Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يتمسك "أوبك+" برفض "تسييس النفط"؟

تكتل الدول المنتجة يدرك أهمية دوره في إستقرار الأسواق وسط سيطرته على نصف الإمداد العالمي من الخام

"أوبك +" يؤكد على أهمية إستقرار النفط بعيدا عن التدخلات السياسية (رويترز)

سيبقى "أوبك+" الذي يضم أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم بقيادة السعودية وروسيا تحالفاً اقتصادياً بحتاً وليس سياسياً، وفق ما تؤكده المعطيات على أرض الواقع، والأرقام الحالية التي تظهر مدى سيطرة التحالف على أكثر من نصف الإنتاج العالمي.  وبحسب تلك المعطيات الراهنة ومنظورات الأسواق المتفق عليها، فإن اتفاق تحالف "أوبك+" الذي يضم الأعضاء الـ 13 في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، إضافة إلى 10 دول خارجها، يؤكد أن روسيا بحاجة إلى "أوبك" على المدى البعيد كما للمنظمة احتياج إليها، لأن استقرار الاتفاق وفاعليته حالياً قائمة على التحالف الذي لن يستمر من دون موسكو وحلفائها، مثل كازاخستان وأذربيجان. 

ويأتي ذلك بينما يتعرض التحالف لضغوط كبيرة لزيادة الإنتاج في ظل العقوبات على موسكو، ثاني أكبر منتج للخام في العالم بعد الولايات المتحدة، بسبب حربها ضد أوكرانيا، فروسيا التي تعرضت إلى عقوبات اقتصادية عدة، بعد اجتياحها العسكري، لم يتأثر وجودها في "أوبك+"، وكذلك لم تتعرقل اتفاقات التحالف أو سياساته الإنتاجية مع التطورات الحاصلة في شرق أوروبا.

من جهتها، حذرت "منظمة أوبك" من تسييس العرض، في رد مستتر إلى وكالة الطاقة الدولية، وحذرت السعودية والإمارات من تسييس قضايا إمدادات النفط، بحجة أن الضغط على أي عضو خارج التحالف، في إشارة إلى روسيا، لن يؤدي إلا إلى زيادة الأسعار وسيؤثر في العملاء بدرجة أكبر.

 خريطة الإنتاج العالمي 

وبالنظر إلى خريطة الإنتاج العالمي نجد أن روسيا وحلفاءها في تحالف "أوبك+" سيطروا في العام الماضي على حوالى 49 مليون برميل يومياً، أي أكثر من نصف الإنتاج العالمي. وتوفر روسيا أكثر من 11 مليون برميل يومياً من الإنتاج بما يعادل أكثر من عُشر إنتاج النفط العالمي لتحالف "أوبك+"، وتسهم دولتان أخريان من خارج "أوبك" تدوران في فلك موسكو، وهما كازاخستان وأذربيجان بمليوني برميل يومياً، فيما يبلغ إنتاج الدول الـ 13 الأعضاء في منظمة "أوبك" نحو 31.6 مليون برميل يومياً.  

وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان ونظيره الإماراتي سهيل المزروعي عبرا عن رفضهما "تسييس" تحالف "أوبك+" حفاظاً على استقرار أسواق الطاقة، في إشارة إلى مطالب أميركية وغربية متواصلة لزيادة إنتاج النفط لتعويض النقص في السوق العالمية نتيجة العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على النفط الروسي. وخلال القمة العالمية للحكومات التي عقدت في دبي، تطرق وزير الطاقة السعودي إلى دور "أوبك+"، وقال إنه لولا ذلك التحالف "لما كنا نحتفل بسوق مستدامة للطاقة على الرغم من التقلبات الحالية، وإن الأمر كان يمكن أن يكون أسوأ". 

وتابع الأمير عبدالعزيز بن سلمان، "الجميع في (أوبك+) يضعون السياسة جانباً، وإذا لم نفعل فلن نستطيع التعامل مع كثير من الدول المختلفة في أوقات ما"، وأوضح أن "السبب في استمرار (أوبك) و(أوبك+) هو أن تلك المسائل تناقش وفق نهج يشهد تركيزاً أكثر بكثير على المسائل العامة الجيدة للصالح العام بعيداً عن السياسة". وأشار الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى أن روسيا تنتج نحو 10 ملايين برميل نفط يومياً، مما يشكل قرابة 10 في المئة من الاستهلاك العالمي، معتبراً تلك النسبة "مساهمة كبيرة".

وحول سؤال عن فكرة إخراج روسيا من "أوبك+"، قال الوزير السعودي إن "هناك عضواً في المنظمة هو من يلقي الصواريخ علينا وعلى أبوظبي، وهو من يدرب ويمول بالأسلحة"، في إشارة إلى إيران.  ولم يقتصر رفض تسيس عمل منظمة "أوبك+" على وزير الطاقة السعودي، بل اتفق معه نظيره الإماراتي سهيل المزروعي الذي شدد خلال الجلسة ذاتها على أن "المهمة الوحيدة للمنظمة هي تحقيق الاستقرار في الأسواق وتوفير أكبر قدر ممكن من الإمدادات"، مضيفاً أن "ممارسة الضغوط على أي شريك في التحالف النفطي لن تؤدي إلا إلى زيادة الأسعار".

وأضاف المزروعي أن منظمة "أوبك+" غير سياسية وتنظر إلى العرض والطلب، "ولا نستطيع معاملة الدول المنتجة للنفط داخل المنظمة معاملة سياسية، فهذا من شأنه أن يؤثر في استقرار السوق". 

 أمر معتاد 

وقال محرر الطاقة في وكالة "بلومبيرغ" خافيير بلاس إنه بالنسبة لتحالف "أوبك+" النفطي، فإن الحروب هي أمر معتاد، وفي الواقع فالحروب بين أعضائه أمر طبيعي. وتابع بلاس في مقالة نشرتها الوكالة: "ظلت إيران والعراق حليفين في منظمة أوبك على الرغم من عدائهما خلال حرب 1980-1988. وجلس وزيرا نفط العراق والكويت على طاولة واحدة حتى بعد غزو بغداد لجارتها عام 1990".  وأضاف، "وسط هذا النوع من التاريخ فإن أي توقع بأن (أوبك) ستفكك ببساطة تحالفها النفطي مع روسيا بسبب الحرب هو قصر نظر، فبالنسبة إلى مجموعة منتجي النفط لا تزال روسيا اليوم شريكاً أساساً".

 الاتفاق التاريخي 

في أواخر 2016 أعلن عن تحالف "أوبك+" وانضمام روسيا إلى جهود المنظمة لإعادة الاستقرار للأسواق، وذلك في"اتفاق تاريخي" قلب المعادلة من "حرب أسعار" ناتجة من إغراق الأسواق بالنفط إلى تعاون عالمي.  ويتجدد اتفاق "أوبك+" بشكل مستمر منذ بداية سريانه في 2017 وحتى الآن، وهذا مؤشر على تفضيل روسيا ومعها أعضاء المنظمة إبقاء الوضع الحالي من دون تغييره. 

وقبل ذلك التاريخ لم تكن روسيا حليفاً لمنظمة "أوبك"، خصوصاً عند النظر إلى التجارب السابقة بين الاثنين، ففي جميع المحاولات السابقة للتعاون في أسواق النفط كانت روسيا تتنصل من التزاماتها لخفض الإنتاج من أجل تحسين أوضاع أسواق النفط، إلا أن ذلك تغير بعد الإعلان عما يعرف باتفاق "أوبك+" الذي شكل تحولاً بين موسكو والمنظمة، بحسب مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة. 

 وضع متأزم 

وبحسب الدراسة التي نشرها المركز في عام 2019 تحت عنوان "لماذا تتعاون روسيا مع منظمة أوبك؟"، أتى اتفاق "أوبك+" على خلفية وضع متأزم لأسواق النفط منذ انهيار الأسعار عام 2014، فقد تعرضت أسواق النفط إلى تراجع كبير لأسباب عدة اجتمعت في الوقت نفسه، كان أهمها الصعود المثير لإنتاجية النفط الصخري الأميركي، إذ فاقت معدلات نموه المليون برميل يومياً.

والسبب الثاني التخوف من التراجع في الاقتصاد الصيني والنظرة العامة للاقتصاد العالمي، فكانت هناك حال من الشك حول مقدرة الصين على مواصلة تحقيق معدلات النمو المرتفعة للسنوات الماضية، وتخوف من تأثير أي تراجع في نمو الاقتصاد الصيني على مستوى الطلب على النفط، بخاصة في ظل نمو الإنتاج الأميركي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما السبب الثالث، ولعله هو الأهم من ذلك كله، فهو قرار "أوبك" التاريخي في نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام بالتخلي عن سياسة دعم الأسعار وتحولها إلى سياسة الدفاع عن الحصص السوقية، حيث لم تكن الأسواق تتوقع أن تقدم "أوبك" على هذه الخطوة، ولطالما كان المشككون في قدرات المنظمة يتحدثون عن سوء التنسيق بين الأعضاء وعدم الالتزام بالحصص الإنتاجية، إلا أن قرار "أوبك" فاجأ الجميع وتسبب في صدمة لأسواق النفط، وأدى إلى تراجع الأسعار من مستوى 100 دولار إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل خلال الفترة التي أعقبت قرارها.

وكانت موسكو نفسها ضمن المتضررين آنذاك، إذ انكشف الروبل إضافة إلى عقوبات عليها بسبب الخلاف مع أوكرانيا بسبب ضم شبه جزيرة القرم في 2014، ولعل أهم جانب إيجابي استطاعت روسيا أن تخرج به من أزمة تراجع أسعار النفط هو حفاظها على احتياطاتها الأجنبية ودخولها لاتفاق "أوبك+" بعد عامين، والذي كان له الدور الواضح في تخفيف معاناتها الاقتصادية.

في السابق، تعاونت روسيا مع "أوبك" إلا أنها في جميع هذه الحالات لم تف بالتزاماتها تجاه اتفاقها مع المنظمة، ففي عام 1998 تراجعت أسعار الخام نتيجة رفع الإنتاج من قبل "أوبك" بالتزامن مع أزمات اقتصادية في آسيا وروسيا، وعلى أثر ذلك قررت "أوبك"، إضافة إلى أربع دول من خارجها (روسيا والنرويج والمكسيك وعُمان) في 1999 الخفض اليومي بنحو 2.1 مليون برميل، وبالفعل نفذت "أوبك" وبقية الدول الخفض عدا روسيا، فبدلاً من أن تسهم روسيا بخفض 100 ألف برميل من إنتاجها استمرت في مواصلة الرفع حتى نهاية ذلك العام.

وفي 2011 انهارت الأسعار مجدداً، وفي تلك المرة وجهت المنظمة خطابها مباشرة نحو روسيا للإسهام في تحمل مسؤولية تصحيح أوضاع السوق، فأعلنت موسكو أنها ستخفض الإنتاج 150 ألف برميل يومياً، ثم رفعته بنسبة 300 ألف برميل يومياً. وأخيراً، أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008، صرحت روسيا أنها ستخفض صادراتها لدعم استقرار الأسواق، لتفاجأ "أوبك" بزيادة في الصادرات الروسية بـ 700 ألف برميل. 

آلية مراقبة الإنتاج 

في الاتفاق الحالي تغير كل ذلك، إذ هناك آلية لمراقبة الإنتاج لجميع الأعضاء لضمان الالتزام بالحصص الممنوحة، من خلال اللجنة الوزارية المشتركة لمراجعة مستويات الإنتاج والتحضير لاجتماعات "أوبك" و"أوبك+".  ومنح اتفاق "أوبك+" متنفساً لروسيا بعد التدهور الكبير في اقتصادها أعوام 2014 – 2016، إذ عانت موسكو بسبب انهيار الروبل وارتفاع التضخم والبطالة مع انكماش في النشاط الاقتصادي. ومثلما تدرك منظمة "أوبك" أهمية روسيا وأخطار خروجها من اتفاق "أوبك+"، يدرك الروس أيضاً أخطار الخروج وتبعات ذلك على أسعار النفط، ومن ثم على الاقتصاد الروسي، وروسيا تنظر إلى الاتفاق ليس بكونها منفردة، بل بكونها جزءاً من تكتل يمتلك أكثر من نصف إنتاج العالم من الخام، ويمنح موسكو التأثير في أسعار الخام بشكل لم تكن تفعله في السابق.

المزيد من البترول والغاز