في مدينة سيدي بوسعيد التونسية، وبالقرب من مدينة قرطاج ومعابدها الأسطورية، تنتظم الدورة الثامنة للمهرجان العالمي للشعر بعد توقف استمر عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا. والمهرجان لا يعد جمهوره، كما يقول مديره الشاعر معز ماجد، في دورته الجديدة، بالعودة إلى سالف نشاطه فحسب، بل يعده بتطوير فعالياته، ومضاعفة عدد المدعوين من شعراء ونقاد وإعلاميين، و"غزو" فضاءات جديدة لقراءة الشعر وسماعه.
"لا يعد هذا المهرجان، بالنسبة إلى منظميه مجرد حدث ثقافي يضاف إلى أحداث ثقافية أخرى، وإنما هو فضاء ثقافي ينبغي غزوه، وحمايته وترسيخه في أديم هذه الأرض التي شهدت ميلاد أجمل الأناشيد والقصائد الشعرية التي رددتها الإنسانية قروناً طويلة. فعلى بعد أميال قليلة ترتفع معابد قرطاج وأوابدها وتتوالى حدائقها وبساتينها، وينبسط بحرها المفتوح على كل عواصم العالم القديم. فهذا المهرجان منصة نطل منها على ثقافات العالم في تعددها واختلافها، وفضاء نلتقي فيه بالنقاد الكبار والناشرين القادمين من كل القارات نحتفي بهم تجمعنا صداقة الشعر، ورغبة صادقة في الحوار والتبادل". بهذه الكلمات الطافحة بالحب يستقبل المهرجان العالمي للشعر بسيدي بوسعيد في دورته الثامنة ضيوفه القادمين من كل القارات، تحدوه الرغبة في جعل الشعر آصرة قوية تجمع بين الشعوب والثقافات على اختلافها وتباينها.
وتعتبر هذه الدورة استثنائية، كما يؤكد القائمون على المهرجان، لأنها دورة العودة إلى النشاط بعد الركود الذي عرفته الحركة الثقافية في كل البلدان بسبب الجائحة، ولأنها أيضاً دورة تطوير برنامج المهرجان بحيث يشمل فعاليات ثقافية وأدبية جديدة. تنتظم الدورة الثامنة من السادس عشر إلى التاسع عشر من يونيو (حزيران) 2022 بحضور ما يقارب 40 شاعراً و15 ناقداً وإعلامياً.
السعودية ضيف شرف
اختار المهرجان السعودية ضيف شرف لهذه الدورة، فدعا عدداً من شعرائها، ليقدموا نماذج من التجربة الشعرية السعودية في تنوعها وتعددها واختلافها.
ولهذا الاختيار أسباب كثيرة، لعل أهمها التطور الكبير الذي شهدته القصيدة السعودية خلال العقود الأخيرة، الأمر الذي بوأها مكانة مهمة في مدونة الشعر الحديث. ومن أهم ما تتميز به هذه القصيدة إقبالها على التجريب الذي تسعى من خلاله إلى إدراك ذرى تعبيرية جديدة. فمن يقرأ الشعر السعودي يلاحظ، على وجه الخصوص، إفادته من الفنون الأخرى السردية والبصرية في بناء دلالات جديدة وخلق هندسة جديدة للقصيدة ومن ثم تعديل طريقة تلقيها. بعبارة أخرى لم يعد الشعر السعودي يقتصر على اللغة في تأسيس شعريته، وإنما أصبح يتجه إلى أدوات أخرى إضافية يستعيرها من مجالات فنية أخرى مثل الفنون السردية، يستلهمها من القصة والمسرحية، والفنون البصرية يستلهمها من الرسم والسينما. كل هذا أدى إلى خلق جماليات جديدة، تتعدد بتعدد الشعراء وتتنوع بتنوعهم.
وسيتم بهذه المناسبة الاحتفاء بصدور أنطولوجيا الشعر السعودي المعاصر حديثاً باللغة الفرنسية، وقد قام بترجمة نصوصها الشاعر التونسي معز ماجد، وضمت قصائد لعدد من الشعراء السعوديين ذوي التوجهات الحداثية نذكر منهم أحمد الملا وهاشم الجحدلي ومحمد الحرز وغسان الخنيزي.
الاحتفاء بالشعر العالمي
دأب هذا المهرجان منذ تأسيسه على جمع شعراء من مختلف الثقافات والقارات في مدينة سيدي بوسعيد يتناشدون القصائد، ويتبادلون التجارب، ويتحاورون في أمر الكتابة. ويعتبر هذا المهرجان، كما قال أحد الشعراء التونسيين، نافذة للشاعر العربي يطلع، من خلالها، على الشعر العالمي وعلى منجزاته الفنية والجمالية. كما يعتبر أيضاً نافذة يطل من خلالها شعراء العالم على القصيدة العربية في مختلف تجلياتها.
وقد عمد القائمون على المهرجان إلى ترجمة نماذج من قصائد الشعراء الأجانب إلى اللغة العربية، يقرأها الشعراء العرب|، كما عملوا على ترجمة الشعر العربي إلى اللغة الفرنسية بخاصة، يقرأها خلال الجلسات الشعراء الأجانب. فالغاية هي العمل على جمع شمل الشعراء مهما اختلفت ألسنتهم وتنوعت ثقافاتهم، من أجل ترسيخ لغة واحدة هي لغة الرمز والاستعارة التي هي لغة الإنسان، الإنسان على وجه الحقيقة والإطلاق. وقد تمت دعوة شعراء من إسبانيا وفرنسا ومالطة وإيطاليا واليونان والبرازيل والأرجنتين، إضافة إلى ثلاثين شاعراً من البلاد العربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن تقاليد هذا المهرجان تحويل مدينة سيدي بوسعيد بحدائقها ومقاهيها ومطاعمها إلى فضاء لقراءة الشعر والاحتفاء بالشعراء. فقد خرج المهرجان منذ دورته الأولى من الأماكن المغلقة وعقد جلساته الشعرية على شاطئ البحر وفي ميادين المدينة ووسط الحدائق العامة. أي إن المهرجان ذهب إلى الجمهور، وعقد حواراً معه، واستدرجه إلى سماع الشعر والتفاعل معه. هذه "التقاليد" حافظ عليها المهرجان، وباتت من خصائصه البارزة. فالمهرجان استغنى عن القاعات، وجعل من المدينة كل المدينة فضاء لقراءة الشعر وسماعه.
وعلى قدر حفاظه على تقاليده، استحدث المهرجان فعاليات جديدة تغني برنامجه الفكري والأدبي أهمها: عقد ندوة مخصصة لترجمة الشعر ونشره يشارك فيها شعراء ومترجمون وناشرون ونقاد من بلدان عربية وأجنبية، تنظيم سوق للشعر تعرض فيها أعمال شعرية من مختلف البلدان والثقافات، وتشارك فيها دور نشر عربية وأجنبية.
يقول الشاعر معز ماجد مدير المهرجان: "إني أعدكم أن المهرجان سيستمر، على الرغم من الظروف الصعبة التي تحف به، لسنوات أخرى قادمة، بفضل عزيمة جيل من الشعراء التونسيين الذين تحلقوا حوله، وأيضاً بفضل صداقة بعض القوى الحية المنتشرة في كل أنحاء العالم وآمنت مثلنا أن هذا المهرجان يحمل رسالة ذات طابع إنساني تعم فائدتها جميع الأطراف".