قد نعرف قريباً مزيداً عن حياة "المرأة الحامل على نقالة"، [وهو الاسم الذي] لانزال نعرفها به حتى الآن، وعن موتها الرهيب أيضاً. فصورة المرأة الحبلى التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الوضع، وهي تُنقل من قبل المنقذين من مستشفى التوليد في ماريوبول الذي تعرض للقصف، قد نُشرت في كثير من أنحاء العالم.
لا نعرف اسمها حتى الآن، بيد أننا نعرف من مصادر إخبارية موثوقة أنها قد ماتت هي ووليدها منذ ذلك الحين. وقيل إن الجراح تيمور مارين الذي يعمل في مستشفى أوكراني آخر، قد اكتشف أن وركها قد سُحق كما أن حوضها قد تم فصله جراء القصف. ولد الرضيع بعملية قيصرية، غير أنه لم تبدُ عليه "أي علامات تدل على الحياة".
أما بالنسبة إلى الأم، فقال المسعفون إنها صاحت "اقتلوني الآن" عندما أدركت أنها تفقد وليدها. لم يستطيعوا أن ينقذوها و"لم تحقق عملية إنعاش الأم لمدة ثلاثين دقيقة أي نتائج".
وهكذا فإن لدى العالم جريمة حرب أخرى، وصورة أيقونية أخرى للحرب وضحاياها المدنيين، وهذه الصفة مناسبة [للصورة] في حالة من هذا النوع. فهذه الصور مطبوعة في وعينا الجمعي، وهي في أغلب الأحيان تتخذ من النساء موضوعاً لها. وتبقى أكثر هذه الصور المروعة شهرة حتى الآن هي "فتاة النابالم" (1972)، لفان ثي كيم فوك، التي كانت حينذاك في التاسعة من عمرها، وهي تهرب عارية على الطريق في أعقاب إصابتها بحروق شديدة في الظهر نتيجة هجوم بقنابل النابالم خلال حرب فيتنام.
وصورة الفتاة الأفغانية اللاجئة شربات بيبي، ذات العينين الأخاذتين بلون الكوبالت [أزرق غامق إلى أزرق غامق مشوب بالخضرة]، التي ظهرت على غلاف مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" في عام 1984، يمكن التعرف عليها فوراً هي الأخرى. وكذلك أيضاً الصورة الغريبة لمدني عراقي ورأسه مغطى بقلنسوة طويلة وذراعاه ممدودتان كما لو كان يظهر في لوحة فنية من القرون الوسطى. والرجل هو على شلال القيسي الذي التقطت له هذه الصورة من قبل أحد الجنود الأميركيين الذين كانوا يقومون بتعذيبه في سجن أبو غريب سيء الصيت [عُرف بمساوئه]. نجا كل من هؤلاء الضحايا من محنته، إلا أن السيدة التي كانت توشك أن تصبح أماً في أوكرانيا لم تنج هي ووليدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا شك أن القادة الغربيين من أصحاب القلوب الكبيرة مثل جو بايدن وجاستين ترودو وإيمانويل ماكرون سيشعرون بالانزعاج نفسه الذي يحس به كل منا لدى رؤية أي من هذه الصور وأشرطة الفيديو المريعة الآتية من أوكرانيا لمشاهد العنف. هذا هو عصر الهواتف الذكية، وكاميرات المراقبة، لذا لم يتم تسجيل [صور وفظاعات] أي حرب أخرى على هذا النحو الشامل للغاية، كما هي الحال في هجوم بوتين على أوكرانيا.
إن جرائم الحرب التي توضحها هذه الصور تدعو الى إدانة شبه عالمية، بصرف النظر عن الرفض الروسي المعتاد لها على أنها أخبار زائفة أو مدبرة من جانب الأوكرانيين. ولو حظي مايقوله بوتين ولافروف بالتصديق لكانت المرأة والأطفال الفارون من قصف البيوت والمستشفيات في أوكرانيا، إما ممثلين أو من النازيين الجدد الخونة. لكن لا يصدق العالم المتحضر، ومعه بالفعل عديد من الروس ممن يستطيعون الوصول إلى الحقيقة [الاطلاع على ما يجري فعلاً]، هذه الأكاذيب السخيفة.
مع ذلك فإن المغزى من الصورة البربرية لتلك المرأة الحامل في ماريوبول هو أنه مهما ارتكب بوتين وجنرالاته في أوكرانيا من فظائع، لن تكون كافية لحمل الغرب على التدخل، أبداً على الإطلاق.
لنكن صريحين بكل فجاجة ومن دون مواربة، لبوتين مطلق الحرية في ذبح العدد الذي يريد من الاوكرانيين، وتسوية أكبر عدد ممكن من المدن بالأرض، واستخدام أسلحة كيماوية وأسلحة نووية من النوع الخاص في ميدان المعركة، والإشراف على التدمير الكامل للكنوز المعمارية والفنية ، ومن ثم ترك أوكرانيا، وهي سلة الخبز للعالم، كومة من الأنقاض المشعة، أو تشيرنوبل عملاق.
يمكن لبوتين أن يدمر كل شيء، فـ"الناتو" لن يحرك ساكناً. نحن نعرف ذلك، وبوتين لا خفاه الأمر أيضاً. نحن نعرف ذلك لأن القادة الغربيين يعترفون علناً به [بأنهم لن يحركوا ساكناً]. ستكون هناك تداعيات، وسيكون هناك بالتأكيد مزيد من العقوبات ومزيد من التلويح بمحكمة جرائم الحرب، وإحكام طوق العزلة الدبلوماسية. غير أن القادة الغربيين يقولون إن حلف شمال الأطلسي "ناتو" هو تحالف دفاعي، واوكرانيا ليست دولة عضواً فيه، وأن التدخل من شأنه أن يمهد إلى حرب نووية عالمية. أنا اشك في ذلك. لكن يبدو أن قدرنا هو أن نعيش في حالة خوف من بوتين.
يبدو أننا نقول إن قيمة حياة أوكراني تساوي أقل من قيمة حياة بولندي أو ليتواني، مثلاً، بالإحتكام إلى حد أخلاقي اعتباطي. إنه موقف جبان من قبل "الناتو" وبوتين، يمكنه أن يراه على حقيقته. ولكي نقتبس من خطاب بليغ لتوني [بتصرف] نقول "أليس الأوكرانيون مذعورين؟ ألا تبكي الأوكرانيات حين يموت أطفالهن؟ هل يقوي القصف عزيمتهم؟ يا لنا من حمقى إذا كنا نعيش في جيل تُعد الحرب بالنسبة إليه لعبة كومبيوتر بالنسبة إلى أطفالنا، وهي مجرد قناة صغيرة مثيرة للاهتمام للمواد الإخبارية".
وكما يحاول الأوكرانيون أن يشرحوا لنا، فإن حرباً عالمية ثالثة قد اندلعت بالفعل. لا يعبأ بوتين إلى حد كبير بالعقوبات. وهو يعلم أن بوسعه الاعتماد على الصين، والهند وغيرهما لدعم نظامه إذا لزم الأمر، ولبيعه أسلحة وللاستمرار في التجارة معه. والظاهر أن السوريين والبيلاروسيين سيرسلون قوات للمساعدة في الحملة. وهذا ليس دليلاً على أن الحرب تسير على مايرام بالنسبة إلى روسيا، بل هو يوحي بأن لدى بوتين أشخاصاً سيساعدونه على خوض حرب عدوانية ويساعدونه في الالتفاف على العقوبات أيضاً.
وقد تغرق أوكرانيا في ما يشبه الإبادة الجماعية في الأيام المقبلة، لكن لن تُبسط منطقة حظر للطيران، ولن تُنشأ ممرات إنسانية تخضع للحماية، بل ستقدم مساعدة عسكرية محدودة فحسب على سبيل الاستجابة لنداءات الرئيس زيلينسكي طلباً للعون.
بطبيعة الحال نحن مدعوون للاعتقاد بأنه إذا وطئ جندي روسي على رؤوس أصابعه إستونيا أو بولندا، فإن "الناتو" سيصب جام غضبه بقوته الكاملة على روسيا. لكن عليك أن تتساءل [أيها القارئ] ما هو مدى صدق ذلك في الواقع، في ضوء التجربة الأخيرة. إذا سقط صاروخ أو قذيفة طائشين في بولندا، فهل سيأمر بايدن بالقيام برد انتقامي؟ وإذا كان هناك "توغل" لميليشيا روسية في أراضي إستونيا، فهل سيأمر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قوات بريطانية بإطلاق النار عليهم؟ وهل سيرسل المستشار الألماني أولاف شولتز قوات ألمانية شرقاً وإلى ميدان القتال للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من صدمة جديدة؟
إذا كان الخوف من أسلحة فلاديمير بوتين النووية يمنعنا من مهاجمته وإيقافه عند حده الآن في أوكرانيا، فلماذا لن يحول ذلك دون مهاجمته وإيقافه في المستقبل بسبب إستونيا [نصرةً لهذا البلد]؟ وإلى أن يخيف "الناتو" بوتين بالقدر الذي يخيفنا هو به، لن يكون هناك سلام في أوروبا، وسيكون هناك الكثير والكثير من الصور الأخرى للحرب لتطارد ضمائرنا.
© The Independent