Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا بعد تمديد الهدنة في اليمن؟

مخاوف من تجدد الحرب وأخرى من تباطؤ الحل النهائي وتكريس "الانقسام"

طفلة يمنية حافية القدمين تجلس القرفصاء أمام مدرعة عسكرية عابرة (أ ف ب)

توالت ردود الفعل اليمنية بُعيد إعلان الأمم المتحدة تمديد الهدنة شهرين إضافيين في محاولة لمواجهة الأوضاع الإنسانية الصعبة وفتح ممرات دبلوماسية جديدة تنفذ بالجميع نحو نقطة التقاء تدفعهم إلى السلام والعيش المشترك ووضع حد للحرب الدائرة منذ ثماني سنوات.

ومع أن الجانب الإنساني هو المحرك الأكبر للتوصل إلى الهدنتين الأولى والثانية يبرز سؤال الشارع اليمني عن النتائج المترتبة على الهدنة وما حققته على الأرض في هذا الجانب الذي مثل إشكالية مريعة تهدد ملايين السكان.

إذ يرى مراقبون أن الميليشيات هي المستفيد الوحيد من الهدنة نظراً إلى التزام الشرعية والتحالف العربي بجميع الالتزامات التي عليهم وفقاً لاتفاق الهدنة الأممية، ومنها استئناف النشاط الجوي لمطار صنعاء (شمال)، والسماح لسفن الوقود بالوصول إلى ميناء الحديدة (غرب) استشعاراً "بالمعاناة الإنسانية لملايين السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات"، كما تقول الرواية الحكومية، في حين تتهم الميليشيات برفض ما عليها من التزامات وتقبض عائدات رسوم شحنات الوقود التي قُدّرت بمليارات الريالات مع عدم تنفيذ الالتزامات التي عليها، ومنها دفع رواتب موظفي الدولة من هذه الإيرادات وفتح الممرات والمعابر من وإلى محافظة تعز (جنوب غرب)، وغيرها من المحافظات.

وفي وقت سابق، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، موافقة أطراف النزاع في البلاد على تمديد الهدنة لشهرين. وأضاف في بيان، أمس الأول، "تدخل الهدنة المجددة حيز التنفيذ عند انتهاء الهدنة الحالية، اليوم الموافق 2 يونيو (حزيران) 2022 في الساعة 19.00 بتوقيت اليمن".

وهذه الهدنة هي الأولى منذ عام 2016 على مستوى اليمن الذي يشهد منذ أكثر من 7 سنوات، حرباً أحد طرفيها قوات الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية منذ مارس (آذار) 2015.

ميزان المكسب والخسارة

ومع حالة التفاؤل الكبير الذي صنعته الهدنة المتجددة على صعيد ردود الفعل الدولية التي تقدمها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، كان للمتشائمين تبريراتهم التي يسوقونها وفقاً وما أفرزته الأولى. ولهذا يخلصون إلى أن ما لم تحققه الهدنة فيما يختص بالتزام الحوثيين لن يتحقق، وقد تمت الموافقة على مقترحاتهم كافة، فضلاً عما يمنحه لهم من متسع للإعداد العسكري لجولة جديدة من الحرب، إلى جانب المكاسب السياسية الأخرى ومنح قادة الجماعة وعناصرها حرية الحركة دولياً عبر مطار صنعاء.

وبحسب متابعين، فقد جنت لجان الميليشيات خلال الستين يوماً الماضية على نحو 90 مليار ريال يمني من عائدات رسوم شحنات الوقود فقط (نحو 160 مليون دولار أميركي)، وعلى الرغم من ذلك لم تدفع راتباً واحداً لآلاف الموظفين في مناطق سيطرتها.

وأعلنت جماعة الحوثي، الخميس، "التعاطي الإيجابي" مع تمديد الهدنة في البلاد لشهرين خلال تصريح أدلى به مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة.

وقال إن "قبول تمديد الهدنة من أجل التخفيف من معاناة المواطنين وإتاحة المزيد من الوقت لتحقيق انفراجة حقيقية في فتح الطرق وفي استدامة الرحلات الجوية، وانسيابية وصول السفن والالتزام الفعلي ببنود الهدنة، وعدم افتعال العراقيل ووقف الخروقات العسكرية".

في المقابل، سعت الحكومة الشرعية إلى "تخفيف معاناة السكان"، وتحدثت كثيراً عن إنهاء حصار تعز وفتح الطرق بين مناطق التماس شرطاً للقبول بالهدنة كاستحقاق إنساني ينهي مكابدات ملايين المدنيين الذي يتقدم في الأهمية عن ملف مطار صنعاء، ولهذا اعتبر مراقبون أن الشرعية خسرت حتى هذا البند الذي تحدث عنه الرعاة الدوليون قبيل تمديد الهدنة الثانية، ولكن المؤشرات تؤكد أن هذا الملف سيظل مثاراً للخلاف ومهدداً للهدنة لعدم وجود ضمانات بأن الحوثيين سينفذون ما عليهم لإنهاء الحصار المفروض على المدينة منذ سبع سنوات، وفتح الطرق في الشهرين المقبلين، في حين يخشى حقوقيون أن تواصل الجماعة ربط هذا الملف بتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية.

تفاؤل منتظر

مع حالة التفاؤل تداول الطرفان الاتهامات في شأن خرق الهدنة، سواء بالاعتداء أو التحشيد المسلح استعداداً لاستئناف نشاط المدفعية وفُوّهات النار. ورصدت لجان المراقبة أكثر من أربعة آلاف انتهاك حوثي ميداني نتج عنه مقتل العشرات من المدنيين، وهو ما حذر منه المراقبون الذين يرونه في الوقت ذاته فرصة للشرعية لترتيب صفوفها وتوحيد قواها العسكرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مسعى عدّه متابعون خطوة في طريق استعداد الشرعية عسكرياً، أقر مجلس القيادة الرئاسي، الأربعاء الماضي، تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار، وإعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن بموجب المادة الخامسة من إعلان نقل السلطة في البلاد وتشكيل لجنة عسكرية وأمنية مكونة من 59 عضواً برئاسة، هيثم قاسم طاهر، وطاهر علي العقيلي نائباً للجنة (رئيس هيئة أركان الجيش السابق)، وحسين الهيال مقرراً لها.

وماذا بعد التجديد؟

بالنظر إلى جملة المعطيات التي دفعت بتجدد الهدنة، يظل التساؤل عما ستؤول إليه المآلات المنتظرة خلال الشهرين المقبلين، وهل تحمل الهدنة شروط صمودها أمام عواصف الحرب؟

يقول سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ‏"يونسكو"، محمد جميح، إن الهدنة الجديدة ستستمر على نفس شروط وظروف نظيرتها الأولى، على الرغم من وعود أممية بالضغط لرفع الحصار عن تعز.

يضيف لـ"اندبندنت عربية"، أن "ما أخشاه أن تأتي هدنة وراء أخرى لتكريس حالة التقسيم باحتفاظ كل طرف - من شرعية وانقلاب - بما لديه من أراضٍ ومقدرات، والدخول في حروب صغيرة لا تستدعي اهتمام المجتمع الدولي، ولا يصار معها إلى مفاوضات الحل النهائي".

فيما يرى الكاتب اليمني عبد الستار الشميري أنه باستثناء بعض الانفراج الذي يحصل عليه بعض المدنيين في صنعاء للسفر عبر مطارها، تبدو الهدنتان الأولى والثانية بمكاسب صفر لدى الشرعية، وكذلك يبدو الأمر في مجمل الشأن الإنساني، وكأنها منحة مجانية إقليمية ودولية لحصد الكثير من المال والسلاح للحوثي وإعادة ترتيب صفوفه والتعاطي الدولي معه كسلطة أمر واقع حاكم، وطرف أساسي في معادلة اليمن.

يضيف في تدوينة نشرها على صفحته في "فيسبوك"، "نحن أمام شرعية رخوة لم تستطع التلويح بالانسحاب من "ستكهولوم" أو إعادة تأهيل ميناء المخا بديلاً من الحديدة كي يدر دخلاً يدفع على شكل رواتب الموظفين. يتابع، "الهُدن والمبادرات والحوارات دون الميدان طريق يُفضي إلى خسران، وطريق الهُدن الممددة طريق ثالث طويل يعني لا حرب ولا سلم ولا مصالحة ولا أفق سياسي، هو ترحيل مميت يجعل الحوثي يتمدد ويقوى والتعامل العسكري لاحقاً معه يبدو شاقاً وطويلاً".

ويخلص إلى أن هذه الهدنة كما سابقتها هروب متعمد إلى الأمام، ودوران في حلقة مفرغة، هكذا تفصح السنوات الثماني العجاف من حرب اليمنيين دون تحقيق الحسم.

موافقة مشروطة

كبير مفاوضي ميليشيات الحوثي وناطقها محمد عبد السلام، قال إن ‏جماعته "بعد نقاش طويل مع الأمم المتحدة وجهات أخرى أمكن القبول بتمديد الهدنة لدواعٍ إنسانية".

ولكن عبد السلام أبدى اشتراط جماعته لبقاء الهدنة بأن "يتم استكمال ما لم يتم خلال الشهرين الماضيين، والعبرة بمدى التزام الطرف الآخر بتعهداته ليصار إلى بحث شامل للوضع الإنساني".

وهو ما يراه مراقبون عذر حوثي مسبق من الالتزامات التي عليهم كما جرت العادة، خصوصاً فيما يتعلق بملفي دفع الرواتب وفك الحصار عن تعز.

نزعة الخرق

وعلى الرغم من أن الهدنة التي أسعدت ملايين اليمنيين استطاعت إسكات آلة الحرب بشكل كبير، فإن الحكومة اليمنية وميليشيات الحوثي تبادلتا الاتهامات بارتكاب آلاف الخروقات منذ بدء سريانها.

وفي 21 مايو (أيار)  الماضي، أعلن الجيش اليمني أن "ميليشيات الحوثي ارتكبت أكثر من 4 آلاف و200 خرق للهدنة منذ بدايتها، بينها قنص جنود ودفع بتعزيزات عسكرية مكثفة، واستهداف مواقع الجيش بطائرات مسيرة مفخخة".

وفي اليوم التالي، اتهمت جماعة الحوثي القوات الحكومية بارتكاب أكثر من 7 آلاف خرق للهدنة في عدة جبهات.

مسعى أميركي حثيث

وشهدت الساعات التي سبقت الإعلان عن تمديد الهدنة حراكاً دولياً ملحوظاً تتقدمه الولايات المتحدة لتمديد الهدنة قبل انتهائها، في مسعى حثيث لإحياء آمال السلام وتجنيب البلد المزيد من جولات الصراع التي أشعلها الانقلاب الحوثي على الدولة في عام 2014، التي منها ترحيب الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، بتمديد الهدنة في اليمن لشهرين، وحثه أطراف النزاع في هذا البلد على جعلها "دائمة".

وقال بايدن في بيان، إن "الشهرين الأخيرين في اليمن، بفضل الهدنة التي أعلنت في إبريل (نيسان)، كانا من الفترات الأكثر هدوءاً منذ بدء هذه الحرب الفظيعة قبل سبعة أعوام. تم إنقاذ آلاف الأرواح مع تراجع المعارك. من المهم العمل على جعل (الهدنة) دائمة".

وأضاف، "أحضّ جميع الأطراف على التقدم سريعاً نحو عملية سلام شاملة وجامعة. لن تتوقف دبلوماسيتنا ما دام لم يتم التوصل إلى تسوية دائمة".

وشهدت الأيام الماضية انخراطاً أميركياً مباشراً في جهود تمديد الهدنة، بما في ذلك إجراء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن محادثات هاتفية مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، حيث دعا إلى بذل "جهود تعزيز الهدنة في اليمن وتمديدها".
إلى ذلك، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، إن هناك تأثيراً إيجابياً للهدنة في اليمن، على الوضع الإنساني. وأوضح أن الاحتياجات الإنسانية في اليمن لا تزال مرتفعة للغاية، لافتاً إلى احتياج الوكالات الإغاثية إلى مزيد من الموارد لمساعدة الملايين من الناس في جميع الأنحاء.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير