Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تدفق الاستثمارات الخارجية على تونس يصطدم باضطراب الاستقرار

مدير عام وكالة النهوض لـ"اندبندنت عربية" يؤكد أهمية استقطاب رؤوس الأموال وتعزيز رؤية اقتصادية للحد من الخسائر

تُعلِّق تونس آمالاً كبيرة على تجاوز تداعيات جائحة كورونا، التي أثّرت في نسق الحركة الاقتصادية، لا سيما قدرتها على استقطاب الاستثمار الأجنبي المُدرّ للعملة الأجنبية، بخاصة إحداث مواطن شغل جديدة.

ولئن شكّل جذب المستثمرين الأجانب وكبرى الشركات العالمية أحد أهم عناوين قصة نجاح تونس الاقتصادية قبل عام 2011، فإن الوضعية في العقد الأخير تعقّدت كثيراً، والذي شهد فتوراً واضحاً في قدوم المستثمرين الأجانب، بسبب الأزمات السياسية المُتتالية، وتواصل حالة الانتقال الديمقراطي، بخاصة غياب رؤية اقتصادية واضحة المعالم تطمئن صناع القرار الاستثماري العالمي.

وأقر عبد الباسط الغانمي، المدير العام لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (حكومية)، بأن الأوضاع السياسية في السنوات العشر الأخيرة، وما رافقها من اضطرابات وعدم استقرار أثّرت في نسق تدفق الاستثمارات الخارجية على تونس بتسجيل مستويات أدنى من قبل 2011.

وأكد في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أنه على الرغم من الأوضاع السياسية غير المستقرة والوضعية الاستثنائية التي تمر بها، فإن تونس لا تزال وجهة استثمارية جاذبة للمستثمرين الأجانب، كاشفاً عن إعداد خطة جديدة طموحة لتحسين مناخ الأعمال في البلاد.

وتعرف تونس منذ عدة سنوات صعوبات اقتصادية أثّرت في مجمل مؤشراتها، وتسجيل تراجع تصنيفاتها في عدة مجالات على غرار البنية التحتية ومناخ الأعمال.

وتوجد نحو 3700 مؤسسة أجنبية تنشط أساساً في قطاع الصناعات المعملية في تونس.

تراجع ملحوظ

عن قراءته لتراجع الاستثمارات الخارجية المتدفقة في الأعوام الأخيرة، أفاد الغانمي بأن هذه الاستثمارات عرفت على امتداد عام 2021 شبه استقرار، على الرغم من المنحى التنازلي المسجل خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إذ تراجعت 0,5 في المئة، مقارنة بـ2020، و29,1 في المئة قياساً على 2019، و34,5 في المئة مقارنة بعام 2018.

وأرجع محدثنا دواعي هذا المنحى التنازلي أساساً إلى تأثر البلاد بالتداعيات الناجمة عن جائحة كورونا على غرار أغلبية دول العالم، باستثناء اقتصادات الصين، التي شهدت ارتفاعاً في استثماراتها، جرّاء الاضطرابات في سلاسل الإنتاج وسلاسل التوزيع وتحجير التنقل بين دول العالم.

كما أشار إلى أن غياب وضوح الرؤية وعدم الاستقرار السياسي، الذي كان له انعكاسات على الوضع الاقتصادي، كان من بين العوامل التي أسهمت في الحد من تدفق الاستثمارات الدولية على تونس.

لكن، على الرغم من تراجع الاستثمارات، فإنه جرى تسجيل إنجاز قرابة 500 عملية استثمار، أغلبها في شكل توسعة مشاريع قائمة في السابق، ليظل أكبر تحدٍّ لتونس هو استقطاب استثمارات جديدة في البلاد.

تراجع الاستثمارات الأجنبية

وعما إذا كان للتحولات السياسية الأخيرة التي حصلت في البلاد واستمرار حالة الانتقال الديمقراطي أثر في مدى إقبال المستثمرين الأجانب على الاستثمار في تونس، قال عبد الباسط الغانمي، "لا أحد ينكر في تونس خلال السنوات العشر الأخيرة التراجع الظاهر في الاستثمارات بجميع أنواعها، الاستثمار الحكومي، والاستثمار الخاص، عمّقه تقهقر الاستثمارات الخارجية".

واعتبر أن المستثمر الأجنبي لا يتحرك، ويقرر المجيء إلى تونس إلا عند تأكده من أن الدولة والمستثمر التونسي ينجزان المشاريع، لكن غياب الرؤية على المدى المتوسط والبعيد لا يُمكّن من تشجيع المستثمرين على إحداث المشاريع.

كما أن عدم الاستقرار الحكومي بتعيين كل عام ونصف العام حكومة جديدة، تقدم تصورات مختلفة وبرامج عمل مغايرة، أسهم بشكل غير مباشر في تراجع إقبال المستثمرين الأجانب على المجيء إلى تونس والإقامة بها.

وشهدت تونس في السنوات الأخيرة عدم استقرار على جميع الصعد أمنياً واجتماعياً واقتصادياً.

عدم استقرار التشريعات

يتذمر عديد من صناع القرار في عدة دول من عدم وضوح الرؤية السياسية والاقتصادية، ما جعلهم يحجمون عن التفكير في الإقامة في تونس، والتوجه إلى دول أخرى على غرار المغرب ومصر.

وعلق المدير العام لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي على هذه المسالة أنه بالتوازي مع عدم الاستقرار السياسي فإن هناك عدم استقرار على مستوى التشريعات الاقتصادية، لا سيما عدم الاستقرار الضريبي.

وأقر في هذا الصدد بأن عديداً من المستثمرين الأجانب، والتونسيين، يتذمرون من عدم الاستقرار في النصوص القانونية، بخاصة منها الضريبية التي تتضمنها قوانين المالية سنوياً. ودعا في هذا الصدد إلى اعتماد الاستقرار في التشريعات الاقتصادية، ما يعطي رؤية على المدى المتوسط والبعيد للمستثمرين لبرمجة استثماراتهم.

لكن، على الرغم من هذه الوضعية المحرجة والمقلقة التي ترجمها تراجع الاستثمارات الخارجية، يرى المتحدث أن الوكالة في اتصال مباشر بالمستثمرين وبصناع القرار في الخارج الذين أبدوا رغبة في الإقامة في تونس، لكن الإشكال يظل في عدم إنجاز المشروع نتيجة للعوامل السابقة.

وشدد على أنه من الضروري في ظل الفترة الحالكة، التي تمر بها البلاد، أن يعطي المسؤولون الحكوميون رسائل طمأنة للمستثمرين الأجانب والتونسيين بالشروع في إنجاز الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.

موقع جاذب للاستثمارات

وبخصوص اعتباره أن تونس لا تزال موقعاً جاذباً للاستثمارات الدولية، وما عوامل ذلك؟ أجاب الغانمي بأنه على الرغم من تراجع حركة تدفق الاستثمارات الخارجية مع نهاية 2021، فإن تونس لا تزال تمتلك قدرة تنافسية، ما يُمكّنها من استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، إذ شهدت السنة الماضية أحداث 500 عملية استثمار بأكثر من 1300 مليون دينار (448 مليون دولار)، محدثة بذلك زهاء 12 ألف موطن شغل جديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا السياق، أشار المتحدث إلى أن الأرقام تترجم جاذبية الوجهة التونسية، التي وجب تعزيزها بالعمل على مزيد من تحسين مناخ الاستثمار، وتحسين القدرة التنافسية، بالأخص في مجالي البنية التحتية واللوجيستيك، ملاحظاً أن هذه العوامل يأخذها المستثمر الأجنبي في اعتباره عند اعتزامه بعث مشروعه في بلد ما.

كما يتعين العمل على التقليص من الإجراءات الإدارية، التي يتذمر منها المستثمرون، ورقمنة الخدمات.

وربطاً مع النتائج المسجلة، كثر الحديث في تونس بالمقابل عن مغادرة عديد من المؤسسات الأجنبية في السنوات الأخيرة، بسبب تصاعد وتيرة الإضرابات وعدم الاستقرار السياسي، نفى عبد الباسط الغانمي هذه المسألة بصفة قطعية، موضحاً أن كل ما يُشاع هو مجانب للحقيقة، وأن الوكالة لها إحصاءات دقيقة تكشف عن أن مغادرة المؤسسات الأجنبية لتونس يكاد يكون ضعيفاً جداً، وأن قرار مغادرتها أو غلقها يعود بالأساس إلى قرار الشركات الأم التي غيرت في استراتيجية عملها على المستوى الدولي.

وأضاف أن غلق المؤسسات أمر طبيعي في عالم الاستثمار، وأنه في حال اضمحلال شركات فإن شركات أخرى تظهر وتدخل حيز النشاط.

وكشف الغانمي عن أن المعطى الحقيقي يتصل بعدم قدرة تونس على جذب استثمارات أجنبية جديدة، كان من الممكن أن تأتي إلى تونس، لكنها توجهت إلى دول منافسة.

فرص استثمارية

كشفت جائحة كورونا عن صعوبات بالدول الأوروبية في التزود بالمواد الصحية من الدول البعيدة، لا سيما دول جنوب شرقي آسيا، وعن سبل توظيف تونس لهذه النقطة، وجعلها مركزاً في شمال أفريقيا في صناعات الأدوية والمواد الصيدلانية، أكد عبد الباسط الغانمي، أنه على الرغم من التداعيات السلبية للأزمة الصحية على نسق الاستثمارات الأجنبية، فإن هناك جانباً إيجابياً وجب استغلاله، وهو فرص تحويل جزء من الأنشطة التابعة للشركات الأوروبية من آسيا إلى جنوب حوض المتوسط.

إلى ذلك، اعتزام صناع القرار، بخاصة في الدول الأوروبية، عدم التعويل على التزود من مناطق بعيدة، كدول جنوب شرقي آسيا، وتحديداً الصين، والبحث عن مناطق قريبة على غرار دول شمال أفريقيا، وهو ما يوفر لتونس فرصة للتموقع لاستقطاب الاستثمارات الدولية، بخاصة منها الأوروبية في قطاعات حيوية على غرار الصناعات الصيدلانية وقطاع الأدوية.

وفي هذا الصدد، كشف عن أنه جرى الشروع في تلقي طلبات واستفسارات من عدة مؤسسات أجنبية متخصصة في صناعة الأدوية، التي ترغب في دراسة الإقامة في تونس لما تحظى به من مزايا تفاضلية لتطوير أنشطتها الاقتصادية في الفضاء الأورومتوسطي.

ورجح أن تتزايد هذه الطلبات عقب انتهاء الأزمة الصحية تأكيداً للدراسات الاستشرافية المنجزة على المستوى الدولي، ولعمليات اليقظة على الصعيد الوطني التي أقرت أن تونس بإمكانها الاستفادة من هذه الجائحة إثر انتهائها، وأن لها حظوظاً وافرة في استقطاب استثمارات دولية مهمة في هذا القطاع الواعد.

3 تظاهرات استثمارية

تستعد تونس في النصف الثاني من العام الحالي لاحتضان ثلاث تظاهرات استثمارية ترويجية كبرى، وهي منتدى تونس للاستثمار، ومؤتمر طوكيو للتنمية في أفريقيا "تيكاد 2022"، والمنتدى الاقتصادي على هامش القمة الفرنكوفونية، وعما إذا يعتبر المسؤول الأول عن الوكالة أن هذه التظاهرات قد تكون فرصة مهمة لتونس لاستعادة تموقعها على خريطة كبار المستثمرين في العالم، أكد أنه يتعين حسن استغلال هذه التظاهرات الترويجية المهمة، التي ستنعقد إثر انتهاء الأزمة الصحية العالمية، وتعطل تنظيم أهم التظاهرات الاستثمارية العالمية الكبرى.

ومن هذا المنطلق تنظم الوكالة في منتصف يونيو (حزيران) منتدى تونس للاستثمار الذي ينعقد مرة كل سنتين لإبراز عودة النشاط الترويجي، إضافة إلى احتضان تونس مؤتمر طوكيو للتنمية في أفريقيا "تيكاد" يومي 27 و28 أغسطس (آب) 2022 بحضور نحو 40 رئيس دولة أفريقية والمؤسسات المالية الدولية مع عقد مؤتمر اقتصادي رفيع المستوى على هامش احتضان تونس للقمة الفرنكوفونية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 في جزيرة جربة السياحية.

وشدد على وجوب حسن توظيف تونس لهذه المواعيد الاستثمارية البارزة، لتقديم مشاريع تمويل، بخاصة عرض جملة الإصلاحات الاقتصادية، التي تعتزم تونس القيام بها من أجل تطوير مناخ الأعمال في البلاد والدخول في ديناميكية اقتصادية جديدة تقطع مع سلبيات الحقبة الماضية.

تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية

ورداً على سؤال بخصوص أن الحرب الروسية - الأوكرانية قد تؤثر في تدفق الاستثمارات الخارجية في العالم، بخاصة في تونس في ظل توجه الدول الأوروبية إلى تخصيص موارد مالية هائلة لإعادة التسلح، أعرب المتحدث عن أمله في انتهاء الحرب في أقرب وقت وإحلال السلام في المنطقة.

وبين أن من ضمن سلبيات الحرب إمكانية تغيير بعض أوليات الدول في استراتيجية استثماراتها الخارجية، لكن ممكن خلق بعض الفرص (مشدداً على أنه ليس من دُعاة الحرب) على غرار أن دول أوروبا الشرقية هي دول منافسة لتونس في استقطاب الاستثمارات الخارجية، ويمكن حصول تحويل بعض المشاريع، التي كانت مبرمجة في دول أوروبا الشرقية إلى دول جنوب حوض المتوسط، ومن ضمنها تونس.

وتعكف تونس منذ يناير (كانون الثاني) على إعداد خطة تنموية جديدة للفترة 2023 – 2025، وعن الأولويات في مجال الاستثمار الخارجي وأهم الإصلاحات المبرمجة في مجال تحسين مناخ الأعمال وتعزيز جاذبية تونس أجاب المدير العام لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، أن الإشكال البارز في تونس في السنوات الأخيرة هو تعطل العجلة الاقتصادية، وأن أهم محرك هو الاستثمار، وتحديداً الاستثمار الأجنبي، إذ إن جُلّ الدول في منافسة كبيرة لجذب أكبر قدر ممكن من تدفق الاستثمارات.

وأعرب عن الأمل في أن تكون لهذه الخطة التنموية الجديدة رؤية استشرافية حديثة بالتركيز على القطاعات الواعدة، لكنه أشار إلى إعداد تونس لخطة أخرى على المدى البعيد في أفق عام 2035، هدفها إعطاء رؤية أكثر وضوحاً وطمأنة المستثمر الأجنبي بمعالجة الإشكاليات المتعلقة بالإجراءات الإدارية في اتجاه تسريع رقمنة الإدارة.

وجوب تعديل قانون الاستثمار

صادقت تونس في 2016 على قانون الاستثمار هل تعتقدون أنه بعد مُضي نحو 6 سنوات ظهرت عدة مساوئ، ونقاط ضعف، مما جعل عديداً يطالبون بإدخال تحويرات عليه.

وفي هذا الإطار، قال عبد الباسط الغانمي، إن تونس وضعت عديداً من الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تعديل سياسة الاستثمار، وإلى تحسين قدرة الاقتصاد التونسي على استقطاب الاستثمار الوطني والخارجي على حد سواء، لعل من أبرزها مراجعة المنظومة القانونية وتطويرها، إذ جرى عام 2016 سن إطار قانوني تحفيزي جديد للاستثمار دخل حيز التنفيذ في 2017، من بين أهدافه تبسيط الإجراءات القانونية الضرورية، لبعث المشاريع والحد من عدد الأنشطة التي تستوجب تصريحاً حكومياً. زد على ذلك تمكين الشركات الأجنبية من توظيف أجانب يتمتعون بالكفاءة.

كما يمنح قانون الاستثمار العديد من الحوافز التي جرى إقرارها اعتماداً على جملة من الأولويات تتمثل في التشجيع على التصدير والقدرة التشغيلية والتنمية الجهوية، بخاصة في المناطق الغربية للبلاد.

واليوم، وبعد مُضي قرابة ست سنوات من المصادقة على المنظومة القانونية للاستثمار، يرى الغانمي أنه لا بد من مراجعتها وتطويرها في إطار رؤية استراتيجية واضحة وجلية تتلاءم مع أولويات تونس التنموية الرامية إلى تحسين مناخ الأعمال وتنشيط دور القطاع الخاص في دفع الحركة الاقتصادية، من ناحية، وتواكب المتغيرات الهيكلية لخريطة الاستثمار في العالم في ظل الفرص المتاحة في عدد من الأنشطة الحيوية، التي أفرزتها الجائحة، من ناحية أخرى.

وخلص إلى أنه وجب الاشتغال على وضع استراتيجية قطاعية، تتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة يكون فيها للجهات الداخلية نصيب مهم من الاهتمام من خلال إبراز ميزاتها التفاضلية وإظهار مكامن الثروة فيها.

اقرأ المزيد