Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة الانتعاش السياحي لكردستان العراق بعد انتكاسات متتالية

انتهجت حكومة الإقليم سياسات جديدة لرفع أعداد السياح وخفضت الرسوم والضرائب

تلال منطقة شقلاوة في إقليم كُردستان العراق (الموقع الرسمي لهيئة السياحة العامة في إقليم كُردستان العراق)

شكّل إعلان الهيئة العامة للسياحة في إقليم كُردستان العراق، عن أعداد السياح الذين دخلوا إقليم كُردستان في أول أيام عيد الفطر، مفاجأة بالنسبة لشركات الاستثمار، حين قالت إن "قرابة 150 ألف سائح زاروا المحافظات الكردستانية الأربع، وإن نسبة الإشغال في الفنادق في مختلف مناطق الإقليم، خصوصاً في المناطق الجبلية الريفية، كانت مرتفعة. وشهدت الطرقات العامة نحو المناطق الجبلية في إقليم كردستان، ازدحاماً شديداً نتيجة ذلك. فالمصطافون الهاربون من ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق، توافدوا نحو الإقليم بأعداد كبيرة، خصوصاً أن عطل الأعياد تصادفت مع البداية الفعلية لعطل المدارس وأوائل فصل الصيف هذا العام.

يقول سليمان الصديد، وهو يافع عراقي من مدينة البصرة الجنوبية، إن "زيارة إقليم كردستان العراق لمدة أسبوعين كاملين، هي الهدية التي وُعدوا بها هو وإخوته من قِبل والدهم مُنذ عام 2018، وإن مجموع ما يخططون لصرفه خلال هذه الإجازة لا يتجاوز ما يصرفونه بالعادة في مدينتهم، خلال الفترة ذاتها، إلا بقدرٍ بسيط. مصاريف النقل والإقامة الفندقية تُعتبر معقولة للغاية حينما تتقسم على مجموعات شبابية كاملة".

وتوافق ريم الحاج خلف، وهي سائحة عراقية من العاصمة بغداد، الصديد الرأي في ما يخص الأسعار السياحية في الإقليم، لكنها تعتبر أن "مستوى الأمان والحريات الاجتماعية والمدنية في الإقليم هي أكثر ما يجذب أعداد السياح العراقيين الكبيرة، الذين لا يشعرون بالرخاء الاجتماعي في بقية المناطق".

تقديرات وسياسات عامة

يُعتبر هؤلاء المصطافون جزءاً من أربعة ملايين سائح، تعوّل حكومة إقليم كردستان العراق على زيارتهم الإقليم خلال العام الحالي، لتتجاوز الرقم الأعلى الذي حققه الإقليم سياحياً في آخر سنوات الانتعاش الاقتصادي من عام 2013، قبل هجوم تنظيم داعش على مناطق واسعة من الإقليم في صيف عام 2014، وانخفاض أعداد السياح إلى ما دون الـ10 في المئة منذ ذلك الحين.

خلال عام 2018 انتهجت حكومة الإقليم سياسات جديدة عدة، لرفع أعداد السياح الذين يزورون الإقليم، فقد خفّضت الحكومة الضرائب على الشركات والمؤسسات كافة التي تقدم الخدمات السياحية في الإقليم، المُختصة بمجالات النقل العام والفندقة والطبابة. فمسؤولو القطاع السياحي يعون جيداً أن النسبة العُظمى من السياح في الإقليم هم من أبناء الطبقة الوسطى اقتصادياً وما دون، من العراقيين بالذات، لذا فإن جذبهم عبر الشركات المحلية الترويجية يحتاج إلى أسعار محفزة.

كذلك سعت الحكومة المحلية للاهتمام بقطاعات جديدة من السياحة في الإقليم، مثل السياحة العلاجية وسياحة الخدمات المؤسساتية. فالإقليم يعرف بأن الانضباط الأمني والسلام الاجتماعي الذي يمتاز بهما عن بقية مناطق العراق، إنما يغري الكثير من المؤسسات العالمية الكبرى لأن تُشيد أفرعاً لمراكزها ومؤسساتها الخدماتية في الإقليم، لتكون مركز جذب للمواطنين من كامل العراق. فخدمات المؤتمرات العامة والمستشفيات الخاصة كادت أن تُضاهي في قدرتها على جذب السياح، قدرة المنتجعات الجبلية العديدة والشهيرة في الإقليم في جذب السائحين.

كذلك فإن حكومة الإقليم تسعى لأن تؤمن المستوى ذاته من الخدمات العامة التي كانت تؤمنها من قبل، تحديداً في مجال النظافة العامة والطرقات والالتزام المؤسساتي والتسهيلات البيروقراطية، لأنها تعرف أن القدرة على الجذب السياحي مرتبطة أولاً بقدرة الإقليم على تقديم تسهيلات وإغراءات استثمارية للشركات المختصة.

تجاوز ثلاثة ظروف

 تراجعت السياحة في إقليم كردستان طوال السنوات الأربع الأخيرة، نتيجة الظروف الخاصة التي مر بها الإقليم خلال تلك الفترة، وتسعى السياسة العامة الراهنة لأن تتجاوزها، وهي حققت جزءاً من ذلك خلال عام 2018، حين أعلنت الهيئة العامة للسياحة في الإقليم أن "محصلة أعداد السياح في الإقليم عام 2018 تجاوزت ما كانت عليه عام 2017 بنسبة وصلت إلى 47 في المئة.

هجوم داعش 2014

شكل هجوم داعش على إقليم كُردستان واحتلال مناطق واسعة منه خلال صيف عام 2014، تحدياً استثنائياً للقطاع السياحي. فإقليم كردستان اعتبر بكامله ساحة حربٍ لمواجهة التنظيم. ونتيجة الهجوم، تراجعت نِسب السياح إلى ما دون العُشر، لعدم ثقة المُصطافين بالأحوال العامة في الإقليم، وانقطاع شبكة الطرق بين الإقليم والمناطق الأخرى من العراق. فتنظيم داعش كان على امتداد أكثر من 1200 كيلومتر مع الإقليم. لكن سلطات كردستان كانت تركز على نقطة "أنه على الرغم من تلك الحرب الطويلة، فإن مُدن وحضارة إقليم كُردستان، لم تشهد أية خروقات أمنية قط".

كذلك فإن الإقليم دخل في أزمة اقتصادية حادة، اعتباراً من عام 2014، بسبب تراجع أسعار النفط إلى ما دون الثُلث، وبسبب قطع الحكومة المركزية لحصة الإقليم من الميزانية العامة، ولتراجع الموارد من عوائد التجارة الإقليمية التي تمر عبر كُردستان إلى بقية مناطق العراق، بسبب انقطاع الطرق. كان لتلك الأزمة أثر على تراجع قدرة الإقليم على تقديم خدمات عامة عالية الجودة وتطوير البُنى التحتية والاستمرار في المشاريع الاستراتيجية.

إعادة الدور السياحي

تسعى حكومة الإقليم في الوقت الحالي، إلى تحويل السياحة إلى أهم القطاعات التي تخلق موارد للخزينة العامة إلى جانب الصادرات النفطية، وأن يكون للسياحة دور أساسي لتشغيل قطاعات واسعة من طالبي العمل من سكان الإقليم، من الذين لا تستطيع مؤسسات الحكومة العامة استيعابهم.

ختاماً، فقد تراجعت السياحة في الإقليم نتيجة "سوء الفهم الوطني" الذي شهده كردستان في علاقته مع بقية مناطق العراق، خلال إجراء استفتاء الاستقلال في خريف عام 2017 وما تلاه من أحداث. فللمرة الأولى مُنذ عام 1991 عادت أجواء المواجهة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق، وهو ما كان يخلق نوعاً من الريبة المُتبادلة، حتى بين القواعد الاجتماعية في كلا المنطقتين من العراق، وهو ما تسعى سياسة حكومة إقليم كُردستان العراق السياحية تجاوزه راهناً.

المزيد من العالم العربي