Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل هلعك من جدري "القرود" ينطوي على رهاب المثلية؟

تبدو مزعجة الدعوات إلى إغلاق حمامات الاستجمام والساونا والملاهي الليلية

الإجماع شبه العالمي للخبراء يقول إن "جدري القرود" ليس داءً يدعو إلى الذعر  (رويترز) 

الحقائق معرفة، والمعرفة قوة، وقد علمنا التاريخ أهمية هذه القوة عند إلقاء اللائمة على الرجال المثليين واستخدامهم كبش فداء بوصفهم ناقلين لمرض ما. شهدنا ذلك في مطلع ثمانينيات القرن العشرين، حينما قوبل "نقص المناعة المرتبط بالمثليين" [Gay-Related ImmunoDeficiency اختصاراً "غريد" GRID]، كما سمي على نحو خاطئ بموارد شحيحة أو نزر يسير من الأبحاث. لم ينتهِ ذلك إلى أن أدرك المجتمع أن الداء كان يودي أيضاً بحياة أشخاص مغايرين جنسياً، واختير للمرض اسم آخر هو "الإيدز". لذا، سأقدم لكم بعض الحقائق في البداية.

"جدري القرود" ليس "الإيدز"، ولكنه مع ذلك موجود، وعلينا أن نتنبه إليه. سجل نحو 400 إصابة بجدري القرود خارج المنطقة المعتادة لتفشي المرض، 190 حالة منها في المملكة المتحدة. حتى كتابة هذه السطور، أفيد عن 18 حالة في الولايات المتحدة، وفق "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها".

كثير ممن شخصوا بالمرض خارج البلاد التي يستوطنها، كانوا رجالاً يمارسون الجنس مع رجال، علماً بأن أي شخص قد يصاب بجدري القرود، وربما يلجأ هؤلاء الرجال أكثر إلى تدابير استباقية وقائية تتعلق بصحتهم الجنسية - لكن جدري القرود ليس عدوى تجد طريقها إلى الآخرين من طريق الاتصال الجنسي. في الواقع، "ينتقل جدري القرود بواسطة رذاذ كبير متطاير من الجهاز التنفسي من طريق التواصل المباشر وجهاً لوجه مع مصاب أو ملامسة سوائل الجسم أو الأشياء أو الأسطح الملوثة بالفيروس"، على ما كتب كل من سهى بلوط وعمر فتال من "الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية" في "الجزيرة دوت كوم".

لم تسجل البلاد التي لا يستوطنها الداء أي وفيات، ويبدو أن معظم الحالات كانت من سلالة غرب أفريقيا الأقل خطورة، التي يبلغ معدل الوفيات الذي تسجله 1 في المئة، وفق حكومة المملكة المتحدة، مقارنة بمعدل وفيات يصل حتى 10 في المئة لدى سلالة وسط أفريقيا الأكثر خطورة. وفي وقت سابق من الأسبوع الحالي، قالت ماريا فان كيركوف من "منظمة الصحة العالمية" إنه "في المستطاع احتواء هذا الوضع. سيكون الأمر صعباً، بيد أنه قابل للاحتواء في البلاد غير الموبوءة".

جيم داون، مؤرخ للأمراض المُعدية مثلي الجنس، يكتب في مجلة "ذي أتلانتيك" أنه في حين أن الولايات المتحدة "ما زالت تعالج مشكلات مرهقة خلفتها أزمة فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز"، وفي صميمها رهاب المثلية، "يعتريني قلق من أن قادة الصحة العامة لا يقومون بما يكفي كي ينبهوا بشكل مباشر الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال في شأن جدري القرود". ويمضي موضحاً مدى أهمية تلك المساحات [حمامات الاستجمام...] في تطوير هوية مثليي الجنس، وكيف أن إغلاق حمامات السونا وحمامات الاستجمام في الأيام الأولى لتفشي وباء الإيدز قوبل باستياء وغضب. ويحذر مضيفاً، "لست أقول إن الحكومات تفرض قيوداً على المساحات، حيث في مستطاع المثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً الاستجمام في جو من المقبول"، على الرغم من أنه في اعتقاده على "وكالات الصحة أن تخبر الرجال المثليين أن جدري القرود قد ينتشر فعلاً عبر ممارسة الجنس".

أميل إلى موافقة البروفيسور الواسع الاطلاع الرأي. حالياً، لا يبرر جدري القرود إغلاق أي مساحات استجمامية. إنه "أحد الفيروسات الجدرية التي نعرف الكثير عنها"، وفق الدكتور ستيوارت إيزاك، خبير في الأمراض المعدية من "كلية بيرلمان للطب" في "جامعة بنسلفانيا". "في متناولنا لقاحات، وحتى علاجات. وهنا يكمن الفرق الرئيس بين جدري القرود والإيدز أو حتى "كوفيد-19"، علماً بأنه لم يكن في جعبتنا إلمام جيد بأي منهما عندما أخذا في الانتشار للمرة الأولى".

لذا اعتراني شعور بالإحباط عندما رأيت تحالف "أل جيه بي" LGB Alliance، علماً بأنها مجموعة بريطانية اشتهرت بمعارضتها أنشطة الدفاع المعاصرة عن حقوق المتحولين جنسياً، وقد أصدرت الأسبوع الحالي بياناً يدعو إلى "إغلاق لمدة شهر لجميع أماكن ممارسة الجنس التجاري، مثل حمامات الساونا، والحانات والملاهي الليلية التي تلبي حاجة الزبائن المهووسين جنسياً بارتداء الأزياء الجلدية، والتي توفر غرفاً مظلمة يتمتع فيها هؤلاء بحرية الانخراط في نشاط جنسي مع الآخرين". الحال أن هذه الدعوة لا تتنافى فحسب مع توصيات الصحة العامة الصادرة عن خبراء فعليين في الأمراض المعدية، الذين يحذرون من التزام الهدوء ويشجعون على إطلاق حملات تعليمية في الأماكن التي تسعى المجموعة إلى إغلاقها، بل وتفاقم وصمة التمييز ضد الرجال المثليين ومزدوجي الميول الجنسية في وقت تنتهك حقوقنا في شتى أنحاء العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أوافق المؤرخ داون والدكتور إيزاك و"تحالف أل جيه بي" رأيهم في ضرورة توعية الرجال المثليين ومزدوجي الميول الجنسية بحقيقة أن جدري القرود ينتشر على ما يبدو في مجتمعنا بشكل أسرع مما هو عليه بين السكان عموماً. على الرغم من أننا نجهل الأسباب التي تعزى إليها هذه الحقيقة، من المهم جداً توعية الأفراد في مجتمع معرض لخطر هذا الداء وتشجيعهم على حماية أنفسهم والآخرين باللجوء إلى تدابير استباقية. تنصح حكومة المملكة المتحدة الناس بتجنب ممارسة الجنس عندما تظهر عليهم أعراض جدري القرود وارتداء الواقي الذكري لمدة ثمانية أسابيع بعد الإصابة- وكلاهما إجراءان وقائيان معقولان ينطبقان في رأي على الجميع، بشكل عام، يعتبر ارتداء الواقي الذكري أحد أفضل الممارسات المتعلقة بممارسة الجنس، والامتناع عن ممارسة الجنس يعتبر الطريقة الوحيدة المؤكدة للوقاية من الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي.

ولكن، أعلم أن البعض لن يلتزم بقاعدة تحدد السلوك الصالح، ولن يتخذوا دائماً قرارات أتفق معها. في الحقيقة، إغلاق حمامات الاستجمام لن يحمل هؤلاء على تبني خيارات مغايرة، بل سيدفعهم إلى تطبيق قراراتهم في أماكن مختلفة - مثلاً، الانخراط في ممارسات مثلية في الحمامات العامة والتجول في الحدائق العامة بحثاً عن شريك جنسي عرضي. من الأفضل، حتماً، استخدام حمامات الاستجمام كفرصة لتوعية فئة سكانية هشة في شأن المخاطر المطروحة عليهم، وسبل الحماية التي تدرأ عنهم الخطر.

لقد رأينا العواقب التي تؤول إليها الأمور عندما يظهر مرض جديد، وتوجه أصابع اللوم إلى مثليي الجنس على اعتبار أنهم مسؤولن عن تفشيه، إذ أشار إلى أن أي شخص قد يصاب بجدري القرود، قال الدكتور أندرو لي، بروفيسور في الصحة العامة في "جامعة شيفيلد"، في تصريح إلى "رويترز" إنه "من الخطأ وغير المنصف وصف [جدري القرود] بأنه داء متعلق بمثليي الجنس". ومع ذلك، فإن صب التركيز على حمامات الاستجمام من أجل إغلاقها يبعث رسالة مفادها أننا إزاء داء مثلي حصراً، ويعزز الكليشيهات المتداولة المعادية للمثليين التي تقول إن هؤلاء ناقلون للمرض.

إننا إزاء تطور بالغ الخطورة في هذا الظرف الراهن. أشارت "واشنطن بوست" إلى التقدم بـ166 مشروع قانون مختلف ضد "مجتمع الميم" في الهيئات التشريعية في ولايات عدة العام الحالي، من بينها نسخة فلوريدا من المادة 28 [مرسوم يقضي بأنه لا يجوز لأي سلطة محلية عن قصد الترويج للمثلية الجنسية أو نشر مواد بهدف الترويج للمثلية الجنسية] (القانون المخزي "لا تقل مثلي الجنس" Don"t Say Gay) الذي حمل طالباً متفوقاً في المدرسة الثانوية على التحدث باستخدام الرموز للاعتراف بميوله الجنسية ورهاب المثلية الذي واجهه.

"تحالف أل جيه بي" مجموعة بريطانية، لذا لا يعير اهتماماً ربما لما يحدث في أميركا، ولكن (من دون شك، لهذا التحالف نسخة متفرعة عنه في أميركا تسمى "تحالف أل جيه بي في الولايات المتحدة" LGB Alliance USA)، وشبكة الإنترنت عالمية، ما يعني أن دعوات "تحالف أل جيه بي" ستصل عبر المحيط الأطلسي بالسرعة نفسها التي تبلغ بها حي "سوهو" في لندن. من السذاجة الاعتقاد أن كلام هذا التحالف لا يحوز على أهمية خارج المملكة المتحدة، خصوصاً بالنظر إلى علاقات المنظمة باليمين الأميركي. في الحقيقة، تصب كلماته في مصلحة من يسعون سعياً حثيثاً إلى قمع الأشخاص أنفسهم الذين يدَّعي "تحالف أل جيه بي" أنه مهموم بمساعدتهم.

على الرغم من ذلك، يسعني أن أعذر هذا التحالف إذا ما تحدث بالحقيقة، أو قدم وجهة نظر صائبة، ولكنه لا يفعل. العلم برمته، والإجماع شبه العالمي للخبراء، يقولان إن جدري القرود ليس داءً يدعو إلى الذعر. من المؤكد أنه لا يستدعي إغلاق الأعمال التجارية الشرعية، وحتى المؤسسات التي تلبي احتياجات الرجال الذين يرغبون في ممارسة الجنس مع رجال آخرين. على النقيض من الإيدز وفيروس "كوفيد"، لدينا معلومات وافرة عن جدري القرود، بما في ذلك كيفية الوقاية منه وعلاجه. ونعلم أنه داء خفيف الوطأة نسبياً، وغير مميت في العادة.

إذا كنت رجلاً مثلياً أو مزدوج الميول الجنسية وتقرأ هذا المقال، عليك اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة بشتى الوسائل. حري بك القيام بذلك في الأحوال كافة، ولكن خصوصاً الآن. لا بد من أن نكون متنبهين، وأن نستمر في مراقبة انتشار جدري القرود.

ومع ذلك، حري بنا ألا نخلق حالة من الذعر لا داعي لها، وألا نؤجج نيران التحيز من طريق إحياء تعابير تشوه سمعة المثليين والمرض وتصمهما بالتمييز.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء