في الوقت الذي تبحث فيه كل العائلات التونسية عن فرصة لإدخال البهجة والفرح على أطفالها بمناسبة عيد الفطر المبارك، عبر شراء ملابس العيد، ترتطم أحلامها مجدداً بغلاء الأسعار، التي نغّصت عليهم فرحة العيد، ليعودوا إلى مربع العوز الذي لم يفارق حياة جُلّ التونسيين منذ عدة أشهر.
جرت العادة أن تستقبل العائلات عيد الفطر المبارك بألوان زاهية وبهجة تتجلى بارتداء الأطفال ملابس وأحذية جديدة وتناول الحلويات، لكن هذه المرة يبدو أن أسعار الملابس أحالت الفرحة إلى مرارة في نفوس الآباء والأمهات الراغبين بكل ما أوتوا في تحقيق حلم أطفالهم بالملابس الجديدة، ولو بالدين إذا تطلب الأمر.
حركة تجارية من دون جدوى
مع اقتراب نهاية شهر رمضان، ينتقل اهتمام التونسيين من المأكولات وإعداد الأطباق إلى الاستعداد لاقتناء ملابس العيد وشراء الحلويات، وفي هذا تشهد مختلف المحال التجارية بتونس، لا سيما في العاصمة، حركة وإقبالاً لافتين، لكن هذه الحركة تتسم بمشهد يكاد يتكرر يومياً بوقوف المواطنين أمام واجهات المحال التجارية يتأملون قبل أي شيء أثمان ملابس العيد، فيملأ الذهول عيونهم الواسعة قبل أن ينصرفوا ليعودوا مجدداً في اليوم التالي بالدهشة نفسها، ولكن بمرارات أكبر.
يتذمر التونسيون من الغلاء المتزايد في أسعار ملابس العيد. لقد أضحوا غير قادرين على مجاراة النسق الجنوني لحركة الأسعار في البلاد. تقول درة الخوالفي، وهي ربة بيت وأم لطفل، إن "أسعار ملابس العيد خلال هذا العام عرفت ارتفاعاً غير مقبول بالمرة". وقدرت الزيادة بين العام الحالي والماضي بأكثر من 30 في المئة.
درة مضت تقول لـ"اندبندنت عربية"، "الأمر أضحى لا يُطاق، اقتناء أسعار ملابس العيد لأجل إدخال الفرحة على الأبناء لم يعد في المتناول، والآباء والأمهات صاروا يضحون بعدة مسائل مالية تهم موازنة العائلة لكي يتمكنوا من شراء قطع ملابس واستقبال العيد".
ربة البيت هذه ذهلت من الصعود الكبير بالأسعار في وقت تشهد فيه المقدرة الشرائية للتونسيين اهتراءً متزايداً عمقه المنحى المتواصل للغلاء، الذي بلغ مستويات مخيفة، وفق تصورها.
"ملابس الأرصفة" ملاذ التونسيين
المتجول في أهم شوارع تونس العاصمة يلاحظ بالتأكيد الاكتظاظ اللافت، والإقبال المتزايد على أكوام الملابس المكدسة على قارعة الطريق، أو ما يعرف في تونس بظاهرة الوقوف الفوضوي الذي ينتعش كثيراً في المناسبات الاستهلاكية الكبرى، ومن ضمنها العيد. وتلقى الظاهرة رواجاً كبيراً لدى الشرائح الاجتماعية ذات الدخل الضعيف والمحدود، حيث يجري شراء ملابس وأحذية جديدة بأسعار يعتبرها عموم التونسيين معقولة ومقبولة، لكن جودتها متدنية للغاية، الأمر الذي يفسر تدني أسعارها.
ترى نجلاء بن علي، ربة منزل، أنه أمام اهتراء القدرة الاستهلاكية للتونسيين فإن آلاف الأسر حولت اهتمامها من المحلات التجارية المنظمة إلى أكوام وأكداس الملابس الملقاة على الأرصفة، علّهم يعثرون على ملابس تناسب أطفالهم وتدخل عليهم فرحة العيد.
وبيّنت أنها ترغب في اقتناء ملابس كهدية لابنة أخيها، لكنها عجزت أمام الأثمان المعروضة في المحلات، الأمر الذي دفعها للتوجه إلى الرصيف ونبش أكداس الملابس، علّها تجد ما يشبع فضولها بالعثور على لباس مناسب.
يشار إلى أن نسبة التضخم لمجموعة الملابس والأحذية قفزت من 8.9 في المئة خلال شهر فبراير (شباط) من هذا العام، إلى 9.8 في المئة في مارس (آذار) 2022، بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).
المهنة تتبرأ والمنظمات تدين
رئيس غرفة الملابس الجاهزة بمنظمة الأعراف التونسية، محسن بن ساسي، أكد أن الإقبال على شراء ملابس العيد خلال هذه الفترة ضعيف جداً في مختلف جهات الجمهورية. ودعا في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إلى "ضرورة مقاومة ظاهرة التهريب التي زادت من تأزيم الوضع". وقال إن هناك نقصاً فادحاً فيما يتعلق بالإقبال على اقتناء الملابس الجاهزة الخاصة بالعيد، مشيراً إلى أن قرابة 50 في المئة من رقم معاملات محال الملابس الجاهزة للأطفال يتحقق بهذه المناسبة.
وأضاف محسن بن ساسي، أن المصانع واجهت صعوبات عدة، منها اقتناء الأقمشة بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية، وارتفاع أسعار تكلفة النقل، مشيراً إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطن في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منظمة الدفاع عن المستهلك (منظمة وطنية) أقرّت صراحةً ارتفاع أسعار ملابس العيد خلال هذه السنة بأكثر من 15 في المئة مقارنة بالسنة الماضية، داعية التجار إلى التخفيض من هامش الربح قدر الإمكان، خصوصاً أن ثمن ملابس العيد العادية يصل إلى قرابة الـ150 ديناراً (50 دولاراً).
من جانبه، قدر لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة)، ارتفاع أسعار الملابس بين 20 و25 في المئة، بالمقارنة مع السنة الماضية، معتبراً أنها زيادة لا تخدم مسألة الاستهلاك في تونس، الذي لا يزال الرافعة الوحيدة لتحقيق نمو اقتصادي إيجابي في البلاد وسط تعطل رافعتي التصدير والاستثمار. وعزا الإقبال المحتشم من التونسيين على اقتناء ملابس العيد، وبخاصة من المحال التجارية، إلى تواضع مقدرتهم الشرائية التي أثرت عليها بشكل ملموس حركة الأسعار الصاعدة والمحيرة في الأشهر الأخيرة.
يرى لطفي الرياحي أن الكثافة ليست معياراً يعكس حركة البيع والشراء، لأن جُلّ التونسيين ينزلون إلى المحال التجارية من باب الفضول، وأخذ فكرة عامة عن الأسعار المعروضة. ويؤكد أن هناك انتقالاً مهماً في المشهد التجاري التونسي خلال هذه الفترة، يتجسّم في الإقبال المكثف على محال الملابس المستعملة، أو ما يعرف في تونس بـ"الفريب"، والوقوف الفوضوي والعشوائي بعرض ملابس مقبولة نسبياً، ولكن أسعارها تراعي القدرة الشرائية للتونسيين.
الإقبال على "الفريب" يتزايد
رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة، الصحبي المعلاوي، أكد أن نسبة الإقبال على الملابس المستعملة "الفريب" خلال الأعياد ارتفعت بنسبة 30 في المئة في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة في نسق تصاعدي مع كل سنة منذ ما يقارب الـ5 سنوات. وأوضح أن السبب الرئيس لإقبال المواطن التونسي، الذي اعتاد شراء ملابس العيد من المحال التجارية المنظمة، على "الفريب"، هو تدهور المقدرة الشرائية وغلاء الملابس الجديدة مقارنة بالملابس المستعملة، وكذلك تدهور جودة الملابس الجديدة مقابل الملابس المستعملة، التي تضم ماركات عالمية عدة.