Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل تدين نفسها... مركز حقوقي يتهم الجيش باستهداف غزة عمدا

مقتل ما لا يقل عن 27 فلسطينياً وجرح أكثر من 150 وتدمير 130 وحدة سكنية في التصعيد الأخير

مبان دمرتها طائرات الجيش الإسرائيلي في مدينة غزّة أثناء جولة التصعيد الأخيرة في القطاع (أحمد حسب الله)

انتهت جولة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزّة، وسط إدانات كبيرة من المؤسسات الحقوقية الدولية والمحلية على حد سواء، بسبب إفراط الجيش الإسرائيلي في استخدام قوّة السلاح ضدّ المدنيين، واستهداف مبانٍ سكنية آمنة بشكل متعمد، الأمر الذي يعدّ مخالفة للقوانين والمواثيق الدوليّة.

الأمر الذي أكّده تقرير أصدرته منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية والذي جاء فيه أنّ الجيش الإسرائيلي تعمّد قصف مبانٍ في قطاع غزّة من دون إنذارٍ مسبق، ما أدى إلى مقتل 13 مدنياً، لم ينتموا لأي تنظيم مسلح، وكان مقتل هؤلاء نتيجة متوقعة سلفاً، وذلك لسياسة إسرائيل استهداف منازل السكان المأهولة، ويعد هذا مخالفة للقانون والأخلاق.

مغضوب عليها... إسرائيلياً

و"بتسيلم" هي منظمة حقوقية، غير حكومية، إسرائيليّة، ومعروفة بقربها من اليسار، تصف نفسها بأنها المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وتضم أشخاصاً إسرائيليين أصحاب تأثير، بمن فيهم محامون وأكاديميون وصحافيون وأعضاء كنيست، لكن هذه المنظمة مغضوب عليها من اليمين والحكومة الإسرائيلية، لأنّها ترصد الانتهاكات التي يرتكبها الجيش في الأراضي الفلسطينية.

استهداف متعمّد

فعلياً، كانت جولة التصعيد الأخيرة التي بدأت في الثالث من مايو (أيّار) الماضي، واستمرت خمسة أيام متتالية، أعنف عملية عسكرية تشنها إسرائيل ضد غزّة، بعد حرب صيف 2014، وأغارت أكثر من 350 مرّة على أحياءٍ مكتظة بالسكان في قطاع غزّة، وكان ضحيتها مقتل 27 مدنياً، من بينهم 4 نساء، و3 أطفال، وجنينان، في حين أصيب 154 مواطناً بجروح مختلفة، ودمّرت طائرات الجيش 100 وحدة سكنية بشكل كامل، و30 مبنى آخر بشكل بليغ غير صالح للسكن، و700 أخرى جزئياً.

ويرى متابعون أنّ إسرائيل ركّزت في الاستهداف على تدمير المباني، وهو ما رصدته "اندبندنت عربية" في تقريرٍ أعدّته أثناء جولة التصعيد، ويُعدّ ذلك تدميراً للاقتصاد الفلسطيني في غزّة، والذي يعاني من ركودٍ حاد نتيجة الحصار المفروض على القطاع منذ 12 عاماً. ويقول مركز "بتسيلم" الحقوقي، إنّ إسرائيل مدانة في استهداف المدنيين والمباني في قطاع غزّة، وما تقوم به يمثّل انتهاكاً منهجيّاً لحقوق الإنسان، وإنهاء الاحتلال يضمن تحقيق مستقبلٍ أفضل لحقوق الإنسان والديمقراطية والحرّية والمساواة لجميع الأفراد فلسطينيين وإسرائيليين.

وأظهر تحقيق أجراه المركز أنّه لم يحصل تحذير السكان بشكلٍ جديّ قبل القصف، فربما كان التحذير سيمكّنهم من النجاة بأنفسهم وإنقاذ ممتلكاتهم، لكن عدم حدوث ذلك أسفر عن تدمير 52 وحدة سكنية، وتشريد 52 أسرة، تعد 327 شخصاً من بينهم 65 طفلاً تحت سن الخامسة.

