Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب أوكرانيا عصفت بدول آسيا الوسطى وحري بالغرب التحالف معها

لدى أوروبا فرصة استراتيجية غير مسبوقة ليس من الذكاء عدم اقتناصها

يمكن لكازاخستان أن تصبح لاعباً أساسياً في سوق القمح العالمية (أ ب)

إن العدوان الروسي ضد أوكرانيا أدى إلى تغيير الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية العالمية بشكل جوهري - وتضررت جراء ذلك دول الاتحاد السوفياتي السابق بشكل حاد جداً.

للأسف، إن أغلبية تلك الدول تلعب دور المتفرج البريء على ما يجري. لقد بقيت تلك الدول متمسكة بحياديتها أو حتى متعاطفة مع كييف، لكن وبشكل مفجع للغاية، فإن العقوبات المبررة التي فرضت على روسيا لم تنجح في إعفائهم من العناء.

إن أبسط الأمثلة على ذلك يمكن رصده في آسيا الوسطى حيث كان عدد من تلك الدول شركاء اقتصاديين لروسيا قبل الحرب. وهناك روابط تاريخية واقتصادية طويلة على المحك اليوم. إن الدول الثلاث كازاخستان وقيرغيزستان وطاجكستان هي أعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، فيما تنضوي كازاخستان وقيرغيزستان أيضاً في ما يعرف باتحاد الأوراسي الاقتصادية Eurasian Eco­nomic Union. وعلى الرغم من هذه الروابط القوية فلم يتم إعلام أي من قادتها بخطط موسكو لاجتياح أوكرانيا. وبعد ذلك قامت كل تلك الدول بالتنديد بالأعمال الروسية إما بشكل مباشر أو بقيت متمسكة بالحياد فيما هي تسعى إلى الوساطة لإنهاء ذلك العدوان.

على الرغم من تحركاتهم الجريئة، عانت اقتصادات دول آسيا الوسطى في الأيام الأولى من الحرب بشكل متساوٍ لما واجهته روسيا. لقد فقدت عملة كازاخستان 19 في المئة من قيمتها مقابل الدولار بين 20 فبراير (شباط) و10 مارس (آذار)، فيما خسرت عملة دولة قيرغيزستان 19.5 في المئة من قيمتها في الفترة نفسها. وبينما لم تفرض دول آسيا الوسطى ضوابط مالية مثل تلك التي فرضتها روسيا، إلا أنها كانت مجبرة على إحكام إجراءاتها المالية وتشديد ضوابط الرأسمال وتقييد إخراج الأموال من البلاد. كل ذلك يزيد من إمكانية مواجهة هذه الدول مصاعب اقتصادية معتبرة خلال هذا العام.

وتشكل مسألة تحويلات المواطنين من الخارج إحدى الأسباب الأساسية للأزمة التي تلوح في الأفق. فالتحويلات الواردة من حسابات المغتربين في روسيا تشكل 23 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي في طاجكستان، و21 في المئة في قيرغيزستان، و11 في المئة من أوزبكستان. ولم يقتصر الأمر على تأثر تحويلات المغتربين بالفوضى الاقتصادية في روسيا بل إن عملية ضبط التحويلات المصرفية في روسيا أدت إلى عرقلة تدفق التحويلات مجدداً نحو دول آسيا الوسطى. زيادة على ذلك، تبلغ حصة روسيا من تجارة طاجكستان الدولية نحو 21.3 في المئة، و23.9 في المئة في كازاخستان، و31.6 في المئة من حصة تجارة قيرغيزستان الدولية. إن حجم الاعتماد الاقتصادي لتلك الدول على روسيا يعطي موسكو نفوذاً كبيراً في المنطقة.

كازاخستان هي خير مثال عن هذا التوتر

تلك الدولة فاجأت بشكل إيجابي العالم عبر رفضها أن تلتزم بالخط [السياسي] الروسي، مفضلة أن تحافظ على خط سياسة خارجية مستقل [عن موسكو]. وهذ أمر ليس بالسهل، فروسيا كررت مراراً التذكير بأن الأراضي الكازاخستانية الشمالية كانت قد "قدمت" لأستانا، من قبل حكومة الاتحاد السوفياتي لسبب غير مبرر يحاكي الرواية الروسية التي تحيط بعملية نقل السيادة على شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا في عام 1954. وتظل الشركات الروسية جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الكازاخستاني، لكن كازاخستان تخشى أن تؤدي مواصلة تعاونها مع روسيا إلى فرض عقوبات عليها من قبل الدول الغربية. وأغلب نفطها يصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي وسويسرا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت كل الحكومات في آسيا الوسطى قد أعلنت أنها ستلتزم بالعقوبات الغربية [المفروضة على روسيا]، وأنها لن تتحول ملاذات للتهرب الروسي من العقوبات.

إن الأمن الغذائي الإقليمي في تلك الدول هو قضية أساسية أخرى. كازاخستان صدرت ستة ملايين طن من القمح في عام 2021، وهي تحتل المركز 12 على لائحة أكبر الدول المصدرة للقمح. في 15 مارس أعلنت روسيا فرض حظر مؤقت على تصدير القمح والشعير والذرة والشيلم. وفيما يفترض أن ينتهي مفعول التعليق بحلول 30 يونيو (حزيران)، فإن كازاخستان أجبرت على أن تلحق بروسيا عبر استحداث حصص على صادراتها. هذه الإجراءات دفعت أسعار الغذاء في أسواق دول آسيا الوسطى إلى الارتفاع بشكل كبير. حتى إن الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمون، اقترح أنه على المواطنين العمل على تأمين كميات احتياطية من الغذاء تكفيهم مدة عامين لتلافي الجوع!

يمكن لكازاخستان أن تتحول لاعباً أساسياً في أسواق القمح العالمية عبر عملها على خفض اعتماد الدول النامية في العالم على القمح الروسي، فيما تواصل العمل على استقرار الأسعار بالتعاون مع القوى الغربية والدول المستهلكة.

إن اجتياح روسيا لأوكرانيا بدأ في مرحلة حساسة بالنسبة إلى عملية تحديث دول آسيا الوسطى. كازاخستان وأوزبكستان كانتا قد نفذتا عدداً من الإصلاحات الناجحة في سبيل تحرير الاقتصاد والسياسة. ولذلك فمن المقلق أن تؤدي عقوبات موجهة ضد مذنب واحد الآن إلى التسبب بتداعيات إنسانية وارتدادات جيوسياسية عليهما.

على الرغم من الضغوط الروسية، تتمسك كازاخستان ودول آسيا الوسطى عموماً بسياساتها المشككة بروسيا، لذلك يتحتم على وزارة الخزانة الأميركية أن تعفي الصادرات الكازاخستانية من النفط الخام التي تمر عبر روسيا من العقوبات المفروضة حالياً على موسكو. وعلى الاتحاد الأوروبي أن يطبق الإعفاءات نفسها على حزمة عقوبات الاتحاد السادسة القادمة التي تستهدف صادرات النفط والغاز الروسية إلى الدول الأوروبية.

القوى الغربية عليها تقدير الجهود التي تقوم بها دول آسيا الوسطى في سعيها للوقوف في مواجهة الحرب العدوانية التي تشنها روسيا على أوكرانيا وفي التزامها بالعقوبات المفروضة [على روسيا].

على الغرب أن يعتمد استراتيجية جيوسياسية حكيمة تسمح بتلافي الضغط العلني على دول آسيا الوسطى، والذي من شأنه فقط تعزيز النفوذ الروسي أم الصيني فيها. بدلاً من ذلك، المطلوب هو إيجاد تسويات معقولة مفيدة للطرفين. دول آسيا الوسطى تمنح الغرب فرصة استراتيجية غير مسبوقة، وسيكون من غير الصواب عدم اقتناصها.

*فلاديسلاف إينوزيمتسيف هو مدير مركز دراسات المجتمع ما بعد الصناعي (في موسكو) the Center for Post-Industrial Society Studies، ومستشار خاص لمعهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام (في واشنطن) Middle East Media Research Institute

*نشر المقال في "اندبندنت" بتاريخ 8 يونيو 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء