Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرسام حكيم العاقل يسترجع معالم اليمن السعيد

معرضه في القاهرة ينقل مناظر الطبيعة والمدرجات الجبلية والعمارة

لوحة من معرض الرسام اليمني حكيم العاقل (اندبندنت عربية)

في معرضه الذي استضافه غاليري آزاد في القاهرة يأخذنا الفنان اليمني حكيم العاقل بعيداً من أجواء الحرب والاضطرابات السياسية المخيمة على المنطقة والعالم، فالمعرض يحتفي كما يقول الفنان، بالطبيعة اليمنية الخلابة والمناظر الساحرة التي يُشكلها تعاشق المدرجات الجبلية والعمارة اليمنية. تتشابك في هذه الأعمال الصور المتخيلة بالذكريات لتصنع لنا مزيجاً حالماً وغنياً بالتفاصيل المُبهجة. يحذف الفنان في صوغه لهذه المناظر ما يستحق الحذف كما يقول، ويضيف ما يراه مناسباً فتتداخل في أعماله العناصر ضمن إطار تجريبي وسياقات تتجدد من لوحة لأخرى.

عنوان المعرض "ثنائية المكان والإنسان" ويضم مجموعة متنوعة من الأعمال الحديثة، التي يستكشف خلالها الفنان كما يقول، العلاقة البصرية بين المكان والإنسان. في تقديمه لهذه الأعمال يؤكد الفنان أن الإنسان اليمني تأثر بالطبيعة مثلما أثّرت بدورها في ثقافته، وهو يزاوج بين كلا العنصرين في هذه الأعمال لتأكيد الفكرة.

يقول الفنان: "لقد حفرت الأمكنة تواجدها في ذاكرتي ومخيلتي الممتلئة بملامح- وتقاسيم - وجوه البشر، وبخاصة النساء وهن يهبطن مع الضباب من أعالي الجبال ويصعدن إليها في المساء ويختفين مثل حكايات الحوريات الخرافية. وما زالت أحاديثهن وهمهماتهن حاضرة في مخيلتي في الأودية والحقول، وغناؤهن أثناء العمل، بملابسهن وربطات رؤوسهن. إلى جانب هذا الشغف والعشق الأزلي بين المكان والإنسان في تشكيل مرجعيتي الأساسية، تلعب الذاكرة مرتكزاً أساسياً في هذه المعادلة من خلال المعالجات الشكلية للتكوينات المتنوعة بطرق ابتكارية في توظيف اللّون. وهذا اللون يلعب الدّور الأساسي، بحيث يبدو استحضار الذاكرة اللونية على شكل ومضات تتداخل بتضاد حي، يتشكل مع الصياغة الكلية للعمل الفني".

الهروب من الواقع

يتعامل الفنان حكيم العاقل كما أوضح في نصه المصاحب للعرض مع الطبيعة اليمنية كمرجعية بصرية له، يستعين بها وهو يغزل مكونات لوحاته بمزيج من الشغف، وفي تماس بين الذاكرة والخيال. تذكرنا هذه الصياغات الكلاسيكية للأعمال المعروضة بالقصص والمرويات العربية الملحمية، في مقاربة واضحة مع الممارسات الاستشراقية للفنانين الغربيين. فالفتيات اللاتي يختلن بجمالهن في أعمال حكيم العاقل ويتحركن في دعة فوق المروج الخضراء، هن أقرب إلى هذه الصورة النمطية التي شكلتها أنامل العشرات من الفنانين الاستشراقيين، وهي صورة حالمة مناقضة بلا شك لواقع الحال في اليمن.

يدفعنا هذا التباين الصارخ بين الواقع المأساوي والصورة المُتخيلة إلى التساؤل حول طبيعة الفن ودوره، هل هو انعكاس للواقع أم متجاوز له؟ وهل نتعاطى مع العمل الفني كمرادف للجمال أم كمساحة للتعبير والتساؤل؟ وما دور الفنان وهو في خضم فاجعة إنسانية، بخاصة إذا ما تعلق الأمر بوطنه؟ هل يتجاوز هذا الواقع، أم يتحتم عليه البحث بين تفاصيله القاتمة عن ملاذات للجمال، بعيداً من الاستغراق في طبيعته المأزومة؟ هي تساؤلات تفرض نفسها اليوم بلا شك في إطار الممارسات المعاصرة والحداثية على السواء، وهي أشبه بمُراجعات مشروعة حول مفهوم الفن، ودور الفنان في تمثيل الواقع والتعبير عنه، وحدود هذا التعبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن الفن ضرورة وليس ترفاً بلا جدال، غير أن ضرورته تلك تنبع من كونه وسيلة للاشتباك مع الواقع وطرح التساؤلات المتعلقة به، لا الانفصال عنه والتحرر من وطأته. حينها فقط يصبح الفن لصيقاً بالمكان والإنسان، وليس مجرد افتتان بصري يحتفي بالظاهري من الأشياء.

ولعل هذا التباين بين الواقع والطرح الفني الذي يقدمه الفنان حكيم العاقل يعكس إشكالية حقيقية تواجه الممارسات الفنية المعاصرة في منطقتنا العربية. هذه الممارسات التي تبدو في أحيان كثيرة منفصلة عن الواقع وأزماته الملحة، وغارقة في خضم نقاشات ومعالجات جمالية مُستهلكة أعيد تدويرها مراراً. يلجأ الكثير من المبدعين العرب إلى الاستغراق في مثل هذه المعالجات الجمالية من دون غيرها، هرباً من المواجة أو إيثاراً للسلامة، أو ربما فقداً لبوصلة الإبداع ودوره. وإذا ما استثنينا المعالجات والتجارب المُتماهية مع السلطة، فلا نكاد نرى في فضائنا العربي إلا القليل من التجارب البصرية التي تشتبك صراحة مع هذا الواقع، هذه التجارب التي تمتلك الجرأة للوقوف في وجه العاصفة.   

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة