Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بمقدور واشنطن سد فجوة القمح الروسي لدول الشرق الأوسط؟

دول الخليج الأقل تأثراً بارتفاع الأسعار... والاستثمار في السودان قد يؤمن الغذاء للمنطقة العربية

لو مكنت الحكومة السودانية المزارعين من الميكنة الزراعية والحصاد بشكل جيد يمكن أن تضمن تأميناً غذائياً للقمح (حسن حامد)

مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، أعلن نائب وزيرة التجارة الأميركية، دون غريفز، أن "الولايات المتحدة تعمل بشكل وثيق مع القادة والحكام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لزيادة الاستثمارات والصادرات الأميركية لمواجهة انعكاسات الحرب ومضاعفاتها الاقتصادية والغذائية على المنطقة".

ولا تزال دول المنطقة، التي استوردت حوالى 70 في المئة من صادرات القمح الروسي في عام 2021، تنتظر تأكيداً لهذا الإعلان، مقروناً بدعم فعلي لتخفيف حدة التأثير على إمدادات القمح التي تستوردها من روسيا وأوكرانيا. ومن لا تتأثر من هذه الدول بنقص الإمداد في القمح، بشكل مباشر، يمتد إليها ارتفاع السلع الغذائية الناتجة من زيادة أسعار الوقود.

وهذا الارتفاع في أسعار السلع الغذائية هو جزء من سلسلة المعاناة التي تتكبدها أغلب دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا نتيجة مرورها باضطرابات سياسية واقتصادية منذ أحداث "الربيع العربي"، وآثار التغييرات الممتدة خلال العقد الماضي، ثم دخولها مثل غيرها من دول العالم في اضطرابات سلسلة الإمدادات الغذائية الناجمة عن تفشي فيروس "كورونا". وكانت بعض الدول مثل السودان قد رفعت الدعم عن الخبز والمحروقات، ما أدى إلى قيام ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، أي إن مشكلة رفع أسعار الغذاء والوقود بدأت مبكراً ما قد يفاقم انعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب الأوكرانية، في أجواء تشهد انخفاض قيمة الجنيه السوداني وزيادة نسبة التضخم.

جرس الإنذار

دق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 مارس (آذار) الماضي جرس الإنذار بأن الحرب الروسية على أوكرانيا قد يؤدي إلى أزمة غذائية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تواجه الدول التي تعتمد على واردات القمح الروسية والأوكرانية نقصاً. وأشار غوتيريش إلى مصر ولبنان وليبيا والصومال والسودان واليمن كدول تستورد ما لا يقل عن نصف قمحها من روسيا أو أوكرانيا.

ووفقاً للبنك الدولي، تستورد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 50 في المئة من احتياجاتها الغذائية، وتستورد بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية ما بين 80 إلى 90 في المئة. وتُعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، مهددة بهذا الخطر لأن نصف وارداتها تأتي من روسيا و30 في المئة من أوكرانيا، واستوردت ما يزيد على 70 في المئة من الدولتين في عام 2021.

وكانت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ذكرت في تقريرها عن حالة الأغذية والزراعة لعام 2021، أن أسعار الغذاء ومعدلات الفقر ستستمر في الارتفاع بمعدلات تنذر بالخطر في عامي 2022 و2023، ما يضع مدى قدرة النظم الزراعية والغذائية وسلاسل الإمدادات الغذائية على الصمود، في المحك. وعليه، فإن المساعدة الأميركية بمواجهة هذه الأزمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمكن أن تلعب دوراً في عدم حدوث مجاعة، ولكن تعتمد على المدى الزمني الذي يمكن أن تقدم فيه قبل حدوث مجاعات أو اضطرابات سياسية أخرى.  

وفي السياق ذاته، أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في 21 مارس (آذار) الماضي تفاقم أزمة الغذاء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعمق الفقر، بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، مشددة على أن الحكومات يجب عليها حماية الحق في الغذاء الكافي وميسور التكلفة للجميع. 

وعد غير مضمون

الأستاذ في الجامعات السودانية محمد الناير، قال إن "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق تضرراً في العالم لاعتمادها على استيراد الحبوب للغذاء من روسيا وأوكرانيا بنسب متفاوتة، ويصل استيراد بعض البلدان مثل مصر إلى حوالى 70 إلى 80 في المئة، أما السودان فتصل نسبة استيراده للقمح حوالى 50 في المئة من حجم الاستهلاك، منها حوالى 40 في المئة من روسيا، ومن 8 إلى  10 في المئة من أوكرانيا، وتتفاوت النسب في بقية البلدان الأخرى".

وعن وعد الولايات المتحدة الأميركية بمساندة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قال الناير إنه "نظراً للتجارب السابقة، فإن أميركا قد لا تفي بهذه الوعود، وحينما تريد أن تدعم مثلما حدث مع أوكرانيا، فإنها تفعل ذلك بسخاء ودون تردد، وقد قدمت مليارات الدولارات لها في ظل هذه الحرب واتخذت القرار ونفذته مباشرة سواء من الرئيس جو بايدن أو من الكونغرس الأميركي، لأن لديها أهدافاً استراتيجية وسياسية وعسكرية، لكن مجرد الوعد قد لا يكون مضموناً ما لم تشرع واشنطن في تنفيذه على أرض الواقع، أو أن تلتزم بمبالغ مالية وفقاً لمواقيت زمنية  محددة، وهذا لم يحدث حتى الآن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تباين الأوضاع الاقتصادية

الناير أوضح أن "الأوضاع الاقتصادية في هذه الدول تتباين، فمثلاً السودان، وعلى الرغم من أنه كان يعتمد على الاستيراد بنسبة 50 في المئة من القمح، لكنه قد لا يعاني من تبعات ذلك وتعقيداته، كما تعاني دول أخرى ليست لديها مساحة للتحرك، فالسودان يمتلك ما يقارب 200 مليون فدان (ما بين 75 إلى 80 مليون هكتار) صالحة للزراعة، المستغل منها حتى الآن حوالى 25 إلى 30 في المئة، وهذه نسبة ضئيلة جداً ولديه إمكانيات كبيرة لم تُستغل حتى الآن".

وأضاف، "بقية دول المنطقة استشعرت خطورة استيراد الغذاء مما وراء البحار والمحيطات وفكرت بصورة جادة في الاستثمار الزراعي في السودان لتأمين الغذاء، وهذا من شأنه أن يؤمن الغذاء للمنطقة العربية بشكل جيد، وكذلك الصين في طريقها لاستئناف الاستثمار في كثير من القطاعات في السودان، وعلى رأسها النفط والمعادن والقطاع الزراعي، وهذه كلها عوامل مشجعة".

الأستاذ الجامعي قال إنه "قبل الدخول في هذه الاستثمارات، فإن السودان الآن في فترة حصاد القمح، فلو مكنت الدولة المزارعين من الميكنة الزراعية والحصاد بشكل جيد، وتقليل الفاقد وشراء المنتج من المزارعين بأسعار تحفيزية مشجعة، وقتها يمكن للبلاد أن تضمن تأميناً غذائياً للقمح لا يقل عن حوالى 5 أشهر، وسيأتي موسم زراعة الذرة أيضاً ليسد جزءاً من الفجوة الغذائية، إذا أحسنت زراعتها وحصادها".

وتابع الناير، "عموماً السودان لو اهتم بإمكاناته وقدراته الذاتية، فما يُنتج في الداخل سيحقق الاكتفاء الذاتي للبلاد، وإذا وُضعت خطة استراتيجية عاجلة في المدى القصير يمكن أن يكتفي ذاتياً وألا يتأثر كما تأثرت دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط".

سد الفجوة الغذائية

وإذا كانت دول الخليج أقل تأثراً بارتفاع أسعار المواد الغذائية نسبة للاقتصاد القوي والمستقر، فإن الدول الفقيرة في المنطقة ستعاني من هذه الأزمة وانعكاس تأثيرها عليها سيكون قوياً، لهذا فقد تلقت بعض الدول دعماً مباشراً من دول الخليج، كما يمكنها أن تفتح الباب للاستثمار.

وفي ذلك أوضح الأستاذ في الجامعات السودانية أنه "إذا جاءت الاستثمارات الخليجية في هذا الوقت يمكن أن تكون عاملاً لتسريع الخطى، ليس بتحقيق الاكتفاء الذاتي فقط، وإنما بزيادة حجم الإسهام في سد الفجوة الغذائية في الدول المستثمرة والمنطقة العربية بصورة عامة".

وأضاف، "السودان لديه موارد متاحة كبيرة ومهيأ لمناخ الاستثمار، فقط مع استقرار معدل التضخم واستقرار سعر الصرف، لكن الظرف الآن ليس ظرف استثمار طبيعياً. في الظروف العادية قد لا تُقبِل الاستثمارات على السودان بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي، وحالة عدم الوفاق السياسي، والانعدام الأمني وغيرها، وكثير من المؤشرات التي تقلل جاذبية الاستثمار". واستدرك، "لكن يمكن أن يتحقق الاستثمار بسبب هذه الأزمة العالمية، إذ ستكون دافعاً للدول في المنطقة العربية لتؤمن غذاءها من دول قريبة جغرافياً".

نظام اقتصادي عالمي جديد

وفسر الناير الوعد الأميركي بأنه "إذا قررت الولايات المتحدة تقديم دعم لا بد أن يكون بمبالغ معينة وبمواقيت زمنية محددة، وألا يكون حديثاً للاستهلاك الإعلامي، علماً بأن أميركا وأوروبا ستعانيان لأن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا لها ارتدادات سالبة عليهما، فالولايات المتحدة نفسها لم تسلم من تلك التعقيدات، خصوصاً أن العالم بدأ يتشكل فيه واقع جديد، فبعد انتهاء الأزمة الروسية - الأوكرانية سيتشكل نظام اقتصادي جديد يختلف تماماً عن النظام الذي كان سائداً منذ أن عُقدت اتفاقية بريتون وودز بتاريخ 22 يوليو (تموز) 1944، التي جعلت الدولار عملة قياس عالمية إلى ما قبل هذه الأزمة، وهذه حقبة انتهت". وتوقع أن يُرفض الدولار في المرحلة المقبلة كعملة عالمية.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط