في بعض الأوقات يأتي رد الفعل متأخراً. هذا ما حصل مع العنوان الإخباري: "كاي بي إم جي ستُفرض عليها غرامة تساوي 14 مليون جنيه استرليني (17.17 مليون دولار) بسبب تزوير مستندات تتعلق بتدقيق حسابات مجموعة (كاريليون)".
باختصار، انهارت "كاريليون" وهي مجموعة متخصصة بالإسناد الخارجي، جراء ديون بلغت سبعة مليارات جنيه في يناير (كانون الثاني) 2018، وفقد 3000 شخص وظائفهم وتضررت بشدة مئات المشاريع الخاصة بعملاء الشركة، بما في ذلك مستشفيات ومدارس وطرق.
أما الآن فتبين أن موظفي "كاي بي إم جي" التي تولت تدقيق حسابات الشركة، زوروا مستندات وخدعوا الجهة التنظيمية في شأن تدقيق حسابات "كاريليون" وشركة أخرى بين عامي 2014 و2016. ويفرض مجلس التقارير المالية الذي ينظم عمل المحاسبين غرامة تساوي 14.4 مليون جنيه إلى جانب "توبيخ شديد" بسبب سوء سلوك موظفي الشركة السابقين "البالغ الخطورة".
وكانت الغرامة لتسجل رقماً أعلى، 20 مليون جنيه استرليني،، لكنها خُفضت لتعاون "كاي بي إم جي" (لقد نبهت الجهة التنظيمية) ورغبتها في الاعتراف بالذنب.
وكان ذلك ليجعل منها أكبر غرامة على الإطلاق، بما يفوق مبلغ 15 مليون جنيه الذي فُرض على "ديلويت" عام 2020 على خلفية تدقيقها المحاسبي لشركة "أوتونومي" للبرمجيات.
من المتوقع أن تقولوا إن العقوبة تتناسب مع الجريمة، وهذا هو ما يود مجلس التقارير المالية أن تفكروا فيه [تخالونه]، إلا أن خفض العقوبة في ضوء تعاون "كاي بي إم جي" واستعدادها للاعتراف بالذنب يفيد في رأيي بأن الأدلة الجرمية متوافرة. أما عن الفكرة القائلة بأن هذه العقوبات هي إجراء رادع، فالسؤال كيف يمكن أن يكون ذلك إذا عُوقبت "ديلويت" بـ 15 مليون جنيه، وهاكم "كاي بي إم جي" تُعاقب بعد سنتين بـ 20 مليون جنيه؟
هذا هراء. لقد كتبت كتاباً عن الموضوع بعنوان "أكبر من أن يُسجنوا: داخل إتش إس بي سي، وكارتلات المخدرات المكسيكية، وفضيحة القرن المصرفية الكبرى"، ستنشره "ماكميلان" في التاسع من يونيو (حزيران)، وهو إذ يفند التفاصيل ينظر في الكيفية التي فُرضت فيها على "إتش إس بي سي" أكبر غرامة في تاريخ الولايات المتحدة بسبب غسله الأموال لمصلحة كارتل سينالوا، وأرادت وزارة العدل الأميركية توجيه اتهامات جنائية إلى المصرف لكنها في نهاية المطاف اختارت تغريمه.
أما عن الزعم بأن هذا المبلغ هو الأكبر وما إلى ذلك، فصحيح أنه كان كذلك، لكن بعد وضع المبلغ في سياقه يتبين أنه لا يتجاوز خمسة أسابيع من أرباح "إتش إس بي سي". وفي حين اعترف "إتش إس بي سي" بسلوك إجرامي، لم يتهم أي شخص في "كاي بي إم جي" بارتكاب جريمة.
في قضية "كاي بي إم جاي" تناقش المحكمة العقوبات الخاصة بالأفراد المتورطين الذين لم يعودوا في "كاي بي إم جي"، ووفق توصية مجلس التقارير المالية بالنسبة إلى شريك سابق، هو بيتر ميهان، فمن المرجح أن يُحظر الرجل من العمل في قطاع المحاسبة والتدقيق المحاسبي لـ 15 سنة، وأن يواجه غرامة لا تقل عن 400 ألف جنيه. ومما يُحسب لـ "كاي بي إم جي" إعلانها أنها لن تدفع غرامة ميهان أو غرامات زملائه.
يبلغ عمر ميهان 60 سنة وكان شريكاً لعدة سنوات، ولا بد من أنه كسب خلالها مبلغاً كبيراً من المال، ومن المفترض أنه قادر على تحمل دفع الـ 400 ألف جنيه. أما عن حظره من العمل فقد بلغ سن التقاعد على غرار العديد من الناس هذه الأيام، وفضلاً عن ذلك فمن غير المرجح أن يحتاج إلى العمل، وإذا احتاج إلى العمل فيستطيع دوماً الحصول على وظيفة خارج المهنة.
بعبارة أخرى، من غير المرجح أن تتسبب الصرامة الظاهرة في مصاعب، وعلى صعيد عدم تشجيع الآخرين على ارتكابات مماثلة، وهي لن تحدث فارقاً، لكن هذا ليس خطأ مجلس التقارير المالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُعد النظام الذي لا تُعامل فيه الآثام المالية على النحو نفسه نظاماً خاطئاً، وليس من شأن تغريم إحدى شركات المحاسبة الثرية وأحد كبار شركائها السابقين أن يُشعر أي شخص بالفزع أو يتسبب في توقف مرتكب محتمل فعلاً غير مشروع، ليعاود التفكير في الأمر.
يواجه أيضاً ثلاثة موظفين آخرين في "كاي بي إم جي"، أليستير رايت وريتشارد كيتشن وآدم بينيت، توصيات بحظر كل منهم من العمل في القطاع وبدفع غرامة تساوي 100 ألف جنيه، وقد يواجه براتيك باو، العضو المبتدئ في الفريق الذي لم يكن بعد محاسباً مؤهلاً في ذلك الوقت، حظراً لأربع سنوات وغرامة قدرها 50 ألف جنيه، فقد وضعوا هم وميهان محاضر اجتماعات زائفة وحرروا جداول بأثر رجعي، زاعمين أنهم قاموا بالعمل في حين أنهم لم يفعلوا.
وقبل مدقق حسابات سابق آخر في "كاي بي إم جي" اسمه ستيوارت سميث، غرامة بقيمة 150 ألف جنيه وتعليقاً لثلاث سنوات من المهنة، بسبب أدائه حول تفتيش طاول التدقيق المحاسبي لشركة البرمجيات "ريجينيريس" في وقت سابق من هذا العام.
ووجد مجلس التقارير المالية أن ميهان ورايت وكيتشن وبينيت "تصرفوا عمداً ومن دون أمانة في إنشاء وثائق مزورة وتقديم عروض كاذبة"، وتصرف باو من دون نزاهة لكن ليس من دون أمانة.
وقال ديفيد تورنر، المستشار الملكي الذي يمثل رايت، إن موكله "أُحرج وأُخضع وندم" والتمس ألا تتعدى غرامته 50 ألف جنيه. وقال فيون بيلبرو، المستشار الملكي الذي يمثل كيتشن، إن موكله لا بد من أن يُحظر من العمل في مجاله لمدة لا تزيد على ست سنوات، وإن أي غرامة لا بد من أن تأخذ في الاعتبار العوامل التخفيفية، بما في ذلك "العواقب التي قد تؤدي إلى شل الحياة المهنية" للاستنتاجات التي توصلت إليها المحكمة ضده.
صحيح، لكن ثمة مناح أخرى في الحياة، إذ لو فعلوا شيئاً مماثلاً لواجهوا عقوبات أشد.
في صفوف المحاسبين سيواجه سلوك موظفي "كاي بي إم جي" استياء وكثيراً من الرفض، لكن بعضهم على الرغم من ذلك سيتغاضون عما جرى ويقولون إن مشكلة هؤلاء الموظفين أنهم ضبطوا وسيمضون قدماً في الارتكابات، ثم سنشهد جولة أخرى من الغرامات والتصريحات التي تعبر عن الأسف مصحوبة بمزيد من العناوين الإخبارية التي ستلفت انتباهنا، وهكذا دواليكم.
"أكبر من أن يُسجنوا: داخل إتش إس بي سي، وكارتلات المخدرات المكسيكية، وفضيحة القرن المصرفية الكبرى"، تنشره "ماكميلان" في التاسع من يونيو (حزيران)
نشرت اندبندنت المقال في 13 مايو 2022
© The Independent