أثار خبر الاستقالة المفاجئة التي قدّمها وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، جدل الشارع السياسي الذي انشغل بالتساؤل عن دوافعها، في وقت يعجّ بالقضايا الدبلوماسية اليمنية الشائكة والمرتبكة.
أزمة ثقة
ومنذ إعلان خبر الاستقالة، التي لا تزال طيّ كتمان أروقة الحكومة اليمنية، إذ لم يبتّ الرئيس هادي فيها بعد، أثار الشارع اليمني جدلاً حول أداء الدبلوماسية اليمنية التي تواجه استحقاقات مهمة، تتمثل في تنفيذ اتّفاق ستوكهولم بعد أكثر من نصف عام على توقيعه في السويد.
وإلى حدّ بعيد، تطابقت تناولات وسائل الإعلام الدولية، نقلاً عن مصادر دبلوماسية يمنية، قالت إن أزمة صلاحيات الوزير "اليماني" في وزارته كانت السبب الرئيس وراء استقالته التي قدّمها مسَبّبة للرئيس هادي.
وتحدثت المصادر عن تدهور أداء الدبلوماسية اليمنية، بناء على الاختلاف في المواقف والآراء بين الوزير ومؤسسة الرئاسة حول إدارة ملف مفاوضات السلام، وما يتعلق بتنفيذ اتفاق ستوكهولم الخاص بمحافظة الحديدة (غربي اليمن).
خطوات تصحيح
مصدر دبلوماسي في الخارجية اليمنية، فضّل عدم ذكر هويته، قال إن "اليماني رجل مدنيّ لا يستند إلى مرجعية قبلية أو حزبية وعندما سعى إلى تسوية الاختلالات الهائلة في السلك الدبلوماسي اليمني، شُنت ضده حملات تشويه و(تطفيش) ممنهجة ورُفض تنفيذ توجيهاته ومقترحاته التي سبق وقدمها إلى الرئيس ونائبه".
وأوضح المصدر لـ"اندبندنت عربية" أن "من أبرز ما طرحه اليماني إجراء حركة تغيير شاملة في السلك الدبلوماسي والقنصلي اليمني، وتغيير مَنْ ليس لهم علاقة بالعمل الدبلوماسي الذين تم تعيينهم وفقاً للمحاصصة الحزبية والقرابة الأسرية".
وأضاف "اليماني عمل فور تعيينه على تقديم جملة مقترحات للرئيس هادي ونائبه، تهدف إلى إصلاح مسار العمل الدبلوماسي اليمني في الخارج وإجراء تغييرات فاعلة في السفارات والقنصليات، إلا أنها قوبلت بالرفض والتجاهل".
الوزير مختفٍ
ويُلاحظ أن الوزير اليماني غاب عن أي نشاط رسمي منذ الـ20 من شهر مايو (أيار) الماضي، إذ كان ظهوره الأخير خلال مراسم استلام أوراق اعتماد السفير الأميركي الجديد لدى اليمن، كريستوفر هنزل، بحضور الرئيس هادي في العاصمة السعودية الرياض.
وعُيّن اليماني وزيرا للخارجية أواخر مايو (أيار) 2018 خلفا لعبد الملك المخلافي، قادماً من مندوبية اليمن في الأمم المتحدة، وعُرف عنه خبرته الواسعة في السلك الدبلوماسي والتعامل مع الجهات الخارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا ما قُبلت استقالته، فسيكون الرجل قد أمضى عاماً واحداً فقط على رأس الدبلوماسية اليمنية، ورئاسة الوفد التفاوضي الحكومي في مشاورات ستوكهولم بالسويد.
واليماني هو ثالث وزير للخارجية منذ "الانقلاب" الحوثي أواخر العام 2014، حيث سبقه إلى المنصب كل من رياض ياسين، لأكثر من عام، قبل أن يتم تعيينه سفيرا لليمن في فرنسا، ليخلفه بعد ذلك عبد الملك المخلافي، الذي أُزيح في مايو (أيار) 2018 وعُيّن مستشارا للرئيس.
هل هو صراع نفوذ؟
مراقبون ذهبوا للحديث عن صراع نفوذ تشهده أروقة الدبلوماسية اليمنية، بين جناح يقوده دبلوماسيون متهمون في قضايا فساد واستغلال الوظيفة العامة لصالح مقربين منهم، وآخر موالٍ لليماني.
وبحسب المصدر نفسه، فإن "اليماني تسلّم عمل الخارجية فيما كانت ترزح تحت وطأة الفساد والمحسوبية في معظم السفارات، وعندما بدأ بإصلاح كثير من الأمور، وقفت له قوى الفساد المُعيّنة أخيرا التي تنتمي إلى حزب ديني كبير في اليمن".
غير أن السياسي اليمني ورئيس الشؤون الخارجية للمجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس النقيب، يرى أن "اليماني لم ينجح في إجراء إصلاحات في وزارته، كما لم يرضِ المتنفذين والمتحكمين في صناعة القرار".
ويضيف أن "النجاح الوحيد الذي ظل يتغنى به اليماني يتمثل في اتفاق السويد، ويبدو أنه قد تلقى تهديداً بالمحاسبة وإحالته إلى التحقيق بعد الإقالة فاستبق الإقالة بالاستقالة".
وحول البديل الممكن، يجيب "من سيأتون به سيقف أمام أحد خيارين: إما أن ينفّذ لهم ما يطلبون منه وقد يقبلونه لبعض الوقت ثم يتخلصون منه عندما يريدون، وإما أن يعمل بِحريّة ومهنيّة فيصطدم بهم عند أول خطوة يمكن أن يفكر باتخاذها لتنظيف الوزارة من (الوصوليين وعديمي الكفاءة والصبية والمتدربين وأولاد الذوات)".
جزء من الفشل
الباحث السياسي اليمني، ثابت الأحمدي، قال إن "أزمة وزارة الخارجية جزء من الأزمة اليمنية بشكل عام، في ظل سلطة وحكومة فاقدة للرؤية وعاجزة عن فرض أية حلول من شأنها تجاوز المعضلة القائمة".
ويرى أن "اليماني آثر الاستقالة على أن يظلّ في وزارته بلا صلاحيات"، ويضيف أن "الفساد ضرَب كل أركان وزارة الخارجية إلى حدّ تعيين دبلوماسيين شبه أميين لا يجيدون القراءة والكتابة، وبيع الجوازات الدبلوماسية وصرفها على من لا يستحقون، ناهيك بالعجز القائم في مسألة التعاطي مع القضية اليمنية".
ويتهم الأحمدي "الدبلوماسية اليمنية بالفشل في إقناع الرأي العام الخارجي بعدالة القضية اليمنية، في الوقت الذي استطاعت جماعة الحوثي عبر أفرادها المتجولين في دول أوربية وعربية إقناع بعض الأطراف والدول بموقفها رغم خطئه، ورغم كونها جماعة انقلابية".