خطر على حقوق الإنسان

وتقول المنظمة إنّ إطلاق إسرائيل الصواريخ على مناطق مأهولة بكثافة كما في قطاع غزّة ينطوي عليه خطر محقّق يطال المدنيين، وهذا الخطر مثبت، في ظلّ عدم تحذير السكان بشكلٍ جاد، موضحةً أنّ الجيش واصل تطبيق هذه السياسة طيلة أسابيع الجولات على غزّة مستهدفاً منزلاً تلو آخر وأسرة وراء أسرة. وبيّنت "بتسيلم" أنّ طريقة استخدام القوة خلال هذه الغارات تندرج ضمن السياسة التي وضعها كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، وعدم استجابة الجنود والطيارين لذلك يعد مخالفة للأوامر، لكن هذه السياسة وفق المنظمة الحقوقية الإسرائيلية تخالف القانون.

لكن بالتدقيق أكثر، وجدت "اندبندنت عربية" أنّ إسرائيل تحاول تبرير هجماتها على المدنيين من خلال تأويل القانون الإنساني الدولي، باعتبار أنّ الفصائل المسلّحة في غزّة تستخدم المدنيين كدروعٍ بشرية، لتقول للمجتمع الدولي إن أفعالها لا تخالف القانون.

التبليغ قبل القصف

لكن ذلك مخالف لكلّ المواثيق والأعراف الدوليّة، بحسب الخبير القانوني الدولي صلاح عبد العاطي الذي قال، إنّ استهداف مساكن المدنيين أو ممتلكاتهم، سواء عبر قرع المباني بالصواريخ الخفيفة، أو بأي وسيلة أخرى، يعد جريمة حرب، بنظر القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، لكون أنّ هذه الوحدات السكنية مدنية.

وبعد المتابعة لطريقة قصف إسرائيل الوحدات السكنية في جولتها العسكرية الأخيرة على غزّة، تبيّن أنّ الجيش كان يقصف المبنى بصاروخٍ تحذيري صغير، من طائرات الاستطلاع، ثمّ يمهل سكان المبنى حوالى خمس دقائق، وبعدها يشن غارات ثقيلة من الطائرات العسكرية، والطريقة الثانية من خلال الاتصال الهاتفي على جيران المنزل المراد تدميره، والطلب منهم بتبليغ صاحب البيت بأنّ الجيش سيقصفه، والطريقة الثالثة بالاتصال الهاتفي على صاحب المنزل وإعطائه مهلة خمس دقائق لتفريغ المنزل قبل قصفه.

مواجهة غير متوازنة

يضيف الخبير في القانون الدولي "هذه المساكن حتى لو احتوت مسلّحين، هم محميون، لأنّهم ليسوا في لحظة اشتباك مع الجيش الإسرائيلي، ووفق قواعد القانون الإنساني الدولي، وأحكام اتفاقية جينيف، لا يبرّر للطيارين استهداف المنازل، كما أنّ الضرورة العسكريّة لا تبرّرها". ويؤكّد عبد العاطي أنّه في المواجهة مع غزّة، هناك غياب لمعايير التمييز ما بين المدنيين والمسلّحين، وغياب لمبدأ التناسب في استخدام القوّة، بين الجيش والفصائل الفلسطينية، وكذلك فإنّ التجارب العامة تثبت أنّ إسرائيل تتعمّد استهداف المدنيين لعدم وجود بنك أهداف لها.

وبيّن عبد العاطي أنّ كلّ المؤسسات الدوليّة تؤكّد أنّ إسرائيل تتعمّد اقتراف جرائم ترقى لتكون جرائم حرب، ولم تراعِ التدابير التي تضمن الحد من الخسائر في صفوف المدنيين. وفعلياً، فإنّ إسرائيل اتخذت كلّ التدابير اللازمة لحماية جنودها، فأقرّ المدعي العام العسكري الإسرائيلي بوجود قرار بمنح الحصانة الكاملة للجنود الإسرائيليين، وأنّه لا توجد "صلاحية للمحكمة الجنائية الدولية للنظر في محاكمتهم".

المزيد من تحقيقات ومطولات