Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا مددت مصر مهلة تقنين أوضاع الجمعيات الأهلية؟

20 ألف مؤسسة لم تقدم أوراقها واتهامات للبيروقراطية وقيود كورونا و"الأبواب الخلفية"

تعديل القانون يتيح الفرصة لأكثر من 40 ألف جمعية لتوفيق أوضاعها (أ ف ب)

قبل أيام، صدق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على القانون رقم 23 لسنة 2022، الذي يقضي بمد فترة توفيق أوضاع منظمات المجتمع المدني لعام آخر، ينتهي في 11 يناير (كانون الثاني) 2023، بعدما انتهت المهلة القانونية في يناير الماضي، وفق نصوص قانون تنظيم الجمعيات الأهلية الصادر عام 2019.

ونص القانون الجديد أنه "على جميع الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاتحادات والمنظمات الإقليمية والأجنبية غير الحكومية والكيانات، التي تمارس العمل الأهلي وفق التعريف المنصوص عليه في قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي الصادر بالقانون رقم 149 لسنة 2019، التي لم توفق أوضاعها، أن تقوم بتوفيق أوضاعها خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون"، وأجاز القانون مد هذه المدة لمرة واحدة مماثلة بقرار يصدر من الوزير المختص بشؤون الجمعيات والعمل الأهلي بعد موافقة مجلس الوزراء.

وجاء التحرك التشريعي في وقت تتجه فيه الحكومة المصرية لمزيد من التعاون مع الجمعيات الأهلية ودعم الجمعيات الأهلية، حيث أعلن الرئيس السيسي، خلال منتدى شباب العالم بشرم الشيخ في يناير الماضي، 2022 عاماً للمجتمع المدني، الذي وصفه بـ"الشريك الأساسي"، كما تسعى الحكومة إلى العمل الأهلي بشكل أكبر في تمويل وتنفيذ خطة التنمية الاقتصادية، بينما تطالب المؤسسات الأهلية بأن تترك لها الحكومة مساحة أكبر في حرية الحركة والعمل.

ووفق بيانات رسمية لوزارة التضامن الاجتماعي، يتجاوز عدد الجمعيات الأهلية العاملة في مصر 52 ألف جمعية، تقدم 32 ألفاً منها بأوراق لتوفيق أوضاعها قبل نهاية المهلة القانونية، وتبقى 20 ألف جمعية طالبت الحكومة بمد المهلة قبل أن تتم الاستجابة لها.

البيروقراطية

بدوره، قال المحامي، الناشط الحقوقي نجاد البرعي، إن البيروقراطية الحكومية هي السبب الحقيقي وراء تأخر عدد كبير من منظمات المجتمع المدني في توفيق أوضاعها وضياع المدة المحددة بالقانون قبل التعديل من دون الوصول لصيغة قانونية شرعية لعملهم داخل مصر.

وأضاف البرعي، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، أن "الجهة المختصة (وزارة التضامن) طالبت المنظمات الأهلية بإرسال طلبات تقنين الأوضاع عبر موقع إلكتروني، لكن بعد فترة اكتشفنا أنه معطل، وظلت الحكومة تعمل لفترة على تطويره، مما أهدر نحو 7 أشهر من مهلة العام الذي كان ممنوحاً، وبعدها طالبوا المنظمات بإرسال الطلبات ورقية".

وأوضح أنه "في الوقت الحالي ترسل الطلبات بصيغة ورقية، وتعمل الجهة المختصة على رفعها إلكترونياً بمعرفتها، مما يزيد من مدة إصدار التراخيص، ويزيد من المخاوف بألا تكفي المهلة الجديدة لتقنين أوضاع الجمعيات التي لم تلحق بقطار توفيق الأوضاع، في ظل ارتفاع عددها خلال السنوات الماضية".

"ما بعد القانون"

نجاد البرعي أشار إلى أن بعض المنظمات الأهلية الخاصة بالعمل في ملف حقوق الإنسان والحريات لا تزال لديها تخوفات في التعاون مع الحكومة المصرية، حتى بعد حفظ التحقيقات مع بعضها ضمن القضية 173 الخاصة بتمويل منظمات المجتمع المدني، إلا أن المنظمات طالبت المجلس القومي لحقوق الإنسان (جهة حكومية) بغلق القضية وإلغاء القرارات المترتبة عليها من حظر السفر وتجميد الأصول، ليتسنى لهم البدء في إجراءات تقنين الأوضاع.

ولفت إلى أن الحكومة المصرية أصبحت تقدم تسهيلات فعلية وتحل جميع العراقيل أمام منظمات المجتمع المدني لتسهيل عملها في مصر، وإعادة بناء جسور الثقة بينهم، مشيراً إلى أن الخلاف مع الحكومة قد يأتي مستقبلاً بسبب اعتراضها على بعض الملفات، ومنها الحريات وحقوق الإنسان، التي قد تشهد تضييقاً في التمويل، لكن في المقابل ستجد المنظمات الأهلية المختصة بملفات التنمية تسهيلات كبيرة.

ويرى البرعي، أن "الأهم من تقنين الأوضاع هو التطبيق"، أو ما أسماه بـ"ما بعد القانون"، وبناء الثقة بين الحكومة والمنظمات الأهلية والمجتمعية، متسائلاً، هل سيستمر "شهر العسل" بين الطرفين أم تدخل علاقتهما في ممر ضيق مع أول خلاف على تطبيق القانون ونشهد تضييقاً جديداً في بعض الملفات؟

شريك أساسي

ووفقاً لوزيرة التضامن المصرية، نيفين القباج، في تصريحات لصحف محلية، فإن العلاقة بين الحكومة والمجتمع المدني اختلفت عن الماضي، حيث اعترفت بأن التشريعات في السابق كانت تضيق على العمل الأهلي، وساد عمل الجمعيات الاعتماد على التمويل الأجنبي، وتوريث المناصب داخل تلك المؤسسات، التي خضعت لـ"أجندات غير واضحة".

الوزيرة أوضحت أنه بين عامي 2014 و2015 زاد عدد الجمعيات الأهلية من 24 ألفاً إلى أكثر من 54 ألفاً، وهو ما تسبب في التشكيك بشأن ما إذا كانت هذه الزيادة الكبيرة وراءها صحوة مجتمعية أم عودة للجماعات مرة أخرى من الأبواب الخلفية، في إشارة لتنظيم الإخوان وغيره من الجماعات المحظورة.

وأكدت القباج، أن الحكومة تدخلت لتعديل الأوضاع الخاصة بجمعيات المجتمع المدني من خلال تشريعات تكفل لها حرية العمل والحركة، بعد تعديل قانون الجمعيات الأهلية وصدوره في نسخته الحالية لسنة 2019، وكشفت عن أن تمويل الجمعيات الأهلية في مصر خلال عام 2021 أصبح أكثر اعتماداً على التمويل المحلي بعكس السنوات الماضية، لافتة إلى أن إجمالي تمويل الجمعيات الأهلية في مصر بلغ 2.5 مليار جنيه (138 مليون دولار أميركي) من التمويل الأجنبي، و5 مليارات (277 مليون دولار أميركي) من التمويل المحلى.

وكان مجلس الوزراء المصري قد وافق في يناير الماضي على مشروع قانون مد مهلة توفيق الأوضاع، وأشادت وزيرة التضامن الاجتماعي بقرار الحكومة، واعتبرت أنه يعكس تقدير الدولة بكامل مؤسساتها للدور الكبير، الذي يلعبه المجتمع المدني في مصر، وحرصها على تقديم كل سبل الدعم له.

وأضافت أن جميع المنظمات الدولية العاملة في مصر تقدمت بملفات توفيق أوضاعها. وأكدت أن ذلك يؤكد على ثقة هذه المنظمات في زيادة مساحة وحرية العمل الأهلي، وفقاً لما تم النص عليه في القانون، إضافة إلى الرغبة في عمل شراكات طويلة الأمد مع المنظمات المصرية، وفق بيان الوزارة.

وتابعت الوزيرة، أن الإجراءات الاحترازية، التي تبنتها الدولة لمواجهة جائحة كورونا، منعت بعض المنظمات الأهلية من عقد اجتماعات الجمعيات العمومية غير العادية لإقرار اللوائح التنفيذية والقواعد والإجراءات، ما عطل من تنفيذ إجراءات التسجيل، إضافة إلى تفهم الوزارة أن المنظومة الإلكترونية تتطلب "وقتاً أطول لبعض الجمعيات لاستيعاب الإجراءات التنظيمية الواجب استيفاؤها"، حسب البيان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فترة كافية

رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، طلعت عبد القوي، يرى أن تعديل القانون يتيح الفرصة لأكثر من 40 ألف جمعية ومؤسسة واتحاد، إضافة إلى الكيانات غير الرسمية، لتوفيق الأوضاع، لتعمل تلك الكيانات تحت مظلة القانون.

وقال عبد القوي، عضو البرلمان المصري، في تصريحات لصحف محلية، إن التعديلات أتاحت فترة زمنية كافية لتوفيق أوضاع مؤسسات المجتمع الأهلي، خصوصاً أنه كان هناك تأخر في انطلاق الموقع الإلكتروني الخاص بالتقدم بالأوراق الرسمية.

وناشد الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية، في بيان، جميع كيانات العمل الأهلي المحلية، وكذلك الإقليمية والدولية العاملة في مصر، التي لم توفق أوضاعها الإسراع في ذلك، حتى تصبح كيانات قانونية ولا تتعرض للحل، وأكد الاتحاد أن غرفة العمليات جاهزة لاستقبال أي اتصالات للرد على الاستفسارات والمساعدة في خطوات توفيق الأوضاع.

خطوة جيدة

المتحدث الرسمي باسم المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري، عزت إبراهيم، قال إن إتاحة الفرصة لمنظمات وجمعيات المجتمع المدني لتوفيق أوضاعها خلال عام، يؤكد تكاتف مؤسسات الدولة لدعم المجتمع المدني ومنحها الفرصة كاملة للمشاركة الفاعلة في عملية البناء، إلى جانب تفهم الحكومة لأهمية الدور التنموي والتنويري لتلك المنظمات على كل المستويات.

ولفت إبراهيم إلى أن الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد خلال وقت أزمة فيروس كورونا تحديداً، أعاقت استكمال الإجراءات بعقد الجمعيات العمومية غير العادية، وفقاً للمادة السابعة من اللائحة التنفيذية كشرط لازم لتوفيق الأوضاع، مشدداً على أهمية الخطوات التي تعزز من عمل منظمات المجتمع المدني مثلما جرى قبل أسابيع من الإعلان عن التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي، الذي أعلنت عنه مؤسسة "حياة كريمة"، والذي يضم المنظمات الخيرية الكبرى، سواء الأهلية المشهرة وفقاً للقانون الجديد، والصناديق والمبادرات التي تعمل وفق أطر قانونية أخرى.

المزيد من العالم العربي