في خطوة لافتة وغير مسبوقة تنشغل المؤسستان الأمنية والعسكرية في إسرائيل بالاستعداد لاحتمال تصعيد أمني، الشهر المقبل، تجاه الفلسطينيين من جهة، والحدود الشمالية تجاه لبنان وسوريا من جهة أخرى، فيما تبقى التوقعات تجاه إيران منوطة بالاتفاق النووي.
ولم تكتفِ إسرائيل بالاستعدادات الداخلية، فاتجهت نحو تنسيق أمني مع الولايات المتحدة حول سبل التعاون لمواجهة توقعات الأجهزة الأمنية باشتعال الأوضاع الأمنية خلال الشهر المقبل إلى حد الحرب مع تزامن عدة أحداث في آنٍ واحدٍ، وأبرزها: شهر رمضان، ووصول آلاف المصلين إلى المسجد الأقصى، ومرور سنة على عملية "حامي الأسوار"، وذكرى يوم الأرض، وما بين هذا وذاك تجري الاستعدادات لمختلف السيناريوهات المتوقعة عند حدودها الشمالية تجاه لبنان وسوريا، سواء لاحتمال أن يمتد التصعيد الأمني من غزة والضفة إلى الحدود الشمالية لتجد إسرائيل نفسها عالقة في مواجهات شاملة، أو تصعيد أمني عند الحدود الشمالية تكون إيران طرفاً فيه، سواء على خلفية الاتفاق النووي أو الطائرات المسيرة، التي أصبحت تشكل تهديداً لا يقل عن غيرها من التهديدات الصاروخية والحربية التي تواجهها إسرائيل.
وبعد أبحاث أمنية وعسكرية، حول كيفية ضمان استعداد إسرائيلي لهذه التوقعات وصل أكثر من وفد من كبار الضباط الإسرائيليين والمسؤولين إلى واشنطن، بينهم رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، ونائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، أهرون حاليفا، وغيرهم، لبحث التوتر تجاه إيران والفلسطينيين من جهة، وتوثيق التعاون الأمني بين واشنطن وتل أبيب مقابل إيران من جهة أخرى، وفق مسؤول عسكري إسرائيلي.
وكان رئيس "الشاباك" قد حذر في بيان مشترك مع الجيش من تصعيد لا يقتصر على خلفية وصول آلاف المصلين في الأقصى إنما أيضاً بسبب مسيرات استفزازية ينظمها اليمين الإسرائيلي في القدس المحتلة، خلال عيد الفصح اليهودي الذي سيحل خلال شهر رمضان. فبحسب التوقعات من الممكن مشاركة أكثر من مئة ألف يهودي في هذه المسيرات.
من جهته، عرض حاليفا تقريراً استخبارياً أمام مسؤولين أمنيين أميركيين، وصفتها إسرائيل بالحساسة والتي تشكل عنصراً مركزياً للتوقعات التي بلورتها أجهزة الأمن للاحتمالات المتوقعة الشهر المقبل. ولا تستبعد الأجهزة الأمنية أن تأتي الشعلة من غزة إزاء تقرير يتحدث عن تنفيذ حركة "حماس" 27 عملية ضد أهداف إسرائيلية.
آليات ومعدات حربية تحولت إلى خردوات
وفيما تواصل المؤسستان الأمنية والعسكرية استعداداتهما واجتماعاتهما والتنسيق حول احتمالات التصعيد الأمني، وجّه مسؤولون في جهاز الأمن والجيش انتقادات مباشرة إلى رئيس الأركان، أفيف كوخافي، يتهمونه بالقصور الذي أدى إلى تراجع جهوزية الجيش خلال ولايته، ليس فقط بخوض حرب تجاه جبهة معينة على انفراد أو عدة جبهات في آنٍ واحدٍ، إنما أيضاً لمواجهة هجمات بأسلحة كيماوية، تدعي إسرائيل أن "حزب الله" والنظام السوري بالتنسيق مع إيران يخططون لشنها باتجاه إسرائيل.
وجاء في رسالة المسؤولين الأمنيين، أن "التراجع والقصور الذي يتحمل مسؤوليته رئيس الأركان يضع إسرائيل أمام الخطر، خصوصاً في ظل تطور تهديد مباشر على الجبهة الداخلية لإسرائيل".
ونُقل عن مسؤولين أمنيين قولهم، "إنه تم تفكيك كتائب في قوات الاحتياط، كانت مهمتها مواجهة هجمات بمواد خطيرة وأسلحة كيماوية وبيولوجية بهدف توفير عشرات آلاف الأيام من أنشطة قوات الاحتياط". وأشار المسؤولون إلى أن الكثير من المعدات والآليات التي كانت في حوزة هذه الكتائب تحولت إلى خردوات من دون شراء معدات غيرها.
إلى جانب هذا، هناك نقص حتى بالمعطيات وتحليل المخاطر وتخطيط سيناريوهات لضمان دفاع قوي بما في ذلك اعتراض صواريخ تحمل مواد قتالية قد تستهدف مناطق مأهولة بالسكان.
انضمام "حماس" إلى التصعيد
في تقديرات ضباط كبار في الجيش والشرطة أنه اذا اندلعت مواجهات ستبقى محدودة، ولن تؤدي إلى تصعيد أمني أوسع. مع ذلك، كدرس من تقديرات الاستخبارات الخاطئة في السنة الماضية، لا يستبعدون في نقاشات داخلية في الشرطة وفي جهاز الأمن احتمالية انضمام "حماس" في غزة إلى التصعيد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الروزنامة السنوية للفترة المقبلة مليئة بالأحداث القابلة للانفجار، وفق هؤلاء. ففي 30 مارس (آذار) يصادف يوم الأرض، وفي الثاني من أبريل (نيسان) من المتوقع أن يبدأ شهر رمضان، الذي شكل على مدار السنوات الأخيرة نقطة مشتعلة للمواجهات بين المصلين ورجال الأمن الإسرائيليين من جهة، وبين المصلين واليهود من جهة أخرى.
الخوف الرئيس هو من مواجهات عنيفة في صلاة أيام الجمعة، وخصوصاً أنه يصادف في 15 أبريل عشية عيد الفصح اليهودي والمتوقع وصول الآلاف من اليهود للمشاركة في الطقوس التي يقيمها الحاخامات في الأقصى (ساحة حائط المبكى) والمعروفة بـ"بركة الحاخامات التقليدية" إلى جانب زيارات متوقعة لليهود للأقصى.
وهذه، وفق تقديرات الاستخبارات ستساهم في وصول التوتر في الأقصى إلى ذروته، قبل أيام من عيد الفطر، الذي يصادف أول يوم في الذكرى التي تقيمها إسرائيل لجنودها القتلى في الحروب. وفي 10 مايو (أيار)، ستكون ذكرى إطلاق الصواريخ على القدس وبداية عملية "حامي الأسوار" وأيضاً ذكرى مقتل الشاب موسى حسونة من اللد، الذي أطلق مجموعة من الشبان اليهود من سكان اللد النار عليه وقتلوه خلال المواجهات التي وقعت في أعقاب العملية في غزة. وتباعاً وفي 15 مايو يصادف إحياء ذكرى "يوم النكبة".
ومع تسلسل كهذا للأحداث فإن إمكانية تفجير الوضع تصبح أعلى من أي وقت مضى، خصوصاً إذا ما تكرر سيناريو المواجهات في البلدات العربية والمدن المختلطة، سواء تضامناً مع أبناء شعبهم الفلسطيني في الضفة وغزة أو على خلفية عنصرية من قبل يهود في المدن المختلطة.
التركيز في هذه الاستعدادات بالأساس على مدينة القدس، وتحديداً مناطق الشيخ جراح وباب العامود والحرم القدسي الشريف. وخارج القدس، حيث تركز الشرطة عليها باعتبار أنها تشكل مصدراً لاشتباكات عنيفة هي منطقة النقب في جنوب إسرائيل، حيث تعيش شريحة من فلسطينيي 1948 وتعمل تل أبيب بشكل متواصل على هدم المنازل سعياً لإقامة مشاريع حيوية. والمنطقة الثانية خارج القدس هي مدينة اللد المختلطة.
إيران و"حزب الله" وسوريا أكثر خطورة
وعلى الرغم من الخطورة التي تتوقعها الأجهزة الأمنية من تسلسل الأحداث المذكورة واحتمالية وقوعها، فإنها ترى احتمالات أن يؤدي أي حدث متعلق بإيران و"حزب الله" وسوريا إلى تصعيد أمني هو أكثر خطورة.
يكمن هذا القلق في التوقعات التي تحذر من وقوع حرب تجد فيها إسرائيل نفسها في مواجهة مواد خطيرة تجني حياة آلاف الإسرائيليين من دون أن تكون مستعدة لذلك، ومثل هذه الاستنتاجات تضمنها تقرير مراقب الدولة الأخير.
ففي إسرائيل تتركز بعض المنشآت التي توجد فيها مواد خطيرة، بجوار تجمعات سكانية مكتظة. وهذه المنشآت معرضة لتهديدات أمنية وفي حال تعرضت لقصف وأصيبت فستتسبب في قتل الكثيرين.
مراقب الدولة فحص في تقريره موضوع الاستعداد لمثل هذا السيناريو، ووجد أنه "على الرغم من هذا التهديد، فإن خطط حماية هذه الأماكن في قسم التخطيط، سلطة الطوارئ الوطنية ووزارة حماية البيئة، ليست كاملة". وبحسب التقرير، فإن وزارة حماية البيئة ومنظومة السايبر الوطنية لم تستعدّا أيضاً لحالة هجمة إلكترونية على قسم من المشاريع التي تشمل المواد الخطيرة. كما يتبين من التقرير أن جزءاً من التراخيص التي أصدرتها وزارة حماية البيئة لجهة في حوزتها مواد خطيرة، جددتها الوزارة من دون أن تتلقى موقفاً من قيادة الجبهة الداخلية.
وفي دفاعها عن التهم الموجهة إليها في تقرير مراقب الدولة أعلنت وزارة الأمن أن "سلطة الطوارئ، بلورت في 2021، سيناريو خاصاً محدثاً لحرب في الأعوام 2022 – 2026، وفي هذه الأيام تعمل السلطة على عرض السيناريو على عموم الوزارات الحكومية والسلطات المختصة".
أما الجيش فرد على التقرير ببيان جاء فيه، "استعداد قيادة الجبهة الداخلية لإصابة منشآت المواد الخطيرة في القتال يجد تعبيره في التحصين المادي لحائزي المواد الخطيرة"، زاعماً أن "99 في المئة من حائزي المواد الخطيرة، محصنون".