Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جون ميرشايمرز... أميركي ضد التيار

يعتبر أن تجاهل مصالح روسيا يدفعها إلى صدام نووي ويحمّل "الناتو" سبب المأزق الأوكراني  

يعتبر البروفيسور جون ميرشايمرز أحد أهم منتقدي السياسة الخارجية الأميركية (غيتي)

مع اشتداد وطيس الحرب الدائرة في أوكرانيا، والتوجهات الروسية الواضحة لعدم وقف القتال الضاري هناك، قبل أن تتحقق الأهداف المرجوة في عقل بوتين، تذكّر العالم ومن جديد مفكراً أميركياً، مثيراً للشغب العقلي، لا من اليوم، بل من عقدين سابقين، فقد استشرف واقع الحال والمآل الذي يمكن أن تصير عليه أوكرانيا منذ منتصف تسعينيات القرن المنصرم؟

اعتُبر البروفيسور الأميركي جون ميرشايمرز، كأحد أهم منتقدي السياسة الخارجية الأميركية، منذ نهاية الحرب الباردة حتى الساعة، وقد جاءت مقابلته الأخيرة مع الصحافي الأميركي إسحاق شوتنير، عبر مجلة "ذا نيويوركر"، لتفتح الباب واسعاً أمام مراجعة أوراق  مفكر أميركي ضد أفعالها التوسعية من وجهة نظره.

من هو المفكر الأميركي جون ميرشايمرز، ولماذا بات يمثل للسياسيين الأميركيين ذبابة سقراط، لا سيما أن رؤاه وطروحاته مقلقة لساكن البيت الأبيض، ومدعاة للخوف من أكلاف الأخطاء التي ترتكبها واشنطن مالئة الدنيا وشاغلة الناس؟

سيرة فكرية

نحن أمام مفكر عضوي تجاوز الخامسة والسبعين من عمره، فقد ولد عام 1947 في حي بروكلين بمدينة نيويورك الشهيرة.

تخرّج في الكلية العسكرية ويست بوينت، ثم أكمل دراساته العليا في جامعة كورنيل، التي حصل منها على درجة الدكتوراه، وقد عُرف بأنه أحد أشهر أساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة شيكاغو.

خدم ميرشايمرز لمدة خمسة أعوام في القوات الجوية الأميركية، الأمر الذي جعله قريباً من أفكار المؤسسة العسكرية الأميركية وتطلعاتها.

يُعتبر ميرشايمرز أحد أهم دعاة نظرية البنيوية الواقعية في السياسات الدولية المعاصرة، ويُعدّ صاحب نظرية الواقعية الهجومية، تلك التي تقول إن التفاعل بين القوى العظمى واقع تحت هيمنة الرغبة العقلانية للوصول إلى السيطرة في عالم من انعدام الأمن وعدم اليقين بشأن نوايا الدول الأخرى.

يُعدّ ميرشايمرز أكثر المنظرين المعاصرين في حقل الدراسات الدولية شهرة وتأثيراً على الإطلاق، فيما يعتبره البعض بمثابة الجسر المتين المعاصر للتقليد الواقعي في هذا الحقل منذ ثوسيديديس ومكيافيلي  ومورغانثو وكينيث والتز.

ترتكز كتابات الرجل على القضايا الأمنية الدولية وسياسات القوى الكبرى، كما يولي أهمية كبرى لمسألة الصعود الصيني والاستراتيجية الأميركية الكبرى.

تُعدّ كتابات ميرشايمرز من أوسع الآراء انتشاراً، وتترجم إلى أكثر من 20 لغة حول العالم.

لميرشايمرز كتب إشكالية عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، "لماذا يكذب القادة: الحقيقة حول الكذب في السياسة الدولية"، ومنطقة الكتاب لم يسبقه أحد إليها، ويأخذ القارئ إلى عوالم مثيرة للجدل في العلاقات الدولية، إذ يقدّم تحليلاً شاملاً للكذب في الشؤون العالمية، مع حشد كبير من الأمثلة التاريخية المشتركة.

كذلك يُعدّ كتابه "مأساة سياسات القوى الكبرى" الصادر عام 2001 من أهم كتبه، عطفاً على العمل الذي أصدره بالشراكة مع زميله البروفيسور ستيفن والت، الخاص بـ"اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية"، الذي واجه رفضاً كبيراً من الجماعات الداعمة لإسرائيل في الداخل الأميركي.

كما يُعتبر كتابه الأخير "الوهم الأعظم: الأحلام الليبرالية والحقائق الدولية"، الصادر عام 2018، من أهم الأعمال التي تناقض خيبات المشهد الليبرالي الأميركي، تحديداً منذ بداية الألفية وحتى الحاضر.

لميرشايمرز رؤية خاصة للصين، إذ يولي أهمية كبيرة لمسألة صعودها الاستراتيجي، ويرى أن قوتها المتنامية ستجعلها على الأرجح مرشحة لصراع مع الولايات المتحدة يصل إلى حد النزاع.

ويُعدّ ميرشايمرز من الأصوات الأميركية القليلة التي علت بالرفض لغزو العراق عام 2003...

لماذا يتذكّر العالم ميرشايمرز بنوع خاص في الأزمة الأوكرانية الأخيرة؟

"العرّاف" الاستراتيجي

يبدو ميرشايمرز كعرافة دلفي عند اليونانيين قبل ألفي عام، غير أن هناك في واقع الأمر فارقاً شديداً بين الاثنين، ذلك أن المفكر الأميركي يقيم حساباته على أسس من العقل والمنطق، جنباً إلى جنب مع رؤى  سياسية استشرافية ترتكز على تجارب سابقة، وليس من مجال عنده للعودة إلى البلّورة السحرية لعرافات القرون الوسطى.

حين انهار الاتحاد السوفياتي وتفكّك بعد أن تفخخ من الداخل، بدا وكأن هناك من أراد نزع أنياب أوكرانيا النووية، التي كانت بالفعل ثالث قوة نووية في العالم.

في 14 يناير (كانون الثاني) 1994، عقدت واشنطن وموسكو وكييف محادثات ثلاثية، أسفرت عن بيان التزمت بموجبه نزع السلاح الكامل، بما في ذلك الأسلحة الاستراتيجية، مقابل الدعم الاقتصادي الأميركي، الذي لم يتجاوز وقتها قرضاً قيمته 400 مليون دولار، إضافة إلى بعض الضمانات الأمنية الروسية الواهية.

وافقت أوكرانيا على نقل رؤوسها النووية إلى روسيا، مقابل حصولها على تعويض عن القيمة التجارية لليورانيوم عالي التخصيب.

اعتبرت الدوائر الغربية المبتهجة بسقوط الاتحاد السوفياتي وقتها، أن نزع السلاح النووي الأوكراني أمر يقلص المواجهات النووية في العالم، ويجعل التعامل مع دولة واحدة هي روسيا، أيسر بمراحل من التعامل مع أكثر من دولة.

ربما كان الصوت الوحيد الذي حذّر من أبعاد تلك الصفقة هو صوت  ميرشايمرز، وقد ضمن رأيه في مقال له في مجلة "فورين أفيرز"، صيف عام 1993، أي أثناء المفاوضات مع الحكومة الأوكرانية وقتئذ.

ذهب ميرشايمرز إلى أن تخلّي أوكرانيا عن سلاحها النووي يجعلها بلا أنياب، وعرضة للعدوان الروسي، وأنه لا يمكن لأوكرانيا الدفاع عن نفسها ضد روسيا المسلحة نووياً بأسلحة تقليدية.

من على البعد أيضاً، رأى المفكر الأميركي أنه ما من أحد سيدافع عن أوكرانيا حال قرر الدب الروسي مهاجمتها، بما في ذلك الولايات المتحدة، وخلص وقتها إلى أن "الأسلحة النووية الأوكرانية فقط، هي الرادع الوحيد الموثوق به لردّ وصد العدوان الروسي".

كيف استطاع ميرشايمرز قراءة المستقبل والتنبؤ بأحداث أوكرانيا قبل وقوعها بنحو ثلاثة عقود من حدوثها؟

المدرسة البنيوية الواقعية

يُعدّ ميرشايمرز أحد أهم العقول التي تروّج لفكر المدرسة البنيوية الواقعية في حقل العلاقات الدولية، وتجيب تلك المدرسة عن أسئلة دوافع الحروب والصراعات بين الدول والتنافس على النفوذ، من منطلق دراسة بنية النظام الدولي الذي يدفع هذه الدول إلى اكتساب السلطة من أجل ضمان البقاء.

يؤمن الواقعيون بأن القوة هي العملة الرئيسة في ساحة السياسة الدولية، ومن ثم وجهة نظر الدولة، ومن الضروري اكتساب أكبر قدر من القوة سواء كانت قوة عسكرية أو اقتصادية.

لا تتوقف نظرة الواقعيين عند هذا الحد، إذ تعتبر الأمر غير كافياً، ولهذا يرى أنصارها أنه ينبغي ضمان ألّا تمتلك الدول المنافسة قوة أكبر من شأنها الإخلال بميزان القوى، وهنا ينطلق الصراع والنزاع من أجل النفوذ والسلطة على المستوى الدولي.

ينظر الواقعيون إلى الصراعات بين الدول ليس من خلال الاختلافات الثقافية أو السياسية، أو القيم الديمقراطية ضد الديكتاتورية، بل من منظار القوة وحدها، فمن خلال هذه النظرة تجد الدول نفسها داخل نظام عالمي يجعلها في حالة تنافس دائم على السلطة والقوة.

من هذا المنطلق، فضح ميرشايمرز عدداً من الطروحات الأميركية التي عانى منها الشرق الأوسط، لا سيما في زمن ما عُرف بـ"الربيع العربي" المغشوش والمنحول.

إشكاليات المنظومة الليبرالية

في عدد من كتاباته، يتوقف ميرشايمرز عند إشكاليات التناقض البنيوية في المنظومة الليبرالية الغربية، ويرى أن واشنطن أطاحت قادة منتخبين ديمقراطياً في نصف الكرة الغربي خلال الحرب الباردة، لأنها لم تكُن سعيدة بسياساتهم، وهذه هي الطريقة التي تتصرف بها القوى العظمى.

يقطع المفكر الأميركي السابح ضد التيار بأنه عندما تحاول إنشاء عالم يبدو هكذا، فإنه غالباً ما ينتهي بك الأمر إلى حدود السياسات الكارثية التي اتّبعتها الولايات المتحدة الأميركية خلال لحظة القطب الواحد.

ولعل الإشارة المتقدمة إلى رفض ميرشايمرز لحرب العراق، تقودنا إلى انتقاد واسع لما عُرف بعقيدة بوش الابن، التي قامت على فكرة إنشاء ديمقراطية ليبرالية في العراق، واعتبار أن سيكون لها تأثير الدومينو، وستتحوّل دول مثل سوريا وإيران، وفي النهاية السعودية ومصر، إلى ديمقراطيات مزدهرة.

كانت تلك هي الفلسفة الأساسية وراء عقيدة بوش، وفي الحق أن مذهب بوش لم يكُن مصمَّماً لتحويل العراق إلى دولة ديمقراطية، بل كان لدى أميركا بحسب ميرشايمرز مخطط أكبر بكثير، كانت اللحظة القطبية الأميركية المنفردة بمقدرات العالم منطلقاً لأمركة الكرة الأرضية والانفراد بالقرار الدولي واستعلان زمن النظام العالمي الجديد، برأس حربة أميركية منفردة... ماذا كانت النتيجة؟

باختصار غير مخل، فشل المشروع الأميركي شرق أوسطياً من جهة، وفتح باباً لنشوء وارتقاء الجماعات الإرهابية من ناحية ثانية، ناهيك عن انشغال واشنطن عن بكين، التي استغلت معارك الولايات المتحدة الجانبية والفرعية، لتمضي في طريق قطبيتها القائمة والمقبلة من غير أدنى شك، حتى إن أدى الأمر إلى الوقوع في فخ ثيوسيديدس، أي احتمالات الصدام المسلح بين واشنطن وبكين.

من السبب؟

هل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا هما السبب الرئيس في ما جرى ويجري في أوكرانيا؟

عام 2015، أي بعد عام تقريباً مما جرى في شبه جزيرة القرم وضمّها إلى روسيا من جديد، ألقى ميرشايمرز محاضرة في جامعة شيكاغو، تحدث فيها عن تاريخ الصراع بين أوكرانيا والغرب، وألقى فيها باللوم على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين حول التصعيد الروسي للأزمة الأوكرانية.

ميرشايمرز اتهم الغرب بالإخلال بالوعد الذي قطعه الأميركيون للاتحاد السوفياتي عام 1989 بعدم التمدد شرقاً، ثم دعوة الرئيس بوش الابن لكل من جورجيا وأوكرانيا للانضمام إلى حلف "الناتو"، وأخيراً الثورة الملونة المدعومة من طرف الغرب عام 2014 لإطاحة الرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا يانوكوفيتش.

يوجّه ميرشايمرز اللوم لمخططات "الناتو"، تلك التي سعت إلى إنشاء حائط صدّ وردّ من الديمقراطيات الليبرالية على حدود روسيا، باعتبارها منطقة سلام عملاقة.

دفعت تصرفات "الناتو" روسيا إلى التحفز والانتباه، ومن هنا يقع اللوم على الأميركيين وليس على الروس، فهم من أجّج صراع القوميات وأشعل مخاوف الهويات ما بين الروس والأوكرانيين.

يعتبر الرجل أن أميركا هي من اخترع قصة عزم روسيا العدوان على دول في أوروبا الشرقية، وأن بوتين مهتم بإقامة روسيا أكبر، أو ربما حتى بإعادة إنشاء الاتحاد السوفياتي.

يرفض ميرشايمرز الاعتقاد الغربي بأن شهية بوتين مفتوحة لما بعد أوكرانيا، بل إنه يرى أن القيصر غير مهتم بقهر أو دمج أوكرانيا في روسيا، كما أنه لا يخطط لاحتلال دول البلطيق، لا سيما أنه يعرف أنها أعضاء في حلف "الناتو".

في الوقت عينه، يكشف زيف قصة الطموحات الأسطورية لبوتين، تلك التي تروّجها وسائل الإعلام الغربية، وعنده أن هناك علاقة جذرية بين القوة العسكرية والقوة الاقتصادية، فالأخيرة مبنيّة على الأولى، ولكي ينشئ بوتين جيشاً قوياً جراراً لمحاربة أوروبا بأكملها، والاستيلاء على دول البلطيق أو غيرها من دول شرق أوروبا، فإن ذلك يتطلب اقتصاداً لا تقترب روسيا المعاصرة من الحصول عليه.

لا يوجد سبب للخوف إذاً من أن تكون لروسيا هيمنة إقليمية في أوروبا، وإنما المخاوف التي يراها ميرشايمرز تتمثل في المنافس الأكبر والأخطر المتمثل في الصين، فيما السياسات الأميركية في شرق أوروبا تقوّض قدرة واشنطن على التعامل مع خطر التنين الصيني في قادم الأيام.

خنجر في الخاصرة الروسية

هل أخطأت أوكرانيا بالانجرار وراء أفكار الغرب و"الناتو" تحديداً؟

يشخّص ميرشايمرز الخطأ الأوكراني من عند قمة "الناتو" في نيسان (أبريل) عام 2008، تلك التي جرت وقائعها في بوخارست برومانيا، حيث أصدر "الناتو" وقتها بياناً قال فيه إن أوكرانيا وجورجيا  ستصبحان جزءًا من الحلف.

كان على الروس بحسب المفكر الأميركي الإشكالي أن يقلقوا، بل ويعتبروا أن ما يجري على الحدود منهم تهديداً وجودياً، يشمل ما هو أكثر من مجرد توسيع "الناتو"، ذلك أن الاقتراب الديمقراطي الليبرالي  الموالي لأميركا طرح أيديولوجي غير مقبول بشكل قاطع من ساكن الكرملين، بل يعتبره خنجراً في الخاصرة الروسية.

يستخدم صاحبنا في هذا المقام تعبيراً مثيراً: "لا تغرز عصا في عين قوة عظمى مثل روسيا"...، وفي الشرح أنه عندما تكون بلداً مثل أوكرانيا، وتعيش بجوار قوة عظمى مثل روسيا، عليك أن تنتبه جيداً لما يعتقده الروس، لأنك إذا أخذت عصا وغرزتها في أعينهم، فإنهم سيذهبون للانتقام.

يظهر ميرشايمرز الازدواجية الأخلاقية في التفكير الغربي، إذ يذكّر بمبدأ مونرو الشهير، الذي لا يقبل الأميركيون انطلاقاً منه، أن تأتي قوة مسلحة لتقيم لها وجوداً على حدودهم، وعليه يتساءل: أليس من الأجدى للأميركيين أن يُخرجوا الخشبة التي في أعينهم، قبل أن يطالبوا بإخراج القذى التي في أعين غيرهم؟

يطالب السابح ضد التيار بأنه يتوجب على الأميركيين أن ينطلقوا من أوروبا للتعامل مع الصين بطريقة غير مسبوقة، وعليهم وهم في طريقهم هذا، أن يعملوا ساعات إضافية لخلق علاقات ودّية مع الروس، كجزء من التحالف المتوازن ضد الصين.

ينصح ميرشايمرز قادة أميركا بأنه في عالم توجد فيه ثلاث قوى عظمى، الصين، روسيا، الولايات المتحدة، وإحداها أي الصين منافس قوي ومؤثر قادم، فما ينبغي على الأميركيين فعله هو أخذ روسيا بجانبهم، عوضاً عن السياسات الحمقاء في أوروبا الشرقية التي تدفع  الروس إلى أحضان الصينيين، ما يُعدّ انتهاكاً لتوازن القوى، سيختصم حكماً من الرصيد الأميركي حول العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تسوية مؤقتة

ما هو مآل الأزمة الأوكرانية بعيون ميرشايمرز؟

يرى أن هناك احتمالاً جاداً أن يتمكّن الأوكرانيون من التوصل إلى نوع من التسوية المؤقتة مع الروس، ومردّ ذلك هو أن الروس يكتشفون الآن أن احتلال أوكرانيا ومحاولة إدارة السياسة الأوكرانية لهما تبعات واستحقاقات مرهقة.

من هنا، لا يعتقد ميرشايمرز أن الروس سيحتلّون أوكرانيا على المدى الطويل... ربما سيأخذون دونباس، وقد تنفتح شهيتهم على الجزء الشرقي من أوكرانيا... ويقطع بأنهم أذكياء للغاية بحيث لا يمكنهم التورط في احتلال البلاد بأكملها.

ينصح المفكر الأميركي الأوكرانيين بضرورة بلورة وضع محايد لدولتهم، وذلك من أجل تجنّب الحرب والمزيد منها في المستقبل، ويقترح إجراءات مثل:

** الاستبعاد الواضح لتمدّد حلف "الناتو" إلى أوكرانيا.

** وضع خطة إنقاذ اقتصادي لصالح أوكرانيا بالشراكة مع كل من روسيا وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي

** ضمان حقوق الأقليات، بخصوص الحقوق اللغوية في أوكرانيا، تحديداً في ظل اتجاه النظام الجديد الموالي للغرب الذي وصل إلى السلطة عام 2014، بعد تظاهرات ساحة "ميدان" إلى التضييق على اللغة الروسية التي يتحدثها النصف الشرقي للبلاد، وذلك بعد يوم واحد من هروب الرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا يانوكوفيتش في 22 فبراير (شباط) 2014.

وخلاصة رؤيته أنه في عالم مثالي، سيكون من الرائع أن يكون الأوكرانيون أحراراً في اختيار نظامهم السياسي واختيار سياستهم الخارجية، لكن في العالم الحقيقي هذا غير ممكن، فلدى الأوكرانيين مصلحة راسخة في إيلاء اهتمام جاد لما يريده الروس منهم، وهم يخاطرون بشدة إذا أبعدوا الروس بشكل أساسي، فيما الاستراتيجية الحكيمة لأوكرانيا التي يقترحها الأميركي المنفصل عن الفوقية الإمبريالية لبلاده، تتمثل في قطع علاقتها مع الغرب، بخاصة الولايات المتحدة الأميركية، ومحاولة استيعاب الروس...

هل ميرشايمرز بوق للروس؟

انتقادات مضادة

كان من الطبيعي جداً أن يتعرّض الكاتب والمفكر الأميركي لانتقادات لاذعة بسبب وجهة نظره من الأزمة الأوكرانية من قبل أصوات ليبرالية أميركية، وقد اعتبر البعض أن محاضرته في جامعة شيكاغو عام 2015، ليست سوى اعتراف نادر من أكاديمي أميركي كبير ومشهور، وكأنه يُشرعن بذلك تدخل روسيا في أوكرانيا، ما جلب عليه عاصفة من الاحتجاجات.

غير أن قراءة معمقة وتحليلاً متأنياً ناضجاً لما طرحه ويطرحه ميرشايمرز، يخبرانا بأن المشهد أبعد بكثير من مجرد تبرير ساذج للسياسة الروسية تجاه أوكرانيا، فهو يمثل مدرسة فلسفية في السياسة الدولية، مدرسة تملك نظرة متكاملة حول طبيعة الصراع الدولي  وأسبابه ودوافعه، تركز على الواقعية وأهمية القوة، ولا تخشى في سبيل ذلك من التطرق إلى المسكوت عنه، أو عقد المقارنات الحرجة، مثل استشهاد ميرشايمرز بمختلف التدخلات الأميركية الخشنة في كوبا وأفغانستان والعراق، ومقارنتها بالتدخل الروسي في أوكرانيا، وهو ما يجعله غير محبوب في ظل التوجه نحو بناء إجماع على العداء لروسيا في الغرب.

ولا يوفر في كل الأحوال الإشارة إلى الخوف القابع  وراء السياسات العشوائية الأميركية التي يمكن أن تقود "الناتو" عند لحظة بعينها إلى صدام نووي مع روسيا وربما الصين، ويدعو عوضاً عن ذلك إلى إحياء نسق من التعاون الدولي الذي يحترم الكرامة ويأخذ منطلقات الهوية والخصوصية في حسبانه.

المزيد من تقارير