Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كرب الحروب"... عندما يكون القاتل والمقتول والمشاهد "ضحايا"

الدول ذات الجيوش الكبرى تبذل جهوداً مضنية لفك طلاسم الآثار النفسية التي تلقي بظلالها على مقاتليها

الحديث عن كرب القتال يتجدد هذه الآونة على وقع حرب روسيا في أوكرانيا (أ ف ب)

عالم بلا حروب هو عالم بلا صدمات، على الأقل صدمات العنف الجماعي والقتل كفعل من أفعال البطولة، والتخريب كعمل وطني، والدمار لحماية العقيدة، ورفعة شأن الوطن أو الله أو الغاية المعلنة من قبل الزعيم أو كل ما سبق، لكنه لن يكون عالمنا، فعالمنا مليء بالحروب والاقتتالات والصراعات من كل شكل ولون وهوية وغاية، وبالتالي هو مليء بصدمات أثناء وما بعد الحروب من كل نوع وإيقاع.

وعلى إيقاع حرب روسيا في أوكرانيا، وبينما الصراع في سوريا مستمر، وفي اليمن لم يهدأ، وآثاره في العراق وليبيا باقية، وتلويحاته في السودان وإثيوبيا والنيجر ونيجريا والصومال ومالي مستمرة، وإطلالاته في أفغانستان وباكستان وفلسطين وإسرائيل متجددة، فإن العالم يجد نفسه أمام قدر متزايد من الصدمات النفسية الناجمة عن الحروب التي تلقي بظلالها على الجميع من دون استثناء.

استثناء الطرف صاحب مبادرة شن الحرب من آثار الحرب النفسية وصدماتها العنيفة أمر غير وارد. ولنا في الجنود الأميركيين الذين شاركوا في سلسلة حروب الولايات المتحدة خارج حدودها خبرة وعبرة.

الجنود أنفسهم والطواقم المصاحبة لهم الذين يحاربون ويخدمون في صفوف الجانب الأقوى والأعتى وصاحب الحظ الأوفر في النصر الساحق، ضحايا صدمات الحروب وما بعدها أو "تروما الحروب" أو "كرب القتال". آلاف القصص تواترت على مسامع العالم عقب كل حرب يخوضها جنود أميركيون ويعودون لبلدانهم، جميعها يدور حول "تروما" أو صدمة ما بعد الحروب.

واحدة من القصص الكثيرة هي لممرض أميركي شاب خدم ضمن صفوف الجيش الأميركي في العراق، وحين عاد لبيته عام 2006 أطلق النار على نفسه لينهي حياته بعد فترة عصبية ونفسية عاصفة لم يلتفت خلالها أحد لمعاناته. كان دائم الشكوى من عدم قدرته على المضي قدماً وهو يرى أطفالاً عراقيين مقتولين وأشلاء بشرية وخراباً ودماراً يومياً على مدار الساعة. وعلى الرغم من أنه حاول الانتحار مرة أثناء فترة وجوده في العراق وجرى إنقاذه، لم يلتفت أحد لوضعه النفسي واحتمال معاودته الكرة، وهي الكرة التي تكللت بمفارقته الحياة بعد عودته.

يشار إلى أن نحو 580 من أفراد الجيش انتحروا في عام 2020. ويشمل هذا العدد من يؤدون الخدمة الفعلية والاحتياط والحرس الوطني. كما أعلن مكتب منع الانتحار بين العسكريين التابع لوزارة الدفاع الأميركية أن عام 2021 شهد عدد حالات انتحار بين الجنود هو الأعلى منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

كرب القتال

لكن "كرب القتال" لا يقتصر على الانتحار فقط، ولو فعل لكان ذلك سهلاً على الرغم من قسوته، فنسبة كبيرة من العائدين تحمل إحباطاً وانعزالاً وأرقاً وغضباً وغيرها، مما يمثل جزءاً من المشكلات النفسية والعصبية والاجتماعية التي تصبح لصيقة بحياتهم.

وفي عام 2014 أفادت دراسة منشورة في مجلة "غاما" للصحة النفسية بأن كثيراً من الجنود الأميركيين يعانون شكلاً من أشكال المرض العقلي، وأن هذه النسبة المرتفعة حكر على العسكريين من دون المدنيين. وأوضحت الدراسة أن احتمالات الشعور بالاكتئاب بين العسكريين تكون أعلى بخمسة أضعاف من المدنيين، وأن الاضطراب الانفعالي المتقطع أعلى بينهم بستة أضعاف، واضطراب ما بعد الصدمة أعلى بـ 15 ضعفاً. كما وجدت أن 14 في المئة من الجنود فكروا في وضع حد لحياتهم، و5.3 في المئة خططوا للانتحار، و2.4 في المئة حاولوا مرة أو أكثر الانتحار.

البحوث والدراسات الأميركية حول كروب القتال أو صدمات ما بعد الحرب كثيرة جداً، فالأعداد الكبيرة والجهات والأجهزة الرقابية والإعلام لا يترك مجالاً للتعتيم على ظواهر نفسية وعصبية، بعضها مميت، تضرب الجنود العائدين من القتال بشكل واضح وصريح. والمسألة باتت معروفة. يعود الجندي إلى أميركا، تمر بضعة أيام بشكل جيد وسط الأسرة والأصدقاء، ثم تفرض المشاهد والأعمال المروعة نفسها بشكل أو بآخر.

 

ومن "متلازمة العراق" وقبلها "متلازمة فيتنام" وربما "متلازمة أفغانستان" تبذل الدول ذات الجيوش الكبرى، التي تدخل نفسها في حروب، جهوداً مضنية لفك طلاسم الآثار النفسية والعصبية التي تلقي بظلالها على مقاتليها العائدين.

وبين تفنيد وتصنيف للأعراض، حيث إجهاد واضطراب واكتئاب وكوابيس وهرب بالإفراط في تعاطي المواد المخدرة والكحول، يجري سن الأعراض السريرية لصدمة ما بعد الحرب في صفوف المقاتلين وتحديداً الأميركيين.

لكن جنباً إلى جنب مع جروح الحرب التي ينتج منها نزف وبتر، والأعراض السريرية الناجمة عن الأضرار النفسية والعصبية التي تُحدث أضراراً جسدية، هناك ما بات يعرف بـ "الجرح المميز للحروب" الحالية ألا وهو الجرح المعنوي. هذا الجرح الذي يسبب أضراراً معنوية يحدث نتيجة الاعتداء على الضمير الإنساني، أو بالأحرى الإجبار على الاعتداء على الضمير عبر تكليف المقاتل بالقيام بأعمال تنتهك معتقداته أو تركيبته الأخلاقية أو ما يمليه عليه ضميره أو كل ما سبق. لكن "جرح الحروب المميز" يبقى طي الأدبيات وليس منصوصاً عليه (بعد) ضمن بنود كرب القتال.

بنود كرب القتال باب مفتوح لا تنضب منابعه طالما بقيت منابع الحروب والصراعات مفتوحة، وإذا كانت دول متقدمة مقاتلة مثل أميركا وبريطانيا تبذل جهوداً للتخفيف من آثاره على جنودها، فإن شعوباً عدة في أرجاء المعمورة ترزح تحت وطأة كروب حروب، بعضها يستمر لعقود وتولد في كنفه أجيال يمكن أن تسمى "أبناء الكرب".

توريث الكرب

نصيب المنطقة العربية من كرب الحروب والاقتتالات وما بعدها وفير، سواء بين الأبناء أو جيل الآباء والأمهات، أو حتى بين الأجيال التي لم تولد بعد، حيث مبدأ "توريث الكرب".

توريث الكرب يتحدث عنه الغرب كثيراً في سياق مهيمن يدور حول انتقال مشاعر الصدمة والترويع والخوف من جيل إلى آخر في إطار الأسرة اليهودية التي نجت من محارق النازية. وتشير كتابات عدة إلى أطفال يهود لأسر تكبدت أضرار وترويع النازية ولدوا في ألمانيا بعد عام 1960، وعلى الرغم من ذلك يعانون الأضرار النفسية والعصبية التي عانى منها ذووهم.

بالفعل، أحداث مروعة يقول التاريخ والأخبار ومن أشعلوها إنها انتهت، لكن هل انتهت فعلياً؟ تشير إحصاءات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أنه في الأحوال العادية يعاني شخص بين كل خمسة أعراضاً نفسية، وفي الحروب والنزاعات أيضاً يعاني شخص بين كل خمسة أعراضاً نفسية. والمؤسف إن أغلبها أعراض خفية لذا يعتقد بعضهم ألا وجود لها.

خفية لكن خطرة

لكن كونها خفية لا يعني أنها أقل خطراً أو ضرراً من الأعراض الجسدية. وتنبه اللجنة الدولة للصليب الأحمر في ورقة عنوانها "أين تضع الحرب أوزارها؟" أن الاضطرابات النفسية الناجمة عن الحروب منتشرة بشكل أوسع بكثير مما يعتقد. وأغلب المعاناة النفسية الناجمة عن الحروب لا تتوقف بانتهاء الحرب أو بانتقال المتضررين من مكان إلى آخر، لكنهم في حقيقة الأمر ينتقلون ومعهم أوزار الحرب غير المنتهية.

ويشير خبراء اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أنهم يرون الاضطرابات النفسية في مواضع عدة مثل عائلات المفقودين الذين يعيشون قدراً هائلاً من القلق على أحبابهم، والمصابين بإعاقات جسدية حيث التأقلم مع الحياة الجديدة فيها كثير من المعاناة النفسية، والمحتجزين والمعرضين للتعذيب والمعاملة السيئة، وبالطبع ضحايا الاعتداءات الجنسية. وإضافة لكل من سبق فإن الناس الذي عاشوا في كنف حرب أو صارع أو اقتتال يخرجون منه بشكل مختلف تماماً عما كانوا عليه قبلها، حتى لو اعتادوا مشاهد القتل والخراب ولم تعد أصوات القذائف تقلق منامهم. إنه جرح الحرب والترويع الصامت غير المرئي.

الآثار غير المرئية تعاني الأمرين من أجل أن تثبت نفسها. الباحثة في مجال الصحة العامة في العالم العربي في كلية جونز هوبكنز جامعة كاليفورنيا بيركلي ديانا ريس تقول في ورقة عنوانها "أثر انفجار بيروت على الصحة النفسية" (2021) إن الآثار غير المرئية للانفجار على الصحة النفسية للأفراد والمجتمع تبقى غير معروفة، لافتة إلى أن تقارير عدة تتناول مؤشرات الصدمة النفسية الجماعية التي مر بها الناجون، بما في ذلك الكوابيس والذكريات المتكررة والوهن العام والحاجة المتصاعدة إلى الحصول على استشارات الصحة النفسية، ناهيك عن مؤشرات بزيادة حالات الاكتئاب والقلق وزيادة معدلات الانتحار.

وتشير ريس إلى أن انفجار مرفأ بيروت أعاد إلى الأذهان آثار الصدمات النفسية التي تعرضت لها الأجيال السابقة من اللبنانيين الذين عانوا سلسلة حروب أهلية وحلقات تشرد وتزايد في العنف والاضطرابات المدنية.

تشابكات مروعة

تشابكات "تروما" الحدث المروع مروعة في حد ذاتها، فإضافة إلى صدمة المواطنين جراء الانفجار والدمار، فإن العاملين الصحيين الذين كانوا منهكين بسبب الزيادة الحادة آنذاك في معدلات الإصابة بـ "كوفيد-19" لم يكونوا مهيئين جسدياً أو نفسياً للتعامل مع حدث مروع آخر، حيث علاج الإصابات في ظل محدودية شديدة للموارد. كذلك الحال بالنسبة إلى العاملين والمتطوعين في القطاع الإنساني الذين كان عليهم الإبلاغ عن حجم الدمار المروع الذين شاهدوه أثناء الحفر بين الركام لإنقاذ الضحايا ومقدار الحزن الذي انتابهم لا سيما وأن بينهم كما أوضحت ريس من فقدوا أهلاً وأصدقاء في الانفجار.

منظمة "يونيسف" أصدرت تقريراً العام الماضي أشار إلى أن ثلث الأسر التي لديها أطفال تقل أعمارهم عن 18 عاماً قالوا إن طفلاً واحداً على الأقل من أطفالها تظهر عليه علامات الضغط النفسي الشديد عقب الانفجار، وترتفع النسبة لدى البالغين إلى النصف تقريباً.

 

المؤكد أن كل الأطفال في لبنان تأثروا بشكل مباشر بالانفجار المروع، ونحو 50 في المئة منهم لديهم أعراض الصدمة النفسية، منها التبول اللاإرادي والانسحاب الاجتماعي.

لكن ما مر به بلد مثل لبنان، حيث تاريخ حديث طويل من الصراع فيه حرب أهلية دامت ما يزيد على 17 عاماً، يؤهل سكانه لحقيقة الصدمة النفسية والعصبية الجماعية التي لا يعني انتهاء فعاليات الاقتتال على الأرض انتهائها. وتشير دراسة عنوانها "إصلاحات الصحة النفسية في لبنان خلال الأزمة متعددة الأوجه" إلى أن الشعب اللبناني طالما تعرض للصدمات المرتبطة بالنزاع وعدم الاستقرار الداخلي، ما أحدث مجموعة من اضطرابات الصحة العقلية. وحتى قبل الأزمة الحالية التي طال أمدها، كان نحو ربع البالغين يعانون اضطراباً نفسياً واحداً.

الأكثر شيوعاً

وكانت الاضطرابات الأكثر شيوعاً بين اللبنانيين هي الرهاب والاكتئاب والقلق، وهي الاضطرابات المرتبطة غالباً بالصدمات التي أحدثتها الحرب، وهي اضطرابات ذات خطر مضاعف في لبنان حيث 70 في المئة من السكان عايش صراعاً عنيفاً واحداً أو أكثر. والمؤكد أن ما تخلفه الصراعات من مشاعر خوف وقلق وذعر يورثها الأهل للأبناء من دون أن يدروا، فهي جزء من التركيبة النفسية والاجتماعية والعقلية ولا مجال لإلغائها.

استمرار الصراع العنيف في سوريا كذلك لما يزيد على عقد أدى إلى ضغوط نفسية سامة ومشكلات تتعلق بالصحة النفسية تعاني منها غالبة الأطفال في سوريا. القصف والدمار والتهجير ومشاهد الجثامين والدماء وغيرها جعلت نصف الأطفال يشعرون بانعدام الأمان في المدرسة، و40 في المئة يخشون اللعب أمام البيت أو في الفناء الخلفي خوفاً من الموت، وذلك بحسب دراسة لمنظمة "أنقذوا الأطفال" (2017) Save the Children.

من لبنان إلى العراق وسوريا وليبيا وفلسطين واليمن وغيرها، تنتعش الحروب والصراعات وتتسلط الأضواء على عدادات الدمار وكلفة الآلة العسكرية الدولية والإقليمية والمحلية، لكن عداد الصحة النفسية للمواطنين الذين يتعامل أغلبهم مع "كرب القتال" أو صدمة الحروب باعتبارها قضائهم وقدرهم يبقى خارج خطط الحرب وقادتها وقراراتهم.

حمل الفرار الثقيل

حتى أولئك الذين يفرون من أماكن الصراع فهم لا يفرون وحدهم، بل يصطحبون حملاً ثقيلاً من الكرب والصدمة، مما يعني أنهم فارون من نيران الصراعات والحروب إلى مقلاة الصحة النفسية التي لا يلاحظها أحد. منظمة العفو الدولية عبر فريقها المعني بحقوق اللاجئين والمهاجرين دأبت على تنبيه وتأنيب العالم لتجاهله الصحة النفسية للأشخاص الذين ينشدون قدراً من الأمن، فالأشخاص الذين يفرون من بلدانهم الواقعة في قبضة صراعات واقتتالات يكونون عادة أكثر عرضة للإصابة بمشكلات الصحة العقلية، ناهيك عن أن الهجرة نفسها في تلك الظروف الصعبة والمروعة أحد عوامل الإصابة بالاضطرابات النفسية.

 

إحصاءات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن غالبية الأشخاص المعرضين لحالات الطوارئ، إن لم يكن جميعهم، يمرون بضوائق نفسية ويمكن الخروج منها بسلام شرط الحصول على الرعاية الصحية النفسية المناسبة، وواحد من بين كل 11 شخصا شهدوا حرباً أو صراعاً خلال العقد الماضي سيصاب باضطرابات نفسية معتدلة أو شديدة.

مشاعر القلق الناجم عن الانفصال الأسري والفقر وانعدام الأمان والتمييز والتهميش واختلال شبكات التضامن الاجتماعي والاكتظاظ وافتقاد الخصوصية جميعها يعرض ملايين المتعايشين مع الصراعات إلى أخطار نفسية كبرى والإصابة بأشكال مختلفة من كرب القتال.

روسيا وأوكرانيا

الحديث عن كرب القتال يتجدد هذه الآونة على وقع حرب روسيا في أوكرانيا، فمن جنود روس وأوكرانيين ومتطوعين ومرتزقة معرضين إلى صدمات القتال العديدة، إلى المواطنين الأوكرانيين الواقعين في قبضة الصراع والذين سيتجرعون حتماً مرارته النفسية والعصبية، إلى ملايين من مصابي كروب الحروب حول العالم الذين لم يتعافوا بعد والذين تؤجج مشاهد الحرب كربهم وتجدد ذكريات الصدمة في تشاد أو العراق أو ليبيا أو سوريا أو الكونغو أو أفغانستان أو إثيوبيا أو المكسيك أو ميانمار أو غيرها، تستمر دول في شن حروب وتستمر الشعوب في تجرع مرارتها القاتلة ويستمر الجنود في تلقي الإصابات النفسية العاتية، وحتى متابعو الأخبار من على كنباتهم في بيوتهم أصبحوا فئة جديدة ضمن فئات المصابين بصدمات الحروب وكروبها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دراسة أميركية أجريت على مشاهدي ومتابعي أحداث 11 سبتمبر وجدت أن الذين شاهدوا ما لا يقل عن أربع ساعات من تغطية الهجمات أصيبوا بالتوتر وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مقارنة بغيرهم ممن تباعوا الأحداث لفترات أقل. اللافت أن وسائل الإعلام الغربية حافلة هذه الآونة بكم هائل من النصائح لمتابعي حرب روسيا في أوكرانيا هدفها حماية صحتهم النفسية، وعدم تعريض أنفسهم للإصابة بكرب الحروب.

يتحدثون حالياً عن كيفية البقاء على اطلاع دائم بما يجري في الحرب مع الأخذ في الاعتبار أن القيام بذلك قد يؤثر سلباً في صحتنا العقلية. ينصح الخبراء متابعي الحروب من على كنباتهم في بلدان بعيدة أن يكونوا على بينة بقدرة كل منهم على التحمل، وذلك بقياس قدراتهم السابقة في تحمل مشاهد وأخبار الحروب، لكن يبقى الفرق الكبير في الحروب الآنية هي أن جوانب عدة منها، بما فيها القتل والتفجير، تذاع على الهواء مباشرة بفعل أو بفضل الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي. هنا، يكون التحذير من "السكرول أو التصفح القاتل" الذي لا داعي له، فالتصفح من دون حماية أو حتى رقابة ذاتية يؤدي إلى مشاهدة مشاهد مؤذية للقلب والعقل والصحة النفسية ربما يكون في غنى عنها.

وفي الوقت الذي تبدو فيه نصائح تجنب كرب الحروب للمشاهدين فكرة فيها جفاء إنساني وتجاهل لمن يعيش كرب الحرب على مدار الساعة، لأنه في موقع الحدث، إلا أن الأقسى هو استمرار شن الحروب وتفاقم الأوضاع المؤدية للحروب على الرغم من علم الجميع أن الحرب كرب مستمر.

كرب الحرب العالمية الأولى

يشار إلى أن الحديث عن صدمات الحروب وكروبها وما بعدها ليس وليد حرب اليوم أو قتلى الأمس أو خراب أمس الأول، ولكن بعض الكتابات والدراسات تطرقت إلى صدمات الحروب في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ونبه العلماء في حينها إلى أعراض الوهن العصبي والاضطراب العاطفي والحنين المستمر إلى الماضي والصدمات التي تنتج من أي أصوات مرتفعة، لأنها تستدعي ذكريات أصوات القذائف والقنابل.

ورصد الأطباء النفسيون حينئذ أنه بعد خمسة أسابيع من القتال المستمر فإن 98 في المئة من الجنود تظهر عليهم أعراض "عصاب الحرب" أو  "War neurosis"، لكن المشكلة ظلت في إنكار رجال الحرب أن للحرب آثاراً نفسية مدمرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات