Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتصاد موسكو يترقب أسوأ انكماش منذ أكثر من ربع قرن

رفع الأجور وسياسات الكرملين لن تخفف كثيراً من معاناة ملايين الروس

انهيار أسعار الروبل الروسي أمام الدولار الأميركي واليورو بسبب أزمة أوكرانيا   (أ ف ب)

على الرغم من الإجراءات الدفاعية التي تتخذها الحكومة الروسية للتخفيف من أضرار العقوبات والحصار الاقتصادي الغربي وقرارات المقاطعة، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الروسي أسوأ أزمة يتعرض لها منذ نهاية الحرب الباردة قبل أكثر من ربع قرن، في وقت بدأ يعاني ارتفاعاً كبيراً في معدلات التضخم، أكثر من نظيرتها العالمية، مع هبوط القيمة الحقيقية للدخول، بسبب تراجع سعر صرف العملة الوطنية الروبل.

وقدرت دراسة لمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال انكماش الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 14 في المئة على الأقل. وهي نسبة تراجع أكبر مما شهده الاقتصاد الروسي خلال أزمة وباء كورونا أو الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009، أو حتى من الأزمة المالية الروسية في تسعينيات القرن الماضي. وتوقعت الدراسة ارتفاع الأسعار في روسيا بنسبة أكبر من 30 في المئة، وتراجع القيمة الحقيقية لدخول ملايين الأسر الروسية.

وسيعني ذلك زيادة هائلة في ضغوط كلفة المعيشة على المواطنين الروس بعدما فقد الروبل أكثر من ربع قيمته منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا. ومع ارتفاع أسعار السلع والمنتجات حول العالم، يواجه الروس زيادة إضافية في الأسعار نتيجة الحصار الاقتصادي الذي يفرضه الغرب على موسكو.

إجراءات لا تكفي

حسب دراسة المركز، "ارتفعت الأسعار في روسيا بنسبة 4 في المئة خلال الأسبوعين الماضيين فقط. ويعني ذلك أن معدلات التضخم في روسيا ستزيد على نسبة 30 في المئة بحلول بداية العام المقبل 2023". وتشير الدراسة إلى "أنه حتى إذا رفعت الحكومة الروسية معدلات الأجور بنسبة 10 في المئة لمواجهة التضخم وارتفاع الأسعار، فإن القيمة الحقيقية للدخول ستنخفض بنسبة 18 في المئة خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، وبأكثر من الربع بنهاية عام 2024".

مع ذلك، لا يخشى من اختفاء السلع الأساسية للمستهلكين الروس. فروسيا من أكبر منتجي ومصدري الطاقة والغذاء في العالم. بالتالي قد لا تشهد الاحتياجات الأساسية المحلية للمواطنين نقصاً كبيراً. لكن ذلك سيكون في السلع والبضائع المستوردة التي يتوقع أن تختفي من منافذ البيع في روسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مقابلة مع صحيفة "ديلي تلغراف"، السبت، يقارن دوغلاس ماكويليامز، من مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال الذي أعد الدراسة، بين ما يتوقع أن تشهده روسيا وما شهدته إيران نتيجة العقوبات الغربية والدولية المفروضة عليها بسبب نشاطاتها النووية. ويخلص إلى أن روسيا ستواجه وضعاً مماثلاً، مشيراً إلى "ارتفاع معدلات التضخم في إيران نتيجة العقوبات الاقتصادية المشددة من 9 في المئة عام 2016 إلى نحو 40 في المئة الآن".

ومع أن الحكومة الروسية يمكنها استخدام قدر من مواردها للحد من ارتفاع الأسعار، إلا أن مثل هذا الإجراء لن يكون كافياً، بل سيظل "تأثيره جزئياً ومؤقتاً"، على حد قول ماكويليامز. وأضاف الباحث "هناك فرصة لزيادة مخصصات الدعم بفضل فائض الميزانية الناتج من الزيادة في عائدات مبيعات النفط، لكن ذلك سيكون على حساب الدفع باتجاه مزيد من التشوه في السوق الروسية".

كانت الحكومة الروسية اتخذت إجراءات عدة للحد من التأثير الضار للعقوبات الاقتصادية، منها فرض رسوم بنحو 30 في المئة على بيع العملات الأجنبية في البلاد، وإلزام الشركات التي تعمل في مجال التصدير بتحويل 80 في المئة من عائداتها بالعملات الأجنبية إلى الروبل. لكن تلك الإجراءات لم تحد كثيراً من هبوط العملة الوطنية حتى الآن.

تخفيف الأعباء

مع ما يبدو من تعثر المفاوضات واحتمال استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا لمدة أطول، يتحسب الكرملين بالتأكيد لإمكانية غضب الشعب الروسي نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة مع تضييق الخناق الاقتصادي الغربي على روسيا. ولا تريد الحكومة أن يصل الأمر إلى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها إيران أكثر من مرة خلال السنوات الماضية مثلاً.

كانت القيادة الروسية استعدت لتلك الاحتمالات، بخاصة منذ فرض عقوبات غربية عليها عام 2008 نتيجة تدخلها العسكري في جورجيا وضم إقليمي أبخازيا وأوسيتيا للاتحاد الروسي. وزادت من تلك الاستعدادات مع فرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014.

لكن صرامة العقوبات الحالية واستمرار تشديدها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين جاءت أكبر مما يمكن للاستعدادات الروسية أن تواجهه بالكامل، بخاصة مع تجميد قدر كبير من أصول البنك المركزي الروسي في الخارج، وفرض عقوبات على التعاملات المالية مع روسيا ما يعطل قدراً كبيراً من تجارتها الخارجية.

ستعمل الحكومة الروسية على محاولة تخفيف عبء تكاليف المعيشة على المواطنين تفادياً لأي اضطرابات. ويقول دوغلاس ماكويليامز، "يمكن زيادة الأجور والرواتب أكثر، لكن تفادياً لأن يصبح الاقتصاد الروسي أقل تنافسية ستكون تلك الزيادة مرتبطة بنسبة الهبوط في سعر صرف الروبل. وهذا الهبوط في حد ذاته سيؤدي إلى ارتفاع التضخم أكثر، ثم إن الفائض في الميزانية يعني أن إمكانية تخفيف عبء تكاليف المعيشة بأكثر من النصف محدودة، ولا يمكن الاستمرار فيها لأكثر من عام. لذا سيكون الضغط على تكاليف معيشة الأسر الروسية شديداً، ومن الصعب تفاديه تماماً".

اقرأ المزيد