في مطلع القرن، كان تجار العملات والاقتصاديون مهووسين باحتياطيات البنوك المركزية من العملات الأجنبية. وكان اليورو حديث الولادة، وواجه الداعمون له مهمة شاقة برفعه كعملة ذات تأثير عالمي، منغمسين في التجارة والاستثمار الدوليين. وكانت البيانات تشير إلى أنه قد ينال من هيمنة الدولار على خزائن البنوك المركزية العالمية، واعتباره علامة على التقدم نحو تحقيق هذا الهدف.
وفي أزمة الديون اليونانية التي بلغت ذروتها في عام 2012، سادت التوقعات الخطأ بأن اليورو سينخفض إلى ما دون التكافؤ مقابل الدولار، وأن يفقد مديرو احتياطي البنك المركزي الأوروبي الثقة في الإطار القانوني والسياسي وراء العملة الأوروبية، وإخراجها من احتياطياتها.
الحرب الروسية في أوكرانيا، أعادت انشغال السوق بالعملات إلى الواجهة مجدداً، بعد أن ظل خامداً لسنوات، ففي إطار جهود الولايات المتحدة لمعاقبة روسيا، استفادت بشكل مذهل من "الامتياز الباهظ"، كما قال فاليري جيسكار ديستان، الرئيس الفرنسي السابق ووزير المالية، بشكل مثير للجدل في الستينيات. كما لاحظ متداولو الدولار قبل عقدين، الدور العالمي للعملة الأميركية، وحصتها الضخمة في التجارة العالمية وهيمنتها على الأسواق المالية، ما يمنح الولايات المتحدة قوة هائلة لاستخدام العقوبات للانحراف الجيوسياسي تبعاً لإرادتها.
واليوم، يمكن الجدال حول ما إذا كان ذلك مناسباً. فماذا لو كان البيت الأبيض الأقل قابلية للتنبؤ سيستخدم هذا الامتياز في المستقبل في حالات أكثر إثارة للجدل، هل ينبغي لأي دولة أن تمتلك هذه القوة لاستخدام المال كسلاح؟
أسئلة لائقة... ولكن من وجهة نظر السوق، ما يهم هو أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على البنك المركزي الروسي ستدفع البلدان الأخرى غير المتحالفة جيوسياسياً مع الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في الاحتفاظ بكثير من الدولارات في دفاترها.
تفتت النظام المالي العالمي
محللو العملات في بنك غولدمان ساكس، قالوا لصحيفة "فايننشال تايمز"، إن "النتيجة قد تكون انخفاض قيمة الدولار"، مضيفين أنهم رأوا كثيراً من اهتمام العملاء بهذا الموضوع.
ومرة أخرى، حذر بنك الاستثمار الأميركي من الإفراط في الإثارة. حيث قال، "يجب أن نؤكد أن هيكل أسواق العملات لن يتغير بين عشية وضحاها، وهناك العديد من الأسباب المترابطة التي تجعل الدولار يحافظ على دوره العالمي المهيمن".
وهناك سبب آخر لعدم المراهنة على انهيار وشيك للدولار، فلم تجمد الولايات المتحدة احتياطيات روسيا من تلقاء نفسها. وكان المسؤولون المشاركون في صياغة العقوبات يدركون أنهم سيعملون بشكل أفضل بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ودول مجموعة السبع الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن لموسكو، أو أي نظام شائك آخر، أن يتجنب في المستقبل الدولارات، ولكن ما البديل؟ تتساءل الصحيفة، وتقول: "لا يمكن لروسيا التحول إلى اليورو أو الجنيه الإسترليني أو الين؛ نظراً لأن عقوبات الدفع تمتد لتشمل تلك العملات أيضاً. كما يمكن أن تتجنبها جميعاً، ولكن بعد ذلك ستكون أموالها لشراء الضروريات أو الدفاع عن الروبل بعملات ذات استخدام دولي محدودة.
ومع ذلك، فإن احتمال أن يؤدي ذلك إلى تقليص حالة احتياطي الدولار أمر حقيقي. وقد تكون الآثار عميقة وقد تستغرق سنوات حتى تتضح تماماً. فقد تحدثت جيتا جوبيناث، نائبة المدير العام في صندوق النقد الدولي، عن احتمال أن "يتفتت" النظام المالي العالمي.
وكانت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي الشهر الماضي، تناولت "التآكل الخفي لهيمنة الدولار"، قد كشفت عن أدلة على إمكانية تلك الفرص، حيث قال الصندوق، إن مكانة الدولار في الاحتياطيات الدولية تقلصت بشكل واضح منذ مطلع القرن، من 71 في المئة في عام 1999 إلى 59 في المئة عام 2021، مما يعكس "التنويع النشط للمحافظ" من قبل البنوك المركزية.
ومن المثير للاهتمام أن حصة الاحتياطيات في العملات الكبرى الأخرى (الجنيه الإسترليني والين واليورو- لم تلتقط الركود. وقال الصندوق: "بدلاً من ذلك، كان التحول من الدولار في اتجاهين: الربع إلى الرنمينبي الصيني، وثلاثة أرباع إلى عملات البلدان الأصغر التي لعبت دوراً محدوداً كعملات احتياطية".
وأدى توافر الأصول سهلة التداول وتقنيات التداول الأكثر رقة إلى تسهيل اقتناص الدولارين الأسترالي والكندي والرنمينبي الصيني ومجموعة من عملات الشمال.
وقال الصندوق: "عادة ما يتم تأطير منافسة العملات الاحتياطية على أنها معركة عمالقة. في الحقيقة، القضية ليست ما إذا كان سيتم استبدال الدولار، ولكن ما إذا كانت العملات الأصغر ستأخذ حصة أكبر من الكعكة".