Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطط إقامة أكبر منجم للفحم في الهند تواجه مقاومة محلية شرسة

 ستُهدم منازل الآلاف من أبناء القبائل وذلك من أجل مشروع ضخم للفحم قوبل بقلق عالمي في أعقاب التقدم بشأن تعهدات تصفير صافي الانبعاثات في [ قمة المناخ ] "كوب 26".أليشا رحمان ساركار تصف ما يجري في البنغال الغربية في التقرير التالي

يتوقع أن يتمخض المشروع عن إنشاء أكبر منجم للفحم الحجري في البلاد وإنتاج إمدادات الفحم الحجري خلال 100 سنة مقبلة (غيتي)

يرحب تمثال للزعيمين القبليين سيدهو وكانهو [قائدي ثورة في شرق الهند على سلطات الاستعمار البريطاني] بالمسافرين عند مدخل قرية هارينسينغها في مقاطعة بيربهوم في ولاية البنغال الغربية.

إن هارينسينغها الباهتة [من غير معالم واضحة] والقرى المجاورة لها التي تنتشر بين أشجار السال العالية، هي في صميم الخطة الطموحة لحكومة الولاية لتوسيع احتياطي الهند من الفحم، والتي ستكلف آلاف الناس أراضيهم.

وكانت ماماتا بانيريجي، وهي رئيسة حكومة ولاية البنغال الغربية، أعلنت في عام 2021 حزمة من التعويضات بقيمة 100 مليار روبية (حوالى مليار جنيه إسترليني) للأشخاص الذين سيطلب منهم أن يغادروا بيوتهم وأراضيهم من أجل مشروع منجم ديوتشا- باتشامي للفحم الحجري، علماً أن التعويضات تعادل حوالى ثلث ميزانية المشروع الإجمالية التي تبلغ 350 مليار روبية (3.5 مليار جنيه إسترليني ).

ويتوقع أن يتمخض المشروع عن إنشاء أكبر منجم للفحم الحجري في البلاد وإنتاج إمدادات الفحم الحجري خلال 100 سنة مقبلة، على حد تعبير رئيسة الحكومة.

وكانت الحكومة المركزية الهندية قد كلفت حكومة الولاية برئاسة بانيرجي في عام 2018، إدارة احتياطيات الفحم، التي يعتقد أنها ثاني أضخم احتياطيات في العالم إذ يقدر أنها تبلغ 1.19 مليار طن. وزعمت في ذلك الوقت أنه "سيجري إيجاد مئة ألف فرصة عمل جديدة، الأمر الذي سيحل مشكلة البطالة".

رسمت بانيرجي مسار عملها السياسي وارتقت سلم السلطة من خلال احتجاجها على استحواذ الحكومة اليسارية السابقة على الأراضي من أجل مصنع للسيارات. وقد شددت على أن حكومة حزب "ترينامول كونغرس" التي ترأسها لن تستعمل القوة لتشريد القرويين.

 وذكرت في تغريدة لها على "تويتر" سنخلق نموذجاً للهند لتنفيذ مشاريع كبيرة كمشروع مجمع ديوتشا- باتشامي للفحم الحجري. وسيتم هذا على مراحل وبدعم عام كامل من خلال تبني أفضل الممارسات في مجال التعدين وبطريقة محدودة زمنياً".

 ويغطي مشروع المنجم مساحة تبلغ حوالى 12.28 كم مربع (3400 دونم تقريباً) وهو مؤلف من مجمعين، ديوتشا- باتشامي والمجمّع الأصغر ديوانغانج- هارينسينغا للفحم الحجري (قرابة 2.5كم مربع من المساحة الإجمالية). وتملك الحكومة 1000 دونم من الأراضي التي تشكل الغابات 300 دونم منها.

 والمشروع الذي يتمدد عبر 12 قرية فوق مجمع تنمية مجتمع محمد بازار والأراضي الحراجية المجاورة له، يعرض ما يزيد على 21 ألف شخص معظمهم من أبناء القبائل إلى خطر الترحيل.

 بدأت الحكومة سلفاً الأعمال الأساسية الممهدة لاستحواذ الأراضي في ديوانغانج- هارينسينغا ما أثار القلق بين السكان الذين يواجهون مستقبلاً غامضاً.

 وفي هارينسينغها، يشدد جوزيف ماراندي زعيم القرية، وهو في أواسط العشرينيات من عمره، على أن السكان سيعمدون إلى اتخاذ قرار جماعي حول ما إذا كانوا يريدون تسليم أرضهم إلى الحكومة.

 ويقول ماراندي لصحيفة "اندبندنت" لقد "أجرينا اجتماعات متعددة مع مسؤول الخدمة الإدارية في المقاطعة ومسؤولين حكوميين آخرين. وأوضحنا طلباتنا وما إذا كانوا يستطيعون الالتزام بها، وبعد ذلك ستتخذ القرية القرار. وأياً كان قرارنا، ستنفذه القرية بأكملها بشكل جماعي".

 وبموجب حزمة إعادة التأهيل المعدلة التي أُعلن عنها في فبراير (شباط) ستقدم حكومة الولاية "ضعف قيمتها السوقية إلى جانب 100 في المئة (تعويضاً) كتكلفة للأرض" بواقع 1.3 مليون روبية (13 ألف جنيه إسترليني) لكل بيغا (قياس يعادل 0.6 من الدونم).

 وقد رفعت [الحكومة] تعويض البناء السكني إلى 700 ألف روبية (7000 جنيه إسترليني)، ما يكفي لبناء بيت من 700 قدم مربع لكل من العائلات المهجرة. وبموجب شروط العرض سيتم تعيين واحد من أفراد كل عائلة ستخسر أرضها، كشرطي مبتدئ في قوة شرطة البنغال، وهي وظيفة حكومية ثابتة مرغوبة للغاية، فيما سيحصل أولئك الذين يتمتعون بمؤهلات علمية أعلى على وظائف أفضل في قوة الشرطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وسينال هؤلاء العمال الذين يشتغلون حالياً في وحدات كسارات الحجارة في الموقع، تعويضاً لمرة واحدة قدره 50 ألف روبية (500 جنيه إسترليني) إضافة إلى 10 آلاف روبية (100 جنيه أسترليني) شهرياً لمدة سنة كاملة. وسيتلقى العمال الزراعيون لمرة واحدة دفعة تبلغ 50 ألف روبية (500 جنيه إسترليني) إضافة إلى 500 يوم عمل بموجب قانون مهاتما غاندي الوطني لضمان التوظيف الريفي.

لكن بالنسبة لرنا مورمو، 34 عاماً، الذي يعمل في مقلع الحجارة القريب، فإن هذه الوعود لا تكفي. ونظراً لظروف الجفاف وتدني قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء، فإن معظم القرويين يتجهون إلى المقالع لكي يكسبوا قوتهم.

 ويتساءل مورمو قائلاً، إن "أسلافنا قد ترعرعوا في هذا البيت. فكيف يمكننا أن نثق ثقة عمياء بأي شخص ونغادر بيتنا وأرضنا؟ وهم يعرضون علينا وظيفة حكومية واحدة. فماذا ستفعل زوجتي؟".

 وفي قرية ديوانغانج المجاورة كان هناك مزيد من الاستياء تجاه الحكومة. تشوتور توتو، رجل واهن في الخمسينيات من عمره، يزرع الخردل في أرض استؤجرت لأشهر قليلة ويكسر الحجارة لقاء 200-300 روبية (2-3 جنيهات إسترلينية) في اليوم. ويشير إلى أنه على الأغلب لن يتلقى أي تعويض باعتباره ليس مالكاً للأرض، كما أن وظيفة آمنة واحدة لن تكون كافية لإطعام عائلته المؤلفة من 14 فرداً.

 وتلفت سوميتا تودو، وهي من أعضاء بانشايات المحلي (مجلس القرية)، إلى أن القرويين قد رفضوا الاقتراح الأولي وطُلب من الحكومة أن تراجع عرضها. وتضيف "إننا ننتظر ماذا ستفعل السلطات بشأن مطالبنا. إن فكرة خسارة كل شيء على الفور من دون أي تأخير فكرة مرعبة"، وتتابع "كيف يمكنهم أن يفترضوا أننا سنكون على استعداد للانتقال في لحظة".

 وفي معزل عن المقاومة المحلية، يواجه المشروع انتقادات دولية، إذ تثير المملكة المتحدة وألمانيا المخاوف وسط جهود عالمية رامية إلى التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري.

وجاء الإعلان عن المشروع في أعقاب قمة المناخ "كوب 26" في غلاسكو، حيث تعهدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخفض صافي انبعاثاتهما إلى الصفر بحلول 2050. وأعلنت الهند، التي تعتبر واحدة من أكبر مستهلكي الفحم، عن هدفها لتحقيق حياد كربوني مع حلول 2070.

 وقال نك لو، نائب المفوض السامي البريطاني في كالكوتا، صحيفة "التليغراف" الهندية "لقد قرأنا خلال الأسابيع القليلة الماضية عن خطط البنغال لتطوير ما يعتقد أنه سيكون ثاني أكبر منجم للفحم الحجري في العالم، ما يجعلنا غير مرتاحين إلى حد ما. كان هذا شيئاً لم نناقشه حقيقة في "كوب 26". و أعرب مانفريد أوستير، القنصل الألماني العام، عن مخاوف مشابهة لهذه.

 ومن المرجح أن يزداد استهلاك الفحم، المسؤول عن توفير 70 في المئة من الكهرباء التي يجري توليدها في الهند، بمعدل 3.9 في المئة ليصل هذا الاستهلاك إلى 1.18 مليار طن في عام 2024، بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية. وفي حين سيكون من المستحيل جعل الهند تقلع عن استخدام عن الفحم الحجري بين ليلة وضحاها، فإن استغلال الاحتياطيات الجديدة الهائلة يثير حتماً المخاوف بشأن الهدف العالمي الأكبر لخفض الانبعاثات.

 ويذكر سانديب باي، وهو زميل متقدم في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ، لـ"اندبندنت" أن حقيقة أن الهند لا تزال دولة نامية توفر "بعض التبرير" للمضي قدماً في تنفيذ المشروع. ويضيف "يعاني ملايين الهنود فقر الطاقة الكهربائية. وتريد الهند أن تمد مواطنيها بذلك. وبالتالي، بالنظر إلى الطلب في المستقبل، فإن الحكومات تعيش في دوامة من حيث الفحم الحجري".

 وفي الوقت نفسه، يرى باي أن "لدى الهند برنامجاً طموحاً جداً لتجديد الطاقة وهي تصر على رهانها على الوقود الأحفوري. ولذا تستطيع الحكومة أن تستعمل تقنية احتجاز الكربون من أجل خفض الانبعاثات".

 وفي حين أن هناك بالفعل قضايا وحياة حقيقية على المحك في ديوتشا باتشامي، فإن أحزاب المعارضة في ولاية البنغال الغربية سارعت إلى استغلال مشروع المنجم وحولته إلى بؤرة لتوجيه الإهانات السياسية. وقد سافر عدد من الشخصيات البارزة في المعارضة إلى مناطق أخرى لمشاركة السكان المحليين في احتجاجاتهم، وقد استجابت حكومة الولاية أكثر من مرة بخنق التظاهرات عن طريق القوة الغاشمة للشرطة.

 وفي 21 فبراير اعتُقل 9 ناشطين، بمن فيهم براسنجيت بوز الاقتصادي اليساري البارز، من قبل الشرطة المحلية بسبب مشاركتهم في اجتماع احتجاجي. وفي وقت سابق، تم توجيه تهم من قبل الشرطة إلى مجموعة من القادة المحليين، وذلك بسبب "تجمّع غير قانوني". ولجأت الشرطة في بعض الأوقات إلى مهاجمة المتظاهرين المحتجين بالهراوات، الأمر الذي حفز مجموعة من النساء المسلحات بالمناجل والأقواس والسهام على تنظيم تظاهرة ضد وحشية الشرطة.

 وكان بيكاش رانجان باتاشاريا، وهو زعيم الحزب الشيوعي الهندي (ماركسي) وعضو في مجلس الشيوخ الهندي، يقوم بزيارات متكررة إلى مجمع الفحم الحجري.

 وخاطب السكان المحليين في ديسمبر (كانون الأول) معلناً أنه إذا استعملت الشرطة القوة لطردكم "فإننا سنكسر أيدي الشرطة بشكل قانوني". وصرخ بصوت مدوٍ قائلاً، "فلتحتفظوا بالعصي جاهزة للاستعمال المناسب".

 وقال لـ"اندبندنت" موضحاً: "لا يمكننا أن نجلس هنا ونراقب الحكومة تعتدي بشكل سافر على البيئة. إنهم ينتزعون الأرض من السكان الأصليين من أجل كسب المال. وتعرض الحكومة دفع مبلغ ضئيل جداً، فماذا سيفعلون؟ هذه الغابات تمثل كل شيء بالنسبة لأبناء القبائل، فكيف يستطيعون رؤية كل شيء يحترق بشكل كامل؟".

رابين سورين، وهو أحد أبرز زعماء القبائل في المنطقة الذي كان يقوم بالوساطة بين الحكومة والسكان المحليين، أكد أن "الناس مذعورون".

 وأضاف: "أنا لا أرفض المشروع، ولكن لا يملك كثير من الناس السجلات المناسبة [التي تثبت ملكية] الأرض، فكيف سيحصلون على التعويض، وفي عائلاتنا، إذا تولى أخ واحد وظيفة الشرطة تلك، فماذا عن الآخرين، لدينا روابط ثقافية ودينية مع قرانا. ومن الصعب أن ننتقل إلى مستوطنة ما بين ليلة وضحاها".

 ويشير سورين إلى أن القروين غير مسرورين بالحزمة وقد طلبوا 1.5 مليون روبية (حوالى 15 ألف جنيه إسترليني) لكل 0.6 من الدونم، وزيادة عدد الوظائف. وعلى الرغم من أن الخريطة الرسمية تتضمن 12 قرية، فإن المشروع بأكمله سيؤثر في 18 قرية في الأقل، كما ذكر سورين.

 وهو يعتقد أن عملية الاستحواذ على الأرض "سوف تستمر لفترة طويلة" مع كونه متأكداً من أن رئيسة الحكومة لن تستطيع أن ترى الفحم وهو يُستخرج، وذلك بسبب الطبقة السميكة من الصخور البازلتية القاسية والتربة السطحية، وهو ما يفسر وجود عدد كبير من المقالع في المنطقة.

 والمحمية مزودة بغطاء ثمين من الصخور البازلتيه يبلغ حوالى 135 متراً، والذي تمت إضافته إلى حزمة التعويضات الحكومية.

 ومن أجل تهدئة المحتجين، قال مسؤولون، إن الحكومة ستنظم معسكرات تدريب على آليات المحركات، واللحام، والتعامل مع المعدات الصغيرة وقيادة الآليات الثقيلة.

 وأفاد بيدهان راي، مسؤول الخدمة الإدارية في مقاطعة بيربهوم، بأن عائلات يصل عددها إلى 1600 عائلة قد وافقت سلفاً على عرض الحكومة وبدأت السلطات في تحديد البيوت من أجل انتقالها.

 لكن حتى هذا الزعم قد فُنِّد من قبل السكان المحليين، الذين يوضحون أن المسؤولين ينشرون معلومات مضللة بهدف تشجيع المزيد من الناس على تسليم أراضيهم في مقابل مستقبل غامض.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات