Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التضخم يستشرس في تونس... والحكومة حائرة

ارتفاع الأسعار يضعها "بين فكين": ضغوط صندوق النقد لخفض الأجور وضعف القدرة الشرائية للمواطنين

مع شمس كل يوم يفاجأ التونسيون بزيادات جديدة في منتجات استهلاكية وغذائية عدة (أ ف ب)

يعيش عموم التونسيين وضعاً سيئاً وسط تراجع المؤشرات الاقتصادية للبلاد، ما انعكس سلباً على المقدرة الشرائية للمواطنين، الذين يفاجأون مع شمس كل يوم بزيادات جديدة في منتجات استهلاكية وغذائية عدة. وسجل التضخم أرقاماً قياسية جديدة مع توقع رفع أسعار بعض المنتوجات كالبيض والحليب والدواجن، مثلما أعلن وزير الفلاحة التونسية محمود الياس حمزة، معللاً ذلك بارتفاع أسعار الأعلاف الموردة جراء الحرب الروسية الأوكرانية.

مسارات التضخم

في أبريل (نيسان) الماضي، صعدت نسبة التضخم لتصل إلى مستوى 7.5 في المئة بعد أن كانت في حدود 7.2 في المئة خلال مارس (آذار)، و7 في المئة خلال شهر فبراير (شباط)، و6.7 في المئة في يناير (كانون الثاني)، وفق ما أعلن أخيراً المعهد الوطني للإحصاء (حكومي). وتُعدّ هذه النسبة الأعلى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2018 متأثرة بحركة الأسعار الكبيرة التي تزامنت مع شهر رمضان، وبحسب متخصصين، فإن ارتفاع نسبة التضخم في تونس لشهر أبريل كانت منتظرة في ظل ما شهدته أسعار معظم المنتوجات من زيادة لافتة، رافقتها موجة احتكار ومضاربة بالمواد الغذائية.

بحسب معهد الإحصاء، يعود هذا التطور في نسبة التضخم بالأساس إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار التبغ (من 21 إلى 24.2 في المئة) وأسعار الملابس والأحذية (من 9.8 إلى 10.1 في المئة) والأثـاث والـتـجـهـيزات والخدمات الـمـنـزلـيـة (من 6.1 إلى 7.4 في المئة) ومواد وخدمات النقل (من 5.9 إلى 6.7 في المئة).

كما قفزت أثمان المواد الغذائية بنسبة 8.7 في المئة بعد  ارتفاع أسعار البيض 20.4 في المئة والزيوت الغذائية 20.4 في المئة والغلال الطازجة 19.5 في المئة والخضر الطازجة 12 في المئة والدواجن 9 في المئة. كذلك زادت أسعار الأسماك الطازجة 9 في المئة ومشتقات الحبوب 9.1 في المئة ولحم الضأن 6.6 في المئة.

وفي السياق ذاته، سجلت أسعار الخدمات ارتفاعاً بنسبة 4.8 في المئة، بعد نمو أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 7.2 في المئة وخدمات الصحة 3.4 في المئة والإيجارات 4.5 في المئة.

دفاع عن المستهلك

عمار ضية، رئيس منظمة "الدفاع عن المستهلك" انتقد اتجاه بعض قطاعات الإنتاج الفلاحي والحيواني إلى رفع الأسعار بشكل أحادي من دون الرجوع إلى سلطة الإشراف، معتبراً أن هناك لا مبالاة بالمستهلك وبمقدرته الشرائية. وأكد أن الزيادات في الأسعار كانت منتظرة لوجود حراك كامل في هذا الاتجاه، لكنه أشار إلى أن رفعها لا يمكن أن يتم اعتباطاً عبر اجتماع مجموعة من الأشخاص تقرّ رفع الأسعار من دون الرجوع إلى هياكل الإشراف.

وعمد عدد من منتجي الدواجن في تونس في الفترة الأخيرة إلى رفع الأسعار بطريقة أحادية، معللين ذلك بعجزهم عن مجاراة زيادة أسعار الأعلاف التي سجلت بين دولار وثلاثة دولارات، وهو ما رفضه رئيس المنظمة، مؤكداً أن الزيادات تتم عبر مفاوضات لتحديد نسبتها ومدى انعكاسها على المستهلكين. وكشف أن شرائح كبيرة من التونسيين باتت عاجزة عن مجابهة المصاريف الضرورية، مبدياً خشيته من أن يضيق الخناق على شرائح أخرى لم تعُد قادرة على توفير غذائها اليومي.

وأعلن الوزير حمزة عن زيادة مرتقبة في أسعار الحليب والبيض ولحوم الدواجن على مستوى الإنتاج، ما سينعكس على أسعار الاستهلاك، وقال في تصريح إعلامي إن غلاء أسعار المواد الأولية ومدخلات إنتاج الأعلاف في تونس ناتج بالأساس من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بزيادة ما بين 40 و60 في المئة مقارنة بعام 2021، وهو ما تسبب في نمو التضخم العالمي بنسبة 8 في المئة.

وأكد أن وزارة الفلاحة متفهمة حالة الغضب جراء الارتفاع الكبير في الأعلاف وزيادة تكلفة الإنتاج، وبعث برسالة طمأنة إلى عموم الفلاحين والمنتجين مفادها بأنه ستجري مراجعة سعر بيع الحليب والبيض والدجاج بما يضمن هامش ربح للمنتج من أجل الحفاظ على المنظومة. وأقرّ بأن هذه الزيادة ستكون لها تداعيات مباشرة على المستهلك التونسي، لكنه أبرز أن الأخير يجب أن يتفهم هذه الوضعية.

تهاوي المنظومة الفلاحية

في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، قال منور الصغيري، مدير الإنتاج الحيواني في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة نقابية وطنية)، إن المنظومة الفلاحية في البلاد تهاوت وأوشكت على الاندثار في عدد من مجالات الإنتاج. ولفت إلى أن وزارتي الفلاحة والتجارة لم تتفاوضا مع المنظمة الفلاحية بشأن إقرار الزيادة في أسعار البيض والدجاج والحليب، معتبراً أن الزيادات التي سيتم الإعلان عنها يجب أن تكون مجزية للفلاحين والمربين.

وبالنسبة إلى الحليب، قال الصغيري إن تونس تُعدّ الدولة الأولى في العالم التي يباع فيها الحليب بأقل سعر، وهو 1350 مليماً لليتر (450 سنتاً من الدولار)، موضحاً أن الليتر الواحد في دول الجوار مثل ليبيا بـ4 دنانير (1.3 دولار) والمغرب 3.5 دينار (1.1 دولار)، فيما يصل ليتر الحليب في دول جنوب الصحراء إلى 6 دنانير (2 دولار).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أمام الصعود المتواصل للأسعار في تونس وعجز المواطنين عن مجاراة هذا النسق، لا تزال الأجور مجمدة. وعلى الرغم من إلحاح الاتحاد العام التونسي للشغل (أقوى منظمة نقابية) على وجوب الدخول في مفاوضات لزيادة الأجور والحد من تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، فإن الحكومة لم تتجاوب مع هذه المطالب.

وتقف الحكومة بين مطرقة صندوق النقد الدولي الذي يشترط التحكم في كتلة الأجور، وهي الأرفع في العالم بالمقارنة مع الناتج الداخلي، إذ إن نسبة 40 في المئة من مجموع موازنة تونس موجهة للأجور، وسندان التراجع اللافت للمقدرة الشرائية في الفترة الأخيرة.

ضغط جديد على البنك المركزي 

في ظل التصاعد اللافت لنسبة التضخم، ينتظر متابعون رد فعل البنك المركزي التونسي إزاء هذا الوضع، مترقبين انعقاد مجلس إدارة البنك لبحث إمكانية اتخاذ قرار بتعديل نسبة الفائدة الرئيسة. وطالب عدد من أساتذة الاقتصاد البنك بعدم تعديل نسبة الفائدة (6.26 في المئة حالياً) بزيادة نصف نقطة وتقريبها لنسبة التضخم المسجلة في أبريل، إذ سينعكس ذلك على القروض البنكية التي سترتفع تكلفتها، بخاصة للمستثمرين والراغبين بإنجاز المشاريع، ما سيزيد من تعطيل الاستثمار في البلاد.

من جانبه، علّق أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية أرام بلحاج على المسألة بأن مجمل البنوك المركزية، بخاصة في الدول المتقدمة والصاعدة، رفعت أو سترفع حتماً من نسب الفائدة الرئيسة، في إطار مجابهة الضغوط التضخمية. ورجح أن البنك المركزي التونسي ذاهب في الاتجاه ذاته، وسيزيد النسبة من 25 إلى 50 نقطة أساس، بخاصة أن الفارق بين نسبة الفائدة الرئيسة الحالية ونسبة التضخم اتسع ليبلغ 125 نقطة (سلبية). 

وأعرب بلحاج عن اعتقاده بأن هذا الرفع سيكون خطوة في الاتجاه الخطأ لأسباب عدة، أهمها أن التضخم أصبح مشكلة عالمية مرتبطة أساساً بالعرض والطلب في السوق الدولية قبل السوق الداخلية، كما أن جزءًا لا بأس به من التضخم ناتج من تقلب أهم العملات الأجنبية، وآخرها ارتفاع سعر صرف الدولار. كما بيّن أن زيادة نسبة الفائدة الرئيسة سيؤثر في العرض (الاستثمار) الذي يشكو أصلاً صعوبات، بالتالي سيعمق الأزمة في تونس. وخلص إلى أن هذا الرفع أيضاً لن يحل مشكلات اللوجستيك والنقل والتخزين والتوزيع التي تعتبر من أهم المشكلات الهيكلية المساهمة في صعود نسبة التضخم، داعياً إلى وجوب العمل على معالجة المشكلة من جذورها عوض الذهاب نحو الحلول السهلة.

اقرأ المزيد