Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تضاعف وارداتها من القمح وسط تزايد عجز الميزان الغذائي

المحاصيل المرتقبة لن تغطي حاجات السوق المحلية على الرغم من تحسن المردود

سجل الميزان الغذائي في تونس عجزاً بسبب ارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية (رويترز)

سجل الميزان التجاري الغذائي لتونس، في مارس (آذار) 2022، عجزاً بنحو 268.4 مليون دينار (89.46 مليون دولار) مدفوعاً بارتفاع سلة المنتجات الموردة، وعلى رأس القائمة الحبوب بنسبة 11.4 في المئة، يليها السكر بنسبة 9. 191 في المئة.

وقد تمكن الميزان التجاري الغذائي من تحقيق نسبة تغطية قاربت 86.6 في المئة، خلال سنة 2022، مقابل 84.9 في المئة لسنة 2021، كان قد سجل خلالها الميزان الغذائي عجزاً أقل بقيمة 151.7 مليون دينار (50.56 مليون دولار)، وفق المرصد الوطني للفلاحة (حكومي). ويعود ذلك إلى ارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية تأثراً بالحرب الدائرة في أوكرانيا. ويتحمل ميزان المدفوعات ضريبة ارتفاع أسعار توريد الحبوب التي تتراوح بين 25 و94 في المئة مقارنة بمستوى 2021. وتضطر تونس إلى سد جزء كبير من حاجاتها من طريق التوريد، وخصوصاً من القمح اللين. ويتوقع متخصصون تفاقم العجز بسبب تعويل تونس على التوريد في الجزء الأعظم من استهلاكها للقمح اللين، بينما تنتج حاجاتها من القمح الصلب. والحال أن الأسعار نشطة لأصناف الحبوب في الأسواق العالمية، ما ينذر بتأثر ميزان المدفوعات وتضاعف تكاليف توريد القمح على المدى المتوسط بالنظر إلى اقتراب موسم جمع المحاصيل.

ارتفاع تكلفة الواردات الغذائية

ويرد ارتفاع العجز المسجل في الميزان التجاري الغذائي، في ظل ارتفاع قيمة الصادرات الغذائية لتونس، في مارس 2022، بنسبة 22.8 في المئة، لتبلغ 1.78 مليار دينار (596.2 مليون دولار) ونمو الواردات بنسبة 20.4 في المئة، لتصل إلى ملياري دينار (666.6 مليون دولار)، على الرغم من ارتفاع صادرات زيت الزيتون بنسبة 40.7 في المئة لتصل إلى 761.5 مليون دينار (253.8 مليون دولار). ويفسر ذلك زيادة قيمة واردات الحبوب التي وصلت إلى نحو مليار دينار (333.3 مليون دولار).

وخلال مارس 2022 تم التوريد بنحو 332 مليون دينار (110.6 مليون دولار) من القمح الصلب في ظل ارتفاع الأسعار بنسبة 93.9 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من 2021. ووردت تونس من القمح اللين ما قيمته 343.7 مليون دينار (114.56 مليون دولار)، مع زيادة مسجلة في الأسعار بنسبة 41.6 في المئة.

وقد زادت تكلفة توريد الحبوب مقارنة بمستويات 2021، وهي تشهد ارتفاعاً منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021، بينما لم يظهر بعد تأثير الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وفق المرصد الوطني للفلاحة.

وقد خصصت تونس مبلغ 162 مليون دينار (54 مليون دولار)، خلال مارس 2022، لتوريد الشعير الذي سجل ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 50.2 في المئة، ومبلغ 171.8 مليون دينار (57.2 مليون دولار) لتوريد الذرة، في ظل زيادة الأسعار بنسبة 50.2 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من 2021.

يضاف إلى هذا ارتفاع قيمة واردات اللحوم، لتصل إلى 4.4 مليون دينار (1.46 مليون دولار)، ما شكل زيادة بنسبة 388.9 في المئة عن بيانات الفترة نفسها من 2021. وكذلك ارتفاع واردات البطاطا لتصل إلى 9 ملايين دينار (3 ملايين دولار)، ما يساوي ارتفاعاً بنسبة 246.2 في المئة. وزادت قيمة واردات السكر في مارس 2022 بنسبة 191.9 في المئة، من خلال تخصيص نحو 148 مليون دينار (49.3 مليون دولار)، في حين قدرت المبالغ المخصصة لتوريد الزيت النباتي بنحو 209.5 مليون دينار (69.8 مليون دولار)، ما يشكل ارتفاعاً بنسبة 32.2 في المئة، علماً بأن صادرات تونس من زيت الزيتون حققت ارتفاعاً في مارس 2022، لتبلغ 761.5 مليون دينار (253.8 مليون دولار)، ما شكل ارتفاعاً بنسبة 40.7 في المئة. وزادت عائدات تصدير الطماطم بنسبة 14.1 في المئة، لتصل إلى 79.7 مليون دينار (26.5 مليون دولار)، وعائدات تصدير التمور بنسبة 2.8 في المئة.

في المقابل، تراجعت صادرات القوارص بنسبة 15.1 في المئة لتقتصر قيمة صادراتها على 16.9 مليون دينار (5.6 مليون دولار). وتقلصت عائدات صادرات منتجات الصيد البحري بنسبة 4 في المئة، ولم تتجاوز 125.8 مليون دينار (41.9 مليون دولار).

محاصيل الحبوب المتوقعة

ويرجح أن يتعمق العجز بفعل تواصل استيراد الحبوب خلال شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، في انتظار موسم حصاد الحبوب في تونس، الذي ينطلق في يونيو (حزيران). وتتوقع تونس أن تبلغ محاصيل الحبوب نحو مليوني طن هذا الموسم، من دون الفصل بين الكميات المجمعة والكميات المتبقية لدى الفلاحين.

ويكشف محمد رجايبية، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة مستقلة) المكلف الزراعات الكبرى، أنه وفق المعطيات المناخية الجيدة للأشهر الماضية بحكم كميات الأمطار المسجلة في فصل الربيع فإن الكميات المنتظر تجميعها للحبوب، من القمح الصلب واللين والشعير، ستكون في نحو 1.1 مليون طن. وهي حصيلة أفضل من الموسم الماضي الذي قدرت فيه المحاصيل بمليون طن، ولم يتم تجميع غير 800 ألف طن، هي 750 ألف طن من القمح الصلب و25 ألف طن من القمح اللين و25 ألف طن من الشعير، بينما تبلغ حاجات تونس الغذائية من الحبوب 2.4 مليون طن، تنقسم إلى 1.2 مليون طن من القمح الصلب و1.2 مليون طن من القمح اللين.

العجز المستفحل

وتنتج تونس 90 في المئة من استهلاكها الإجملي من القمح الصلب. ويرجح أن تحقق اكتفاءها الذاتي من هذا الصنف سنة 2022، لكن يتمثل الإشكال في العجز المستفحل في مجال القمح اللين، إذ تستورد تونس أكثر من 90 في المئة من حاجاتها منه. ولم يتجاوز الإنتاج المحلي 25 ألف طن سنة 2021، بعد أن تراجعت المساحات المخصصة له بسبب انخفاض أسعاره عند البيع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبناء على ذلك، فإنه من المتوقع أن توفر تونس ثلث مجموع حاجاتها الغذائية من الحبوب. بعد أن تم بذر 10 آلاف كيلو متر مربع، منها 6 آلاف كيلو متر مربع خصصت للقمح الصلب. وينبه رجايبية من خطورة تراجع المساحات المزروعة بسبب عزوف الفلاحين عن هذه الزراعات. ويعود ذلك إلى إشكاليات عديدة منها انخفاض أسعار بيع الحبوب بالنظر إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، والعوامل المناخية غير الملائمة بحكم أن 95 في المئة من المساحات هي مطرية، إضافة إلى معضلة فقدان الأسمدة في السنوات الماضية.

ويضيف رجايبية أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع نسق التوريد لتغطية الاستهلاك. وتبلغ تكلفة توريد الحبوب ملياري دينار (666 مليون دولار) سنوياً. وهي مرجحة إلى الارتفاع ربما إلى الضعفين بسبب الحرب الأوكرانية التي تسببت في شطط الأسعار، وتتزود تونس بـ50 في المئة من وارداتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا. ويتراوح سعر الطن من القمح اللين بين 450 و500 دولار في الأسواق العالمية، إضافة إلى الاضطرابات التي تصيب سلاسل التوريد، وبالتالي التزود. وقد أطلقت هذه الحرب إنذاراً للتنبيه إلى ضرورة العمل على التأسيس للسيادة الغذائية في تونس بدعم الفلاحين لتوسيع المساحات المزروعة ورفع الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتفادي الرضوخ للتوريد المستمر والمهدد بإنهاك مخزون العملة في ظل هذه الحرب.

نسبة تغطية ضئيلة

ويعتقد ليث بن بشر، عضو النقابة التونسية للفلاحين، أن "العجز الحاصل هو نتيجة حتمية لخيارات سابقة للدولة التونسية التي حافظت على منظومة إنتاج القمح الصلب على حساب القمح اللين. وبدا ذلك بديهياً بحكم الميزة التفاضلية للقمح الصلب في السعر والقيمة الغذائية، لكنه لا يبرر عدم الدفع نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من أنواع الحبوب، علماً بأن تونس تسجل معدل استهلاك فردي للمعجنات مرتفع للغاية بـ200 كيلو غرام سنوياً للفرد مقابل معدل عالمي لا يفوق 66 كيلو غراماً".

وتمكن المنتجات المحلية من تغطية ثلث هذه الكمية، ليتم اللجوء إلى استيراد البقية. وفي ظل الانكماش الحاصل في الأسواق العالمية، لا تملك الدولة غير خيار واحد، هو العمل على تطوير الزراعات الكبرى بالدعم والتأطير والإرشاد والبحث العلمي. وإن انطلقت وزارة الفلاحة في اتخاذ بعض الخطوات فقد بدت متأخرة وغير كافية، إذ رفعت أسعار بيع الحبوب من 80 ديناراً (26.6 دولار) إلى 100 دينار (33.3 دولار) للقمح اللين، والقمح الصلب من 86 ديناراً (28.6 دولار) إلى 130 ديناراً (43.3 دولار)، لكنها إجراءات ضئيلة وبطيئة في مواجهة تكلفة الإنتاج المرتفعة التي أدت إلى تقلص المساحات المزروعة وتراجع الإنتاج المحلي لتقع البلاد فريسة سلاسل التوريد منذ سنوات ليتعمق الإشكال بسبب اندلاع الحرب الطاحنة في أوكرانيا.

ومن المتوقع أن يغطي الإنتاج الوطني من القمح الصلب في السنة الحالية الحاجات حتى مارس 2022، بينما لن تكفي الكميات المنتظرة من القمح اللين والشعير غير بضعة أسابيع. فتونس بعيدة عن سقف الاكتفاء الذاتي ومطالبة بمراجعة سياساتها وخياراتها ووضع استراتيجية وطنية لتحقيق السيادة الغذائية بدعم الزراعات بأنواعها لتفادي الخلل المزمن في الميزان التجاري الغذائي المنهك لميزان المدفوعات.