Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليابان... انتهى زمن التابوهات العسكرية

عودة إلى سماوات التسلح وبناء جيش متسق وإرهاصات حيازة أسلحة نووية بعد التحريم الذي ألقي على طوكيو نهاية الحرب العالمية الثانية

خلال توقيع وثيقة استسلام اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية (غيتي)

هل انتهى زمن الحصار العسكري المفروض على اليابان منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وحتى الآن؟

يبدو أن علامة الاستفهام المتقدمة، قد عادت مرة أخرى إلى دائرة النقاش المعمقة في الداخل الياباني، لا سيما بعد الأزمة الأوكرانية الأخيرة، وكما اكتشفت الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية أنه كان من الخطأ حرمان ألمانيا من بناء جيش نظامي، فإنه بالمثل تبدو مسألة حرمان اليابان من التسلح خطأً استراتيجياً، لا سيما أنها واقعة جغرافياً بين مطرقة روسيا وسندان الصين، ولولا الدعم الأميركي لليابان باعتبارها الضلع الثالث من أضلاع الرأسمالية العالمية، لربما كانت قد تعرضت لعواصف عاتية من قبل الدولتين الجارتين الكبيرتين.

ما الذي يجري في اليابان، وإلى أين تمضي طموحاتها العسكرية، وهل يمكن أن نرى انتشاراً نووياً بالفعل على أراضي اليابان وبخاصة بعدما شاهد اليابانيون ما جرى ويجري في أوكرانيا؟

العديد من التساؤلات المعمقة حول المشهد العسكري الياباني، نحاول تلمسها في هذه القراءة التي تبدأ من عند تاريخ اليابان العسكري، وصولاً إلى المادة التاسعة من الدستور الياباني، تلك التي تم التوافق عليها عام 1946 بعد هزيمة اليابان وقصفها لأول وآخر مرة في تاريخ البشرية بقنابل نووية.

اليابان حضور عسكري قبل آلاف السنين

كشأن بقية الحضارات القديمة كان لا بد لليابان من جيش يدافع عنها ويحمي ترابها الوطني، وبالرجوع إلى الموسوعات الكبرى لا سيما البريطانية، نجد حديثاً عن تاريخ عسكري ياباني يعود إلى عصر "جومون"، أي 1000 سنة قبل الميلاد، وغالب الأمر أن تلك الحقبة التاريخية قد شهدت الكثير من الصراعات القبلية، وصولاً إلى بعض الغزوات الخارجية من قبل فرسان من جزيرة كوريا، انتشروا في أرجاء اليابان.

ولعل ما جعل اليابانيين يولون اهتماماً خاصاً بالجيوش النظامية، تعرضهم للعديد من الحروب الخارجية، فعلى سبيل المثال هاجم المغول اليابان أكثر من مرة، غير أن محاربي الساموراي استطاعوا التصدي لهم، كان ذلك في القرن الرابع عشر، ومن بعدها بدأ تجنيد المحاربين وتكوين فرق عسكرية يابانية أولية.

على أنه ومع زمن نهضة اليابان الحقيقية في عصر "الميجي" (1868-1912)، بدأت اليابان طريقها لعالم العسكرية القوية المنظمة وبأسلحة حديثة وعصرانية، لا سيما بعد أن أظهرت الصين أطماعاً استعمارية في الأراضي اليابانية، وقد استمرت تلك الحرب من 1894 إلى 1895، وقد نشب النزاع أول الأمر على كوريا.

انتصرت العسكرية اليابانية على محاولات إمبراطورية تشينغ الصينية، وانتقل مركز السيادة الإقليمي في شرق آسيا لأول مرة في التاريخ من الصين إلى اليابان على يد ميجي.

لم تكن روسيا بعيدة بحال من الأحوال من الصراع المتوقع مع اليابان، وقد تمكنت اليابان من تصنيع أسلحتها محلياً، قبل أن تدخل في حربها مع الروس عام 1904 التي امتدت إلى عام 1906، وقد كانت اليابان أول بلد آسيوي يوقع على معاهدة دفاع مشترك مع بلد أوروبي، هو بريطانيا.

"المادة التاسعة"... نهاية طموحات اليابان العسكرية

تاريخياً تدفع القوة المتعاظمة الدول في طريق الإمبراطوريات، وهذا ما جرت به المقادير مع اليابان، التي سلكت سلوك القوى الاستعمارية، إذ توسعت إمبراطوريتها بسرعة شديدة في الفترة ما بين 1895 و1942، فقد بسطت قوتها على أجزاء من أراضي منشوريا، والصين، وإندونيسيا، والفيليبين، وماليزيا، وبابواغينيا الجديدة، ومستعمرة الهند الصينية الفرنسية، وبورما، وعدة جزر في المحيط الهادي.

وبحلول أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين وقبل الحرب العالمية الثانية بقليل، كانت قوة اليابان تعادل سدس قوة الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً، غير أن مسارات ومساقات الحرب العالمية الثانية، كان لا بد لها من أن تغير تلك الأوضاع وتبدل من طباع اليابانيين.

مع انضمام اليابان إلى مجموعة دول المحور بقيادة ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، دخلت البلاد في مواجهة واضحة وصريحة مع الغرب الأوروبي.

لم تكن الولايات المتحدة الأميركية قد دخلت الحرب إلى جانب الحلفاء، غير أن الهجوم الياباني على "بيرل هاربر" الميناء الأميركي الشهير، من قبل غارة جوية مباغتة شنتها البحرية الإمبراطورية في 7 ديسمبر (كانون الأول) 1941، غير مجرى التاريخ وأرغم الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية.

قصفت الولايات المتحدة في 6 و9 أغسطس (آب) على التوالي مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالقنابل النووية، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى استسلام اليابان، بشكل مهين لإمبراطورية آسيوية شرقية قديمة.

ولأن المنتصر يملي شروطه دوماً على المهزوم، فقد أرغم الحلفاء اليابان على أن تضع في دستورها مادة، تتخلى بموجبها عن حق السيادة في القتال، وبالتالي عدم الاحتفاظ بالقوات المسلحة ذات الإمكانات الحربية... ما الذي يقوله نص المادة التاسعة؟

"يتطلع الشعب الياباني بصدق وإخلاص إلى السلام العالمي القائم على أسس من العدل والنظام، ويتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة وعن القيام بأية أعمال عدوان أو تهديد بواسطة العنف كوسيلة لحل النزاعات الدولية". ومن أجل تحقيق الغاية من البند السابق، "لا يتم امتلاك قوات برية أو بحرية أو جوية أو غيرها من القوات العسكرية، ولا تعترف الدولة بحقها في خوض الحروب".

هل يعني ذلك أن اليابان لا تمتلك جيشاً؟

يخيل للكثيرين أن اليابان وبموجب هذا البند لا جيش لديها، لا سيما وأن القواعد الأميركية تقوم بدور الدفاع الرئيس عن البلاد.

غير أن حقيقة الأمر على خلاف ذلك، فعلى الرغم من أن المادة التاسعة من الدستور الياباني الذي كتب بعد هزيمة اليابان، والذي أوقف دستورها السابق المعمول به منذ عام 1889، في زمن تمددها الإمبراطوري، تمنع اليابان من إرسال جيشها إلى الخارج للمشاركة في أي عمل عسكري، فإنها لم تمنع من أن يكون لليابان جيش للدفاع ولحماية الأراضي اليابانية.

فسرت الولايات المتحدة وأوروبا المادة التاسعة بأنها محاولة لاحتواء النزعة العسكرية اليابانية، وربما يكون هذا صحيحاً بدرجة أو بأخرى، وإن كان اليابانيون قد رضخوا وقتها إلى قرار المنتصرين، إلا أنهم استمروا في بناء جيشهم الذي يشغل اليوم مكاناً بارزاً من بين الجيوش المتقدمة العشر حول العالم.

تنتشر القوة العسكرية اليابانية في كل أراضي البلاد، وتقدم نفسها رسمياً على أنها امتداد لقوات الشرطة، ولا يمكنها مغادرة حدود اليابان إلا إذا ذهبت إلى بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة.

على أن ما لا يتنبه له كثيرون، هو أن ما جرى في اليابان وبإشراف الجنرال الأميركي الشهير دوغلاس ماك آرثر، لم يكن مجرد نزع سلاح وعسكرة اليابان فقط، بل طمس الهوية العسكرية اليابانية من قلب المجتمع، وذلك من خلال إلغاء جميع النوادي والمدارس والجمعيات المرتبطة بالقوات المسلحة وفنون الدفاع عن النفس، كما تم إلغاء الموظفين، إلى جانب وزارتي الجيش والبحرية، وأيضاً تم تعطيل الصناعات التي خدمت القوات المسلحة اليابانية في زمن الحرب العالمية الثانية.

ما واقع القوات العسكرية اليابانية اليوم؟

باختصار غير مخل لدى اليابان نحو 250 ألف رجل، تشملهم القوة المعروفة باسم "قوات الدفاع الذاتي الياباني" أو الـ"جييتاي"، إضافة إلى 60 ألف رجل من القواعد العسكرية الأميركية.

تنقسم قوات الدفاع اليابانية إلى خمسة جيوش وخمس مناطق بحرية وثلاث قوات دفاع جوي، وتتراوح أعمار الذين يخدمون في تلك الفروع بين 18 و49 سنة.

يشمل الفرع البري من القوات اليابانية نحو 150 ألف فرد، ويتوزع العدد الباقي على القوات الجوية والبحرية، هناك نحو 60 ألف احتياطي.

ومن بين الشروط التي فرضها الحلفاء على اليابان، أن تبقى الموازنة العسكرية اليابانية في حدود ثلاثة في المئة فقط من إجمالي ميزانية البلاد، يتم إنفاق نحو 50 في المئة منها على القوات، والباقي مقسم بين الإمدادات والأسلحة الجديدة والترقيات وما إلى ذلك.

إلغاء المادة التاسعة وتغيير الدستور الياباني

بعد نحو ثمانية عقود تقريباً من نهاية الحرب العالمية الثانية وكذا من استسلام اليابان ووضع مادة مذلة للكرامة والسيادة اليابانية في الدستور الياباني الجديد، تبدو هناك أجيال يابانية جديدة رافضة لما جرى، ومطالبة بتغيير المشهد الدستوري وبما يسمح لليابان بإعادة تنظيم صفوفها العسكرية مرة جديدة.

فعلى سبيل المثال في عام 2014، قدمت اليابان إعادة تفسير أعطى مزيداً من الصلاحيات لقوات الدفاع عن نفسها، مما سمح لهم بالدفاع عن حلفاء آخرين في حالة الحرب المعلنة عليهم.

منذ ذلك التاريخ وهناك حالة من الجدل الدائرة داخل المجتمع الياباني بين الأجيال الطاعنة في السن التي عرفت مرارة الحرب والهزيمة، وهي تحذر وتنذر من إعادة العسكرة إلى سماوات اليابان مرة أخرى، والأجيال الشابة التي ترى أنه من حق اليابان أن تعيد بناء قواتها المسلحة لا سيما في ظل المخاوف الظاهرة من جيران مثل كوريا الشمالية، التي لا يوفر نظامها التهديدات صباح مساء كل يوم، وهناك تهديدات أخرى خفية من روسيا حيث النزاع على جزر الكوريل قائم حتى الساعة، فيما يبقى الرعب الأكبر من التطورات العسكرية الصينية الماضية على قدم وساق، وبخاصة ميل الصين لبناء قوة نووية تصل إلى عشرة آلاف رأس، الأمر الذي أماطت عنه اللثام الأقمار الاصطناعية الأميركية قبل نحو عام.

تالياً وفي شهر سبتمبر (أيلول) 2015 أعاد البرلمان الوطني الياباني تفسير موقع وموضع المادة التاسعة من الدستور، وذلك من خلال سن سلسلة من القوانين التي تسمح لقوات الدفاع عن النفس اليابانية بتقديم الدعم المادي للحلفاء المشاركين في القتال دولياً.

جاء التفسير ليميل إلى تعزيز قدرات اليابان العسكرية، ومنطلقاً من أن الفشل في الدفاع عن أو دعم حليف من شأنه أن يضعف التحالفات ويعرض اليابان للخطر.

هل هذه هي إذن بداية مغايرة لإعادة ترتيب أولويات اليابان، التي كانت طوال العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تبدأ من عند السلم الاقتصادي، وقد حققت نجاحات كبيرة في هذا الإطار، لتنعكس الصورة بالاهتمام بالجانب العسكري بصورة أشمل وأعم؟

عن مخاوف اليابان من روسيا والصين

الجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة لا يمكن أن يمضي بعيداً من التغيرات الجيوسياسية، التي باتت تضرب منطقة شرق آسيا، ويمكن تقسيمها إلى قسمين:

القسم الأول ويتمحور حول الدور الروسي، والمخاوف التي بدأت تنتاب المنطقة الأوراسية من جراء طموحات القيصر بوتين، الرجل الساعي عند البعض إلى إحياء الإمبراطورية السلافية مرة جديدة، وما يجري في أوكرانيا قد يكون بداية المخاض إن جاز التعبير، ولهذا فإنه على اليابان أن تقلق بالفعل.

القسم الثاني موصول بالصين، التي تكاد تشكل حلفاً مع روسيا، حتى وإن كان حلف الأضداد، بمعنى أن البراغماتية الممتدة من موسكو إلى بكين، سوف تجمع الجانبين صفاً واحداً في مواجهة أضلاع المثلث الرأسمالي الأميركي الأوروبي الياباني بنوع خاص.

ولعل الجانب الأول المتعلق بروسيا هو الأكثر خطراً على اليابانيين في الوقت الراهن، وبخاصة في ظل الخلافات على جزر المحيط الهادي المتنازع عليها، وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي لافروف بتأكيده أن الطريق طويل وشاق للتوصل إلى حل بشأن هذه المسألة، وهو ما ألمح إليه أيضاً وزير الخارجية الياباني السابق تارو كونو بقوله: إن حل مشكلة بقيت عالقة لسبعين عاماً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ليس بالأمر السهل.

هنا يبدو الخلاف الروسي - الياباني دافعاً جديداً لعسكرة المشهد الياباني، لا سيما أن طوكيو ترفض سيادة موسكو على تلك المنطقة، ما حال ويحول حتى الساعة دون توقيع معاهدة سلام تنهي الأعمال العدائية رسمياً بين روسيا واليابان، هذا على الرغم من أن رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، والرئيس الروسي بوتين، قد عقدا أكثر من 25 لقاء منذ عام 2013 في مسعى للتعاون على معالجة ذلك الصراع، لكنهما يواجهان معارضة داخلية لأي تنازل.

هل تطورت الهواجس اليابانية تجاه روسيا إلى مرحلة ما أبعد من جزر الكوريل؟

يمكن أن يكون ذلك كذلك، لا سيما بعد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو ما يتبدى بشكل واضح في مراجعة يابانية لاستراتيجية الأمن القومي للبلاد تصف روسيا بأنها "تحدٍّ أمني"، والعهدة هنا على الراوي صحيفة "يوميوري" اليابانية.

وتضيف الصحيفة اليابانية الشهيرة، أنه بعد غزو أوكرانيا فإنه لا يمكن بحال من الأحوال وصف روسيا بأنها شريك استراتيجي، حتى وإن كانت هناك أسئلة لا تزال معلقة بقضايا الطاقة والتعاون بشأنها ما بين طوكيو وموسكو.

على الجانب الروسي بدا كأن موسكو غير مرتاحة لتوجهات اليابان الأخيرة، وهذا ما أعربت عنه الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، التي أعلنت أن "ربط وزارة الخارجية اليابانية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا بدخول جزر الكوريل الجنوبية، الخاضعة للسيادة الروسية، أمر له نزعة انتقامية"... تصريحات زاخاروفا كانت قاسية جداً، ذلك أنها أضافت "أن موسكو تنصح بنسيان الأمر".

ومع تسارع الأحداث في أوكرانيا، بات من الواضح أن موقف اليابان غير ودود من روسيا بل على العكس بالمرة، فقد جمدت طوكيو أصول البنك المركزي الروسي لديها، وأعلن وزير المالية الياباني أن طوكيو وواشنطن متفقتان على أن تدفع روسيا ثمن انتهاك سيادة أوكرانيا، فيما أكد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا أن بلاده ستفرض مجموعة من العقوبات ضد روسيا.

والثابت أن المخاوف اليابانية من روسيا قد تصاعدت في الأيام الأولى من مارس (آذار) الحالي، لا سيما بعد أن سجلت اختراق مروحية روسية مجالها الجوي قبالة شاطئ جزيرة هوكايدو.

 ولأن اليابان تعاني في الأعوام الأخيرة اختراقات طائرات وسفن جارتيها النافذتين الصين وروسيا مجالها الجوي، وفي مناطق بحرية متنازع عليها، لذا طرأ متغير أكثر إثارة على صعيد عسكرة المجال الياباني... ماذا عن ذلك؟

شينزو آبي ونشر أسلحة نووية في اليابان

لعل المتغير الذي نحن بصدده موصول بأسلحة الدمار الشامل، وبخاصة الأسلحة النووية، ففي ظل المخاوف اليابانية من تطور المشهد الروسي في أوكرانيا، وعدم المقدرة على التنبؤ بما يدور في عقل القيصر بوتين، دعا رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي إلى إعادة النظر في فكرة تحريم نشر أسلحة نووية على الأراضي اليابانية.

آبي وفي برنامج تلفزيوني ياباني قال ما نصه "في حين أن اليابان لديها ثلاثة مبادئ غير نووية (تنص المبادئ على أن اليابان لن تمتلك الأسلحة النووية ولا تصنعها، كما أنها لا تسمح بدخولها إلى الأراضي اليابانية)، فإن إجراء مناقشات حول الواقع وكيفية حماية سلامة العالم لا ينبغي اعتباره من المحرمات... ما الذي يعنيه آبي بهذه الكلمات؟

باختصار غير مخل، الدعوة إلى كسر التابوهات التي تحرم اليابان بموجبها نشر أسلحة نووية على أراضيها.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الياباني الحالي فوميو كيشيدا قد رفض هذا التوجه، فإن دعوة شينزو آبي بدا كأنها قد غازلت الكثير من العقول اليابانية، سواء من اليمين المعتدل أو اليمين المتشدد.

يكتب توبياس هاريس، مؤلف سيرة آبي الذاتية مشيراً إلى أن تصريحات الرجل تشير إلى أن "المحرمات المتعلقة بمناقشة هذا الموضوع قد تآكلت بشكل كبير على مدى السنوات الخمس عشرة إلى العشرين الماضية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أميركا وصنع اليابان سلاحها النووي

تبدو قصة اليابان مع السلاح النووي قصة مثيرة للغاية، والسؤال المطروح هنا: هل تسمح واشنطن لليابان بصنع سلاحها النووي كتكفير عن منعها من تكوين جيش مستقل منذ الحرب العالمية الثانية، أم أن الفكرة غير مطروحة؟

ربما يسبق الجواب الحديث عن القدرات اليابانية في هذا المضمار، والحقيقة هي أن اليابان لديها الخبرات العلمية، كما أن لديها نحو 90 في المئة من البلوتونيوم اللازم لإنتاج مثل ذلك السلاح، وهي الدولة الوحيدة في العالم غير المسلحة نووياً التي لديها برنامج لإعادة معالجة الوقود النووي المستهلك في المحطات النووية السلمية، غير أن هذا الاحتياطي الهائل قد بدأ يثير المخاوف لا في آسيا فقط، بل عند واشنطن أقرب الحلفاء وأوثقهم لطوكيو.

في سبتمبر الماضي، نشرت مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية الشهيرة دراسة عن هذه الإشكالية وخلصت فيها إلى أنه كان يمكن لليابان بسهولة صنع قنبلة نووية لردع الصين، لكن الولايات المتحدة خشيت من أن يؤدي ذلك إلى تغيرات في موازين القوة خلال زمن الحرب الباردة والمزيد من الانتشار النووي الآسيوي وحول العالم.

السؤال الأخير: هل يمكن لواشنطن أن تعطي اليابان الضوء الأخضر لصنع سلاحها النووي، وبخاصة في ظل التطورات الروسية المخيفة من جهة، وبناء الصين سوراً نووياً جديداً تحت الأرض من جهة أخرى؟

في كل الأحوال ربما لن ينتظر اليابانيون القرار الأميركي ويسعون إلى تعزيز قدراتهم العسكرية التقليدية والنووية من غير طلب الإذن والسماح من أي أحد، ذلك أن طرح القضايا المصيرية يبدأ من الذات لا من الآخرين.

المزيد من تقارير