Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهند تتطلع إلى الفحم في ظل تفاقم أزمة الطاقة وهبوب الرياح الموسمية

الخبراء يعزون نقص الطاقة المتكرر في الهند إلى أزمة في سلسلة التوريد، وليس في القدرة، في حين أن التقدم البطيء في إنتاج مصادر الطاقة المتجددة لا يزال يمثل مشكلة

شهدت الهند في أبريل الماضي انخفاضا حاداً في مستويات الطاقة جراء عدم توافر الفحم (أ ب)

قد لا تنال محطات الطاقة في الهند التي نفدت خلال موجة الحر الشديدة في الشهرين الماضيين أي فرصة لالتقاط الأنفاس. فانخفاض درجة الحرارة يعني أن هناك زخات موسمية، على رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة لرفع الطاقة الإنتاجية للفحم في البلاد.

وتعاني الهند من أسوأ أزمة كهرباء منذ أكثر من ست سنوات حيث أدت موجة الحر الشديدة والمبكرة إلى زيادة الطلب على الكهرباء، على الرغم من بلوغ إنتاج الفحم مستويات قياسية في 2021-2022. لكن الأسوأ لم ينته بالنسبة للهند. فوفقاً لتقرير صدر أخيراً عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي، من المرجح أن تواجه الهند أزمة طاقة أخرى في يوليو (تموز)  وأغسطس (آب)  بسبب انخفاض مخزون الفحم في محطات الطاقة قبل هبوب الرياح الموسمية.

وقالت وكالة الأبحاث المستقلة في تقريرها الأخير: "تشير البيانات التي جرى جمعها من مصادر رسمية إلى أن محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم ليست مهيئة ولا في وضع يمكنها من التصدي حتى لارتفاع طفيف في الطلب على الطاقة، وهناك حاجة للتخطيط لإنتاج الفحم في وقت مبكر."

وأوضح مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي: "إذا لم يجر تجديد مخزون الفحم إلى مستويات كافية قبل هبوب الرياح الموسمية، فقد تتجه البلاد نحو أزمة طاقة أخرى في يوليو وأغسطس 2022."

وفي حين أشارت التقارير الأولية إلى أن فترة الراحة التي ستحظى بها محطات الطاقة نتيجة لانخفاض درجات الحرارة بسبب الرياح الموسمية، وانخفاض الطلب على الكهرباء التي يجري إنتاجها بالري، من شأنه أن يخفف الضغط على محطات الطاقة الحرارية، تظهر البيانات الحالية أن المحطات لا تزال تعمل بمستوى أقل من الفحم.

وتعد الهند ثاني أكبر منتج ومستهلك للفحم بعد الصين وموطن لأكبر شركة تعدين للفحم في العالم، وهي شركة "Coal India". وتمتلك الهند رابع أكبر احتياطي للفحم في العالم، كما أن طاقتها الإنتاجية المتوقعة من كتل الفحم التي تم تخصيصها سابقاً أعلى بنحو 20 في المئة من الطلب المتوقع في البلاد بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير آخر صادر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي.

ومع ذلك، تواجه البلاد نقصاً متكرراً في مستويات الطاقة بشكل سنوي مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي خلال مواسم الذروة، وترك السكان والشركات في غياهب النسيان. يشير التحليل الأخير الذي أجراه الخبراء إلى أن نقص الطاقة المتكرر في الهند هو نتيجة لمشكلة أكبر في سلسلة التوريد لا علاقة لها بقدرة الفحم الهائلة.

ففي أبريل، شهدت الهند نقصاً حاداً في الطاقة جراء عدم توافر إمدادات الفحم، وتم تسجيل نقص في الطاقة يتجاوز 100 مليون وحدة في ثمانية أيام على مدار الشهر.

وتسببت أزمة الطاقة التي تعرضت لها البلاد في إحداث تأثير تعاقبي لعدد من العوامل مثل ارتفاع الطلب من الصناعات عقب التعافي من "كوفيد"، وزيادة الطلب على الطاقة لحلول التبريد حيث كان شهر مارس (آذار)  هو الأكثر حرارةً منذ 122 عاماً بينما لم يتمكن المخزون المحدود في محطات توليد الطاقة بالفحم من تلبية الطلب.

ومع ذلك، أشار تقرير مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي إلى أن أزمة الطاقة الأخيرة في الهند لم تكن بسبب إنتاج الفحم بل بسبب "التوزيع واللامبالاة على المستوى الرسمي"، وهو أمر حذر منه خبراء الطاقة في البلاد منذ فترة طويلة. وقال هيمانشو غوبتا، الرئيس التنفيذي لشركة (ClimateAi)، لصحيفة "اندبندنت": "إن سلسلة توريد الفحم معرضة بشدة لتقلبات الطلب على الطاقة – بسبب موجات الحر مثل تلك التي تحدث في الصيف وتقلب إمدادات الفحم - حيث يفرض هطول الأمطار تحديات لوجستية لأنشطة التعدين ونقل الفحم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف غوبتا: "ومع ذلك، فإن التحدي يتفاقم نظراً لمستويات التنسيق الضعيفة للمعلومات بين شركةCoal India ووزارة الطاقة والسكك الحديدية الهندية والولايات المختلفة. لن أقول بسبب عيب في الإنتاج أو التوزيع، بل سأسميه عيباً في تنسيق المعلومات على ثلاثة مستويات – التنبؤ بالطاقة، وتوقعات إمدادات الفحم، بالتالي سعة الشحن بالسكك الحديدية المطلوبة لنقل هذا الفحم."

مرت الهند بأزمة كهرباء خلال الرياح الموسمية العام الماضي أيضاً. ويشير التقرير إلى أن "السبب الرئيسي لأزمة الطاقة في العام الماضي كان تقاعس مشغلي محطات الطاقة عن تخزين الفحم الكافي قبل بداية الرياح الموسمية الجنوبية الغربية".

وذكر التقرير: "التوقيت حاسم لأن الرياح الموسمية تغمر مناجم الفحم، ما يعوق نشاطات إنتاجها ونقلها إلى محطات الطاقة."

ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن أي استعدادات للموسم المقبل. ومما يزيد الأمر سوءا هو أن الأخطاء نفسها تتكرر قبل موسم الرياح الموسمية، عندما تكون البلاد مسبقاً على علم بتخفيض مستويات المخزون في محطات الطاقة. وأوضح تقرير مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي أنه في بداية شهر مايو (أيار)، لم يتبق سوى مخزون ستة أيام من الفحم في محطات الطاقة غير الرئيسية، علماً أن المخزون المنصوص عليه بحسب اللوائح هو 20-26 يوماً، مشيراً إلى أن هذه الكمية تكفي لتزويد البلاد بالطاقة لمدة سبعة أيام فقط.

وقال سونيل داهيا، المحلل في "مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي": "كان إنتاج الهند من الفحم هذا العام هو الأعلى في تاريخها، ومن المفارقات العجيبة أن الملايين من الناس يُتركون عرضة لانقطاع التيار الكهربائي في غمرة موجات حر شديدة وتقلبات أخرى في طقس الهند. يعرف المسؤولون جيداً أيضاً أن الرياح الموسمية ستؤثر في أنشطة التعدين والنقل ولكنهم لا يتخذون أي إجراء استباقي لحل هذه الأزمة".

ومع ذلك، فإن الذعر الذي أحدثته أزمة الطاقة دفع الحكومة الهندية للبحث عن المزيد من الوسائل لشراء الفحم وتوسيع إنتاجه بشكل أكبر للتعامل مع النقص، على حساب تجاهل أهدافها المناخية. وعلى الرغم من أن درجات الحرارة تتراجع إلى المستوى الطبيعي، وذلك بفضل الأمطار الموسمية المبكرة، فإن ذلك لا يمثل أي مصدر راحة لمحطات الطاقة.

وكان وزير الفحم الهندي، برالهاد جوشي، قد أعلن أن الهند زادت إنتاجها بنسبة 6 في المئة في أبريل، مقارنةً بالشهر نفسه من عام 2020. كما تراجعت الحكومة عن سياسة خفض واردات الفحم الحراري، وتخطط لإعادة فتح المناجم المغلقة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.

وقد دفع ذلك الوضع شركة Coal India لطرح عطاء لفترات قصيرة ومتوسطة الأجل الاسبوع التالي بهدف استيراد الفحم. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ عام 2015 التي يقوم فيها أكبر منتج للفحم في العالم باستيراد الوقود الأحفوري.

وأضاف السيد غوبتا: "موجات الحر في الهند هي مسألة حياة (فالناس تموت بسبب ضربات الشمس) كما أنها سبل معيشة (فهناك أكثر من 200 مليون هندي ممن يعملون في الزراعة والتصنيع غير الرسمي يعتمدون على إمدادات موثوقة من الكهرباء). لا يمكننا تحمل انقطاع التيار الكهربائي، بالتالي فإن الحل الوحيد على المدى القصير هو رفع الطاقة الإنتاجية للفحم وزيادة استخدام محطات الطاقة التي تعمل بالفحم".

ومع ذلك، أشار إلى أنه لا يدعو إلى زيادة سعة طاقة الفحم.

وأوضح غوبتا: "على المدى المتوسط، يجب أن نحد من التحديات اللوجستية والتنسيقية وأن تكون لدينا أنظمة تنبؤ أفضل لتجنب مثل هذه الأزمات على المدى الطويل"، مضيفاً أن مصادر الطاقة المتجددة والتخزين على نطاق الشبكة يمكن أن تحقق نقلة لقطاع الكهرباء في الهند وتحويله إلى قطاع يعتمد على الطاقة النظيفة ويقدم خدمات موثوقة ومنصفة.

كما حذر تقرير سابق أصدره مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي من زيادة سعة إنتاج الفحم في البلاد وأشار إلى إن زيادة إنتاج الفحم بما يتجاوز الطلب سيؤدي إلى زيادة العرض، مما يتسبب في ضغوط مالية وأصول عالقة.

ويمثل الفحم ما يقرب من 75 في المئة من الطاقة التي تنتجها الهند. كان الاعتماد الكبير للهند على الوقود الأحفوري مصدر قلق في مؤتمر الأطراف 26 (المعروف باسم مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في غلاسكو)، حيث ادعى رئيس وزراء البلاد ناريندرا مودي تقليل هذا العبء، وتوفير نصف الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 والوصول إلى صافي انعدام الانبعاثات صفري عام 2070.

ومع ذلك، لم يتم تقديم أي من هذه الأهداف رسمياً كمساهمات جديدة للهند محددة وطنياً في سجل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ حتى الآن. وفي الواقع، لا يزال أمام الهند شوط طويل جداً لتحقيق أهدافها القديمة على الرغم من التقدم الهائل المحقق على مدار السنوات القليلة المنصرمة.

كان مودي رجل اللحظة في مؤتمر الأطراف 26 بعد أن أعلن التزامه بزيادة الطاقة الخضراء وتسريع خفض الانبعاثات.

وقال توم إيفانز، مستشار السياسات المعنية بدبلوماسية المناخ ومقره لندن وأحد منسوبي مركز الأبحاث "إي 3 جي": "لقد كانت الأشهر الستة التي تلت مؤتمر غلاسكو بمثابة تذكير مؤلم لماذا من المهم للهند الالتزام بهذه الوعود".

وأوضح إيفانز: "في ظل المزيد من مصادر الطاقة المتجددة والقليل من الفحم، سيكون لدى الهند نظام طاقة أكثر تنوعاً ومرونةً وأماناً، ونظام أقل تلويثاً يمكن أن يساعد في تجنب موجات الحر المستعرة في المستقبل. إن المضي قدماً في تحقيق هدف واضح وطموح للمناخ لعام 2030 أمر بالغ الأهمية لضمان أن يفي مودي بوعوده بتسريع  عجلة التحول إلى الطاقة النظيفة وذلك سيجعله نجم الحفل في مؤتمر الأطراف 27 مرة أخرى".

وأظهر تحليل أجرته مؤسسة بحثية تدعى Climate Risk Horizons معنية بأبحاث مخاطر المناخ أن الهند كان بإمكانها تجنب أزمة الطاقة هذه لو أنها واصلت تحقيق هدفها القديم المتمثل في استخدام الطاقة المتجددة بقدرة 175 غيغاوات.

وقال أبهيشيك راج، المحلل في مؤسسة Climate Risk Horizons: "إن الإنتاج الإضافي من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كان سيعين مصانع الطاقة على الحفاظ على مخزونات الفحم المتضائلة واستهلاكها خلال أوقات الذروة المسائية عندما ينخفض مستوى توليد الطاقة الشمسية. وكان من الممكن ترجمة توليد الطاقة المتجددة الإضافية إلى توفير ما لا يقل عن 4.4 مليون طن من الفحم".

وفي عام 2016، حددت الهند هدفاً للوصول إلى 175 غيغاوات من الطاقة المتجددة بحلول العام، واعتباراً من أبريل، كان لديها 95 غيغاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ونوه التقرير إلى أن ذلك يعني انحرافاً عن الهدف بحوالي 51 غيغاوات.

وقال  أشيش فرنانديز، الرئيس التنفيذي لـ Climate Risk Horizons: "أمران حقيقيان: لولا النمو الضخم لمستويات الطاقة المتجددة الذي تحقق منذ 2016، لكانت عواقب أزمة الكهرباء التي وقعت في أبريل وخيمة بشكل أسوأ مما وقع. وفي الوقت نفسه، إذا كنا نخطو على المسار الصحيح لتحقيق 175 جيجاوات بحلول نهاية العام، فلن تكون هناك أزمة طاقة على الإطلاق.

القيود اللوجستية في سلسلة توريد الفحم هي سمة دائمة وستتكرر بالتأكيد، وكذلك موجات الحرارة؛ وأفضل حماية هي تنويع مزيج الكهرباء. وذلك يزيد الحاجة إلى قيام المركز وحكومات الولاية بتوسيع نطاق انتشار الطاقة المتجددة بسرعة وتقليل الاعتماد على الفحم".

© The Independent

المزيد من البترول والغاز