً نتيجة لقرارات الإنتاج المسبقة للتحالف مع الأعضاء خارجها، والجميع يترقب اجتماعها المقبل كونه يأتي في أوضاع أكثر حساسية مع استمرار ارتفاع أسعار النفط. وتابع، "جميع المراقبين يرون أنه لن تكون هناك أي تغييرات مفاجئة للقرار السابق، كما أن الأسعار الحالية هي مناسبة للدول المنتجة التي تعتمد اعتماداً كلياً على الإيرادات النفطية لدعم موازناتها"، وأشار كرم إلى أن هناك تذمراً كبيراً من الدول الاقتصادية الكبرى، والمستهلكة للنفط على الأسعار الحالية التي تفوق استطاعتها، ولهذا ربما نرى بعض الضغوطات على بعض أعضاء "أوبك+" لرفع إنتاجها وموازنة الأسعار لمستوياتها السابقة لتتراوح عند 70 دولاراً.
وتوقع محلل أسواق النفط رفض معظم أعضاء التحالف أي ضغوط من كبار المستهلكين بقيادة الولايات المتحدة فيما سيزيد النقاش داخل "أوبك+" كون روسيا أحد أطراف اللعبة، إلا إذا ما تم استبعادها، وهذا شبه مستحيل لحين الانتهاء من القرارات المتفق عليها مسبقاً، ورجح كرم أن يستمر التحالف في الحفاظ على قراراته السابقة ولا سيما أنه لا يوجد ما يجبره على مراجعة هذه القرارات في الوقت الراهن، مضيفاً، "ربما سنرى ارتفاعاً طفيفاً في أسعار النفط فور الانتهاء من اجتماع "أوبك+" المرتقب، وكشف أن منظمة "أوبك" عبر دراساتها للأسعار وتطورات الأوضاع الاقتصادية والسياسية حول العالم ربما ستتخذ قرارات تساعد على استقرار أسعار الخام عند المستوى الحالي أو تراجعه قليلاً عند المستويات المرغوبة.