Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جامعي فلسطيني دفن شهادته واشتغل "حفار قبور" في غزة

أعداد الخريجين سنوياً تزيد على 42 ألفاً و3 آلاف فقط يحصلون على فرصة عمل مؤقتة كل سنتين

بعد ساعات من التفكير المتواصل، لم يتردد مهدي شعبان في اتخاذ قراره بأن يدفن "إفادة حصوله على درجة الماجستير"، وأسرع بمسك معوله، وبدأ يضرب في الأرض يحفر فيها قبراً خاصاً يواري فيه شهادته الأكاديمية التي لم تفده في أي فرصة عمل حقيقية، أو وظيفة حكومية على الأقل يؤمن من خلالها مستقبله، في حين أن حرفته الصعبة في تشييد مدافن الموتى وفرت له لقمة عيش بسيطة.

مهدي، المولع بمتابعة علوم اللغة العربية كما فنون الهندسة الميكانيكية، أنهى دراسة التخصصين، إذ حصل على شهادة درجة الماجستير في اللغة العربية من جامعة الأقصى في غزة (مؤسسة تعليمية حكومية)، بعد أن كان حصل على إجازة الدرجة الجامعية الأولى (البكالوريوس) في المجال نفسه، وسبق ذلك، حصوله على شهادة الدبلوم المهني المتوسط في الهندسة الميكانيكية.

شهادات متراكمة من دون عمل

لكن علمه هذا، وشهاداته الجامعية المتراكمة، واطلاعه المستمر على جديد التخصصين، لم يوفر له فرصة عمل واحدة مستقرة، وكذلك لم تفتح له أبواب الوظائف الحكومية الآمنة، الأمر الذي دفعه للعمل في حفر قبور لموتى غزة. يقول مهدي إنه قضى أكثر من ست سنوات يبحث عن فرصة جيدة للعمل في مجالات دراساته الجامعية، وطرق أبواب جميع الوزارات والمعاهد التعليمية والمؤسسات الخاصة والأهلية، لكن محاولاته تلك باءت بالفشل، وأغلق في وجهه كل باب طرقه.

ليس غريباً ذلك الأمر، فالرجل يعيش في قطاع غزة، حيث لا فرص فيها من الأساس، وعلى الرغم من ذلك فلا تزال الجامعات فيها تعمل على تخريج مزيد من الأكاديميين، وبحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني، فإن أعداد الخريجين سنوياً يزيد على 42 ألفاً، وبمجمل السنوات الخمس الماضية بات هناك قرابة 300 ألف عاطل عن العمل من حملة الشهادات الجامعية الأولى والعليا.

بعد ست سنوات من السعي المتواصل بحثاً عن عمل متواضع يليق بشهاداته، أصيب الرجل باليأس والإحباط، وقرر فعلياً وليس مجازياً دفن شهادته الجامعية التي تحمل درجة الماجستير بين الأموات الذين يحفر لهم القبور.

في الواقع، ومنذ عام 2007 لم توفر الحكومة الفلسطينية أي فرص توظيف لسكان غزة، فيما فتحت الجهات الحكومية التابعة لحركة "حماس" باب استقبال طلبات الوظائف في السنوات العشر الماضية مرة واحدة عام 2019، وعلى مدار الثلاثة أعوام الأخيرة تعتمد على التوظيف المؤقت الذي لا يتجاوز ستة أشهر (يسمى فرص البطالة).

يقول مهدي، "بعد أن تخرجت في الجامعة، قررت الحصول على درجة الماجستير، حتى أدخل سوق العمل بقوة ومعي شهادتي العليا، ومن أجل أن أكون على قدر المسؤولية أنجزت بحوثاً عدة، وتطوعت في مراكز ثقافية، وخدمت في مجال الهندسة الميكانيكية، وكنت أفعل ذلك لتكون سيرتي الذاتية قوية ومناسبة للمنافسة على أي فرصة عمل أو وظيفة حكومية، تليق بتعليمي، لكن للأسف صدمت بالواقع، أو دعني أقول بحقيقة غزة".

وبحسب بحوث ميدانية أجراها جهاز الإحصاء الفلسطيني، فإن نحو ثلاثة آلاف شخص فقط، من حملة الشهادات الجامعية يحصلون على فرصة عمل واحدة كل سنتين، وتكون مؤقتة لمدة أقصاها عام واحد، وفي أغلب الأحيان ليست في مجال الدراسة الأكاديمية.

حفر القبور

لم يحصل مهدي على أي فرصة عمل، لكنه امتهن حرفة حفر القبور التي يعتبرها "فرصة" له، يوفر من خلالها فتات الأموال ليكون مصدر دخله. يقول، "بعد كل هذا العناء لم أعد أتحمل البقاء من دون عمل، لذلك من باب المسؤولية تجاه وضع أسرتي الاقتصادي توجهت للعمل في المقبرة".

"هذا رزقي وهذه حياتي بين الأموات هنا، وعلى الرغم من دفن شهادتي، لكن ذلك لا يعني أنني تخليت عن طموحي في الحصول على وظيفة لأخرج من بين الأموات إلى عالم الأحياء" يقول مهدي الذي بات روتين يومه هو الذهاب للمدافن وحفر القبور فيها.

وفقاً لحديث مهدي، فإن حفر القبور يحتاج إلى خبرة أيضاً، فهو يقضي نحو ثلاث ساعات متواصلة حتى ينجز تلك المهمة، موضحاً أن عمله شاق؛ إذ يضرب بالمعول في الأرض ليزيل أكوام الرمل ثم يبني القبر ويجهزه لاستقبال الميت.

يقول، إن عمله في المدافن وفر له مصدر دخل، لكنه قليل ولا يتجاوز 6 دولارات أميركية في اليوم الواحد، وهو بطبيعة الحال غير كاف لشاب يزيد عمره على 30 سنة، لكن ذلك المال يقيه شر سؤال الناس وطلب المال منهم، في حين أن علمه ودراساته لم توفر له فرصة عمل.

وتبلغ تكلفة بناء قبر في غزة 100 دولار أميركي، يصرف منها 94 دولاراً ثمناً لمواد البناء، ويتبقى القليل منها أجرة للحفارين.

سوء الحال، السبب الذي دفع مهدي إلى عمله هذا، لكنه يلفت إلى أن حرفته لا يمكن الاعتماد عليها لبناء مستقبل، فمنذ أربعة أيام لم يحفر أي قبر، وعليه لم يتقاضَ أي مال، لذلك هو يعاني كما يقول من تعثر في دخله، وهذا يعرقل مسيرته الأكاديمية ويمنعه من تحرير شهادة الماجستير، يوضح أن عليه باقي أقساط للجامعة بقيمة 770 دولاراً، ولم يسددها، لذلك حرمته المؤسسة التعليمية من شهادته المصدقة، فيما منحته إفادة باجتيازه بحث إتمام درجة الماجستير.

في غزة، ترفض الجامعات منح الطلاب الشهادات إلا بعد دفع الرسوم المستحقة كاملة، وهناك مطالبات بضرورة عدم تطبيق ذلك، لأن القطاع يعيش ظروفاً استثنائية في ظل تراجع الاقتصاد إلى أدنى مستوياته.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات