صنّفت مؤسسة "نيوفرونتير داتا" (new frontier data) الأميركية المتخصصة في جمع المعطيات حول صناعة القنب الهندي حول العالم، المغرب ثالث أكبر سوق لتجارة القنب على المستوى الأفريقي والتي تبلغ عائداتها 3,5 مليار دولار سنوياً، بعد إثيوبيا ونيجيريا، فيما حددت عدد مستهلكيها بالمغرب بـ 1,7 مليون مستهلك، من أصل 58 مليوناً على المستوى الأفريقي. تورد بعض التقارير أن المغرب يجني من تجارة القنب الهندي ما يناهز 23 مليار دولار، وأن تلك التجارة تُوجه أساساً إلى بعض الدول الأوروبية، حيث تجتهد المافيات العالمية للمخدرات لإيجاد أسهل السبل لإيصال سلعتهم إلى القارة العجوز.
نتيجة التهميش
تمتلئ منطقة الشمال المغربي بمساحات لزراعة القنب الهندي، ويُعزى ذلك إلى غياب بنية تحتية واستثمارات اقتصادية نظراً إلى التهميش الذي عانت منه المنطقة لعقود، بحسب رفيق، وهو أحد الشباب الذين يعملون في حقول "الذهب الأخضر". ويوضح أن "مزارع القنب الهندي تتوسع مساحتها عاماً بعد عام في الشمال المغربي، لتشمل مناطق عدة بإقليمي تاونات وشفشاون، بعدما كانت مقتصرة هذه الزراعة على منطقة كتامة لمدة طويلة، لا يوجد في منطقة الجبال شيء يذكر، بالتالي إن لم نشتغل في زراعة القنب الهندي فإننا سنموت جوعاً وقهراً". فيما يقول أحد المزارعين القدامى في منطقة كتامة يُدعى الشاوني "إن الكيف ليس سبباً في انهيار المجتمع، وهلاك صحة المستهلك، فالنبتة أنقذت غالبية السكان هنا من الفقر المدقع، وبسبب هذه النبتة تمكن المزارعون من تعليم أبنائهم وتربيتهم وتكوين مستقبلهم لعقود مضت".
عاصمة الحشيش التاريخية
ظلت كتامة الواقعة شمال شرقي المغرب لعقود، المنطقة الوحيدة لإنتاج القنب الهندي في البلد، منذ عصر الاحتلال الفرنسي، هي قرية معزولة ارتبط اسمها بزراعة الحشيش وتجارته، ويعمل فيها ثلث سكان القرية، وغالبيتهم مطلوبون للعدالة. تمتد القرية على مساحة 40 كيلومتراً مربعاً فوق تضاريس صعبة، انتقلت فيها عبر العصور زراعة القنب من زراعة ثانوية إلى زراعة أساسية، بالتالي أصبحت مصدر الدخل الوحيد لسكان المنطقة. صمد سكانها خلال العقود الخمس الأخيرة في وجه محاولات الدولة لوضع حد لتلك الزراعة، لكنهم يعتبرون أن عامل التهميش التي تعرفه المنطقة وصعوبة تضاريسها وطبيعة التربة لم يترك لهم خياراً إلا العمل في مجال زراعة الحشيش.
وسائل مختلفة للتهريب
بخلاف الصورة النمطية التي ارتبطت بتجار المخدرات المغاربة، باعتبارهم تجاراً فقراء، إلا أن بعض التحقيقات كشفت تمكن شبكات الاتجار الدولي في المخدرات من وضع قواعد لها بالمغرب، ويبتكر رؤساؤها طرقاً جديدة لتهريب المخدرات كلما أغلقت عليهم السلطات الأمنية أحد السبل. أقام بارونات المخدرات موانئ صغيرة في المناطق الشمالية الساحلية للمغرب، لتهريب سلعتهم إلى الضفة الأخرى من المتوسط باتجاه الأسواق الأوروبية، استخدمت خلالها مختلف أشكال الزوارق، ويصل ثمن أحد أنواعها إلى مليون دولار وتتميز بسرعتها الهائلة، مما يساعد على ربح الوقت ومحاولة الهروب بأقصى سرعة من حملات الأمن المغربي والإسباني، لكن السلطات المغربية قامت خلال تسعينيات القرن الماضي بحملة موسعة أنهت خلالها نشاط العشرات من تلك الموانئ وتوقيف العديد من العاملين فيها، وتمكن المغرب من القضاء بشكل كبير على مستنقعات التجارة الدولية للمخدرات مع مطلع الألفية الثالثة.
استخدام الطائرات
ومع تشديد السلطات المغربية الخناق على تجارة المخدرات، وانشغالها برصد تحركات المهاجرين الذين يستخدمون المغرب جسراً للعبور إلى أوروبا من جهة، وتطوير السلطات الإسبانية مراقبة مياهها الإقليمية بدعم كبير من الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، انتقل بارونات المخدرات إلى استعمال طائرات صغيرة، حيث قام أحد مهندسي الطيران باقتراح استخدام الطائرات في نقل المخدرات على بعض المهربين الإسبان، لكون تلك الطائرات يصعب رصدها من الرادارات التي يمتلكها المغرب، فهي سياحية - رياضية صغيرة غالباً ما تكون بمحرك واحد وتحلق على ارتفاع منخفض ويمكنها استيعاب ستة ركاب، فيما تصل حمولتها إلى 29 طناً، وتحمل العلم الإسباني، ويقودها طيارون من جنسيات مختلفة، ما يدل على وقوف مافيات دولية وراء عمليات تهريب المخدرات تلك، فيما تغيّر مطارات الهبوط دورياً لتفادي مباغتة سلطات الأمن. تورد بعض التقارير أن نسبة نجاح عمليات التهريب عبر الطائرات تصل إلى 45 في المئة، يتم خلالها استخدام حقول أو أراضٍ نائية وبعيدة من الأنظار. يقول أحد خبراء الطيران المغاربة الذي فضل عدم ذكر اسمه في حديثه لـ "اندبندنت عربية" إن هناك نوعين من الرادارات، الأول مدني يقوم برصد الطائرات وتحديد مكانها عبر التقاط إشارات تُبث من جهاز خاص يكون مثبتاً عليها، في حين لا يتم رصد الطائرات الصغيرة لأنها لا تحتوي على ذلك الجهاز. أما النوع الثاني فهو الرادارات العسكرية التي تمكن دقتُها رصد الطائرات العسكرية المقاتلة المُغيرة في حال اخترقت المجال الجوي للبلد، لكن الإشكال يكمن في أن الطائرات المقاتلة تطير على ارتفاع شاهق، في حين أن الطائرات الصغيرة، خصوصاً تلك التي تستخدمها مافيات المخدرات تطير في أجواء منخفضة قد تصل إلى مئات الأمتار، مما يصعب مرورها في نطاق تلك الرادارات العسكرية، لكن السلطات المغربية انتبهت للأمر وضيقت الخناق على تلك الطائرات، بعد سقوط بعض منها واكتشاف كميات كبيرة من المخدرات داخلها.
مطلب التقنين
تطالب بعض هيئات المجتمع المدني والأحزاب، بين الحين والآخر، بضرورة تقنين زراعة الحشيش في المغرب لضمان مدخول قانوني لآلاف المزارعين والعاملين في تلك الزراعة الذين يعيشون في خوف دائم من الملاحقات الأمنية. ويقول شكيب الخياري رئيس "الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف" في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، إن "هناك استفادة مضاعفة من تقنين استعمال الحشيش لأغراض طبية، إذ ستستفيد الدولة من شراء تلك المادة بدلاً من أن توجه للمهربين الذين يستخدمونها في صناعة المخدرات، وسيستفيد المزارعون مادياً وينتهي عندهم عامل الخوف من المتابعات القضائية". على الرغم من إيجابيات التقنين إلا أن أحزاب الائتلاف الحكومي عارضت ذلك المطلب، وأوضحت أنه 'لا يمكن تسويغ تجارة المخدرات تحت أي مبرر، ولا استغلال ضعف التكافؤ في التنمية، الذي تعاني منه المناطق القروية وعلى رأسها مناطق الريف وجباله في الشمال، لتغذية الشعور السلبي بالتهميش، وأن التطبيع مع تجارة المخدرات سيكون له أثر وخيم على مستقبل البلاد".
قضية تحتاج حلولا
يعتبر إدريس السدراوي رئيس "الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان" في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "أن قضية زراعة المخدرات وصناعتها وتسويقها بالمغرب مسألة مهمة تحتاج إلى مقاربة جديدة حقوقية تنموية وأمنية، إذ إن زراعة القنب الهندي تشرف عليها مافيات وعصابات منظمة ولها نفود كبير، تستغل المزارعين وتتحكم بالأسعار عبر إغراقهم بقروض وشيكات من دون رصيد تجعلهم عرضة للمتابعات". وقال "إضافة إلى ذلك، الحديث عن مئات الآلاف من الأسر التي تعيش من تجارة القنب الهندي بشكل غير مباشر في كل المدن المغربية، باعتبار أن غالبية السجناء في العديد من السجون من الباعة الصغار للمخدرات، بالتالي فالأمر يحتاج من الدولة وبكل شجاعة فتح حوار وطني حول القنب الهندي، وفق محاور واضحة في المقاربة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".