Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملاك معصوم وشيطان متخفي... سيرة رجل الدين على الشاشة

نقاد: الجمهور يعتبر أن المشايخ هم الدين نفسه و"إرهاب التلقي" يظلم المحتوى الفني للأعمال

طالما تعددت نماذج رجال الدين في الدراما إذ ظهروا مثاليين تارة وفاسدين يسيئون لأنفسهم تارة أخرى (السينما دوت كوم)

ما زال تجسيد شخصيات الشيوخ على الشاشة، سواء في السينما أو التلفزيون، منطقة ملغمة وملتهبة، فعلى الرغم من ثراء هذه التجارب فنياً، فإنها دائماً محفوفة بالمخاطر، إذ تنتهي بالهجوم على صناعها واتهامهم بالإساءة للدين.

الواقع يعج بالجدل بسبب ظهور الشيوخ في الدراما بين الحين والآخر بآراء متناقضة وشخصيات مختلفة بين "الشيخ المودرن" ورجل الدين التقليدي صاحب الزي الأزهري، وعلى الرغم من كل هذا الجدل ما زالت صورة المشايخ منطقة ثرية يكاد لا يخلو منها عمل فني بشكل أو بآخر.

صبي من الجنة

في مهرجان "كان"، تحول رجل الدين في السينما إلى أداة لإثارة الجدل مرة أخرى، إذ عرضت صورة لطالب بالأزهر في فيلم "صبي من الجنة"، للمخرج السويدي المصري الأصل طارق صالح، وشارك الفيلم في المسابقة الرسمية للمهرجان، وتعمّد المخرج سرد تفاصيل قال إنها تخص جامعة الأزهر وطلابها، وكيف تتدخل الدولة في اختيار الشيوخ وتجنيدهم ليكونوا عيوناً لها في المؤسسة الدينية.

حاول المخرج التلويح بأن هناك نوعاً من التأثير الخفي للسلطة في جامعة الأزهر، والعمل على أن تكون باستمرار تحت رقابتها، لأنها مسألة مرتبطة بـ"الأمن القومي"، بحسب أحد أبطال الفيلم. ولا يمكن لها أن تسمح بتعيين أشخاص على رأسها إلا بتزكية منها، أشخاص تثق بهم، ولا يشكلون أي تهديد لمصالحها سواء داخل الجامعة أو خارجها.

الفيلم يتناول قصة الشاب رائد، الذي أدى دوره الممثل الفلسطيني توفيق برهوم، وهو شاب مصري، بحسب الشخصية، يعيش في قرية صغيرة مع والده، وحصل على منحة لمتابعة تعليمه في جامعة الأزهر بتزكية من إمام مسجد القرية. وبمجرد حلوله ضيفاً جديداً على الجامعة يكون محط محاولات استقطاب من تيارات سياسية.

يتزامن وصول رائد إلى الجامعة مع وفاة شيخ الأزهر، ومقتل طالب كان عميلاً للسلطة، ويستغل ضابط أمن الفرصة لاستدراج رائد والضغط عليه يوماً بعد يوم حتى يتحول إلى مخبر له ينقل إليه كل المعلومات التي يطلبها، متعهداً له بأن يظل تحت حمايته لأن السلطة لا تتخلى عمن يتعاون معها، وتكشف الأحداث عن أن السلطة هي من قتلت الطالب، فيخشى رائد من هذا المصير.

قوبل الفيلم بهجوم شديد من الناقد المصري طارق الشناوي، الذي كتب مقالاً قال فيه إن صورة رجل الدين في الفيلم "مهزوزة"، والأسلوب السينمائي المعتمد فيه تجاوزه الزمن، فقد استخدم في الخمسينيات والأربعينيات، بخاصة في الجزء المرتبط بدور رجل الاستخبارات الذي يجند عملاء يكون دورهم نقل ما يدور في جامعة الأزهر. وأشار الشناوي إلى أن محتوى الفيلم "افتراضي درامي لا يعبر عن الحقيقة، ويعتبر سذاجة سياسية ومراهقة فكرية".

بين الصالح والطالح

بهذا الجدل والشد والجذب، تجددت قضية تناول المشايخ ورجال الدين على المستوى الفني. وقالت الناقدة علا الشافعي لـ"اندبندنت عربية" إنه طوال تاريخ السينما المصرية تعددت نماذج رجال الدين والشيوخ، الذين ظهروا تارة بينما يحملون قدراً من المثالية، وتارة أخرى يخطئون وأحياناً يظلمون صورة الدين لأنهم يستخدمون أحكامه وفق مصالحهم.

وأوضحت، "من أوائل النجوم الذين قدموا شخصية رجل الدين، الفنان حسين صدقي بفيلم "الشيخ حسن"، من تأليفه وإخراجه عام 1954، وسرعان ما أثار الفيلم جدلاً كبيراً وقتها، وتسبب في مشكلة مع الرقابة، لأنه تناول قضية شائكة، هي زواج المسلم من مسيحية. وتدور أحداث الفيلم حول الشيخ حسن الذي يحب لويزا المسيحية، شقيقة أحد تلاميذه، ويقف الجميع ضد هذا الزواج، لكنهما يصران عليه فيتم من دون مباركة الأهل.

وتابعت، "هذا الفيلم مُنع عرضه لفترة بأمر الرئيس الأسبق محمد نجيب، ثم جرى التصريح بعرضه بعد ذلك ليبقى من الأفلام المهمة التي تناولت تلك العلاقة. وفي فيلم ’جعلوني مجرماً‘ الذي أخرجه المخرج عاطف سالم عام 1954، جسّد النجم يحيى شاهين دور شيخ وسطي يحاول إنقاذ البطل وإرشاده على الطريق المستقيم".

وأضافت الشافعي، "تعددت في الخمسينيات النماذج التي تناولتها السينما للمشايخ والدعاة ومعظمها كان يحذو حذو النموذج المثالي للشيخ ورجل الدين، لكن الستينيات شهدت مساحة أكبر من الحرية بهذا الشأن، وتنوعت نماذج الشيوخ وشخصياتهم على الشاشة، ولم تعُد بهذا الشكل المثالي، فظهرت نماذج للشيخ المتلون الذي يحلل ويحرم طبقاً لمصالحه، وهو ما تجسد في أفلام عدة مثل الشخصية التي أداها الفنان حسن البارودي في فيلم ’الزوجة الثانية‘ للمخرج صلاح أبو سيف، للشيخ الذي يستغل الدين في تحقيق مصالح شخصية وإرضاء السلطة، إذ كان يعمل لصالح عمدة القرية ويبرر له كل أفعاله السيئة".

واستطردت أن الفنان يحيى شاهين جسّد نموذجَي رجل الدين الصالح والفاسد، ففي فيلم "شيء من الخوف"، أدى شاهين دور الشيخ إبراهيم الذي يثأر لقتل ابنه ويجمع أهل القرية من أجل الانتقام من عتريس الظالم، في حين جسد في فيلم "الأرض" المأخوذ عن رواية الكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي وإخراج يوسف شاهين نموذجاً للشيخ الذي ينتصر لمصلحته على حساب المجموع أو أهل القرية.

صورة غير عادلة

توالى أداء شخصية الشيخ أو رجل الدين، بحسب الشافعي، أعواماً طويلة لتبرز من خلالها تغيرات العصر وتأثيره في صورة رجال الدين، وفي معظم الأوقات جاءت الصورة غير عادلة، فأحياناً يظهر كملاك وفي أحيان أخرى كشخص فاسد، والنموذجان موجودان بالطبع في الحياة، لكن الفن لم يظهر الصورة دقيقة لعوامل عدة، أهمها الخوف من الجمهور القاسي في أحكامه، الذي يعتبر أن رجل الدين يعبر عن الدين نفسه، فإذا كان فاسداً فهذا يعني أن الفن يسيء للدين، وهذا الإرهاب في التلقي مفزع ويظلم المحتوى الفني.

وأشارت الشافعي إلى أن "ظهور رجال الدين على الشاشة والصراع على ’الترند‘ كان سبباً في تخبط صورة المشايخ على الشاشة في الفترة الأخيرة، ففي الماضي كانت صورة رجل الدين واضحة ومميزة ولا يتدخل في فتاوى مثيرة للجدل تحدث بلبلة وهياجاً إعلامياً، وقد عاصرنا في طفولتنا نماذج لا تقبل الدخول في نطاق التشويش، وكان الشيخ يظهر في برامج دينية فقط مثل الشيخ الشعراوي الذي كان يقدم تفسيراً للقرآن في حلقات أسبوعية، وكذلك برنامج ’حديث الروح‘ الذي كان يعرض يومياً ويتحدث فيه شيوخ في أمور الدين من دون إصدار فتاوى مثيرة للجدل. وهذه الصورة المترسخة في أذهاننا لرجل الدين طاولها التصدع عبر البرامج ومواقع التواصل الاجتماعي، بحيث صار الشيوخ وفتاواهم أكثر الأمور جدلاً في زمننا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت، "من الأعمال التي تناولت شخصية رجل الدين بشكل مستنير ومتوازن فيلم ’مولانا‘ الذي أدى بطولته عمرو سعد، وقدم شخصية باسم الشيخ حاتم الشناوي، تعبر عن مشايخ الأزهر المجددين الذين يتواصلون مع الشباب بلغة يفهمونها، وظهرت في الفترة الأخيرة نماذج مشابهة لتلك الفئة وتصدرت المشهد، كما ظهر رجل الدين بصورة إنسانية ومتوازنة أيضاً في مسلسل ’الداعية‘ بطولة هاني سلامة وتأليف مدحت العدل وإخراج محمد العدل، وأدى سلامة دور داعية يؤمن بالفن الراقي وتأثيره ودوره في حياتنا من خلال قصة حب تجمعه بعازفة كمان في أوركسترا القاهرة السيمفونية. وقدم محمد الشرنوبي هذا العام دور الشيخ يحيى في مسلسل ’فاتن أمل حربي‘ وهو نموذج لشاب مستنير، لكنني أرى أن الأحداث خرجت من سياقها بسبب قصة الحب التي جمعته مع البطلة نيللي كريم".

نماذج من لحم ودم

طرح المخرج محمد العدل أكثر نماذج الشيوخ على الشاشة في أكثر من عمل، مثل "الداعية" و"فاتن أمل حربي" و"الملحد"، وقال العدل في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "صورة رجل الدين على الشاشة تشغلني جداً، وأحب أن أقدمها بشكل مستنير ومختلف، فمهمتنا تجديد الخطاب الديني ليفهم الناس أن شخصية الشيخ إنسانية وعادية من لحم ودم وليست هي الدين نفسه، فهذا رجل يمكن أن نختلف معه في الحقيقة أو على الشاشة ما دام لا يتحدث عن القرآن والأحاديث المتفق عليها، مثلاً الشيخ أحمد كريمة الذي أفتى بأحقية الزوج في الزواج من أخرى إذا كان يعمل ببلد بعيد من زوجته، هل يمكن أن نقول إن هذا كلام منقول عن قرآن أو أحاديث متفق عليها؟ بالطبع لا، لذلك فرجل الدين شخص عادي، ومن حقنا أن ننتقده، وهذا ما نوهت عنه في أعمالي، بخاصة في شخصية الشيخ يحيى بمسلسل ’فاتن أمل حربي‘، فهو شخص من حقه أن يحب امرأة، وأردت إخراجه من تابوت التجمد ليعرف الجميع أن الشيوخ أشخاص مثلنا في حياتهم مشاعر وهذا لا يعيبهم، وفي الوقت الذي قدمت شخصية متوازنة، ضم العمل ذاته شخصية شيخ متشدد يحاول الكسب من خلال إثارة الجدل ويستخدم مشاهدات مواقع التواصل الاجتماعي في تحقيق أرباح مادية".

ويستطرد العدل، "قدمنا أيضاً شخصيتين في مسلسل ’الداعية‘: الأولى لرجل دين متشدد أدى دوره هاني سلامة، وكان ضد الحب والموسيقى، وبعد أن يقع في الحب يتغير تماماً ويدرك أن اليسر والتوازن هما روح الدين، بينما نقيضه شيخ آخر متشدد، وعندما يرى أن الربح والبرامج تتطلب طريقة أخرى يتحول من أجل مصالحه، وطرحنا الشخصيتين بطرق مختلفة وتحولات وانعكاسات متناقضة. وكان العمل في عهد حكم الإخوان، فكان الهجوم عنيفاً، لأنهم ربطوا بين النقد والدين والسياسة في آن واحد".

وأشار العدل إلى أنه لا يخشى تقديم شخصية الشيخ عند التحضير لها في أي عمل، ولا تزعجه آراء الناس لأن هناك حالة من التسلف تسيطر على معظمهم، ويرون الشخصية الدرامية لرجل الدين على الشاشة من منظور ضيق، ويربطونها دوماً بالإساءة للدين وهذا غير حقيقي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة