Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أخطأ صانعو السياسات النقدية في فهم مناورة التضخم؟

وباء كورونا وحرب أوكرانيا أدّيا إلى تعطيل النماذج الاقتصادية البائدة في حساب معدل ارتفاع الأسعار

الأسعار الجامحة شكلت كارثة لصانعي السياسة النقدية في جميع أنحاء العالم، إذ لم يتوقعها أي منهم (أ ف ب)

يقع الاقتصاد البريطاني في قبضة أعلى نوبة تضخم في العالم المتقدم، وهو على وشك أن يزداد سوءاً، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 9.1 في المئة، في مايو (أيار)، وهو أعلى مستوى لها منذ 40 عاماً، ومن المتوقع أن تصل إلى ذروتها فوق 11 في المئة هذا الخريف على خلفية ارتفاع فواتير الطاقة.

وتحتل بريطانيا صدارة جدول التضخم، لكن الأسعار الجامحة شكلت كارثة لصانعي السياسة في جميع أنحاء العالم، إذ لم يتوقعها أي منهم. فقبل أكثر من عام، قال بنك إنجلترا إن متوسط التضخم سيتجاوز بقليل هدفه البالغ 2 في المئة في الربع الثالث من هذا العام. وفي الأسبوع الماضي، رفع البنك توقعاته للتضخم مرة أخرى من ذروة بلغت 10.2 في المئة إلى أكثر من 11 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول)، أي أكثر من خمسة أضعاف المعدل المستهدف.

استخفاف البنك المستمر بالقوى التضخمية ليس فريداً بين صانعي السياسة النقدية الذين تتمثل مهمتهم في الحفاظ على الأسعار منخفضة ومستقرة، إذ قدمت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأميركية، اعترافاً نادراً هذا الشهر بأنها أخطأت في ما يتعلق بالتضخم بعد تحذيرات من أن تحفيز واشنطن في عهد الوباء قد يتسبب في زيادة سخونة الاقتصاد.

وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق لشبكة "سي أن أن"، "كنت مخطئاً في ذلك الوقت في شأن المسار الذي سيتخذه التضخم"، كما اعترف الاقتصاديون في البنك المركزي الأوروبي بأن توقعاتهم "قللت إلى حد كبير" من نمو الأسعار الفعلي منذ انتشار الوباء.

والسؤال هو: كيف اتكبوا هذا الخطأ؟ يقول النقاد إن سلوك القطيع للبنوك المركزية والمتوقعين الحكوميين المستقلين ومهنة الاقتصاد بشكل عام تعود إلى النماذج البائدة التي يستخدمونها لحساب متى وكيف ترتفع الأسعار. فالنماذج إما تتجاهل أو تقلل من أهمية التحولات الهيكلية الكبيرة في الاقتصاد العالمي، مثل دور العولمة، وسلاسل إمداد السلع الأساسية، وأسعار الصرف.

إعادة التفكير في نماذج التضخم

تستند نماذج التضخم التقليدية للاقتصاديين إلى العلاقة العكسية بين البطالة والأسعار، والمعروفة باسم "منحنى فيليبس"، الذي يفترض أن انخفاض البطالة يرفع الأسعار تدريجياً عن طريق زيادة الطلب في الاقتصاد، في حين تعمل السياسة النقدية وأسعار الفائدة إما على التهدئة أو تحفيز الطلب لإبقاء التضخم منخفضاً ومستقراً.

وتفترض هذه النظرة المدفوعة بالطلب أنه عندما يريد المستهلكون مزيداً من السلع أو الخدمات، يكون هناك عرض كافٍ للاستجابة لتلك الاحتياجات، لكن الوباء تسبب في اضطراب لا يوصف في سلاسل التوريد العالمية، حيث أصاب كل شيء من سعة حاويات الشحن إلى الغاز الطبيعي والنفط. وعاد طلب المستهلكين إلى الحياة بعد انتهاء قيود الإغلاق، لكن سلاسل التوريد الضعيفة استغرقت وقتاً أطول للتعافي.

كان هذا كله قبل الحرب في أوكرانيا، التي أعطت الضغط التضخمي العالمي دفعة أخرى من خلال الجنون الفائق لأسعار الغاز والطاقة. ووفقاً لأندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، فإن عوامل العرض الخارجية هذه مسؤولة عن نحو 80 في المئة من تجاوزات التضخم في المملكة المتحدة. وقال بيلي للنواب، الشهر الماضي، "لا يمكننا التنبؤ بأشياء مثل الحروب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالنسبة إلى كريستين فوربس، التي كانت تعمل سابقاً في تحديد أسعار الفائدة بالبنك، يحتاج محافظو البنوك المركزية إلى إعادة التفكير في نماذج التضخم الخاصة بهم، من خلال التركيز على أكثر من مجرد الديناميكيات المحلية. وتقول فوربس إن العلاقة بين البطالة والتضخم كادت تنهار قبل الوباء، لأن أسواق العمل لم تجبر الأسعار على الارتفاع بسبب التأثير المعاكس للعمالة العالمية الرخيصة وانخفاض أسعار السلع الأساسية.

بحسب "التايمز"، كتبت كريستين فوربس في ورقة بحثية صدرت عام 2019 لصالح بنك التسويات الدولية، "نظراً إلى أن العالم أصبح أكثر تكاملاً من خلال سلاسل التجارة والإمداد، فلا ينبغي أن تلعب العوامل العالمية دوراً ثانوياً في نماذج ديناميكيات التضخم". وأضافت، "مع تطور الاقتصاد العالمي، حان الوقت لأن تتطور نماذج التضخم لدينا أيضاً".

كان العامل الآخر الذي فاجأ البنوك المركزية على حين غرة، هو توافر العمال في أعقاب الوباء، إذ قال بيلي إن المملكة المتحدة عانت تقلص القوى العاملة بسرعة، حيث يظل الناس عاطلين عن العمل، بسبب المرض طويل الأمد الناجم عن الوباء. وقد ساعد هذا في دفع البطالة إلى أدنى مستوياتها القياسية عند 3.7 في المئة، وولد بعض الضغط التصاعدي على الأجور.

الفائدة الأميركية وصقور التضخم

لكنّ عدداً قليلاً من الاقتصاديين يزعمون أنهم رأوا كل ذلك قادماً. أبرزهم وزير الخزانة الأميركي السابق لاري سمرز، الذي حذر إدارة بايدن، العام الماضي، من حزمة تحفيز بقيمة 1.9 تريليون دولار تخاطر بإذكاء التضخم القياسي وإجبار مجلس الاحتياطي الفيدرالي على الضغط على الاقتصاد، ويبدو أن نبوءة الصيف تحدث في الولايات المتحدة، مع رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل كبير، لكن مارك بليث، الاقتصادي السياسي في جامعة براون، يعتقد أن صقور التضخم على حق، ولكن لأسباب خاطئة. فلا يزال التلاعب بالأسعار غير المسبوق من الشركات الدولية والطلب على الطاقة المحركين الرئيسين لصدمة التضخم بدلاً من دوامة أسعار الأجور المحلية التقليدية، فقد صدرت شيكات التحفيز الأميركية قبل عام، وغادرت قبل تسعة أشهر. وقال بليث، "النظرية النقدية للطلب على النقود لا تبدو مقنعة".

لمح المصنعون إلى أن ضغوط الأسعار قد تتراجع قريباً، وهو ما أظهره مسح أجراه اتحاد الصناعة البريطانية، مما يزيد الآمال في إمكانية ترويض التضخم، كما تراجعت توقعات الشركات لارتفاع الأسعار إلى أدنى مستوى لها في تسعة أشهر في يونيو (حزيران).

وانخفض رصيد الأسعار الصناعية الشهرية للاتحاد البريطاني للصناعة إلى (58+) في يونيو من (75+) في مايو، وهو أدنى مستوى له منذ سبتمبر (أيلول). وقالت آنا ليتش، نائبة كبير الاقتصاديين للاتحاد البريطاني للصناعة، "في حين أن الإنتاج مدعوم بتراكم الطلبات، يبدو أن النمو يتراجع، وقد نشهد أولى الإشارات على أن ضعف النشاط بدأ في إبطاء وتيرة زيادات الأسعار".

كما انخفض مقياس الطلبات الصناعية الرئيسة إلى (18+) في يونيو من (26+) في مايو. وضعفت أوامر التصدير. ويتوقع المصنعون نمواً أبطأ في الأشهر الثلاثة المقبلة، على الرغم من أن تراكم الطلبات يخفف من ضعف الطلب. وقال ليتش، "يظل نقص المهارات عائقاً رئيساً أمام النمو".

وكانت الأرقام الرسمية، الأسبوع الماضي، أظهرت أن الاقتصاد البريطاني انكمش بنسبة 0.3 في المئة في أبريل (نيسان)، في وقت يحذر فيه بنك إنجلترا من أن التضخم قد يتجاوز 11 في المئة في أكتوبر. وقال صمويل تومبس، كبير الاقتصاديين في "بانثيون ماكرو إيكونوميكس"، إن بيانات الاتحاد البريطاني للصناعة تشير إلى أن التضخم لن يلبي توقعات البنك.

اقرأ المزيد