Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المحلل السياسي "ضارب ودع"

شبح الاتحاد السوفياتي لم يُدفن بعد وجثته تطلق بين حين وآخر روائح الحرب الباردة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

نعرف جميعاً أن أغلب الساسة منذ قديم الزمان لا يقدمون على اتخاذ قرارهم الخطر إلا وقد منحهم منجموهم الشارة، وبعد هذا فإنهم لا يثقون بأحد قدر ثقتهم في حدسهم. أما التنجيم فقد يلبس أيضاً روح زوجة الرئيس مثل الرئيس الأميركي رونالد ريغان، الذي أطلق حرب النجوم ومَن في عهده سُلبت روح الاتحاد السوفياتي.

إن السيدة نانسي ريغان، وقد كانت زوجة ريغان 52 سنة حتى وفاته، مثلت الدرع الواقية لزوجها، وقد استعانت بعرّاف ليساعدها في تخطيط الجدول الزمني للرئيس الذي ذكر ذلك في مذكراته الصادرة في عام 1988.

وكتبت نانسي فيما بعد تبرر فعلها، "كان التنجيم أحد الطرق التي لجأت إليها لأطمئن نفسي بعد الذعر الذي أصابني حين أوشك زوجي على مفارقة الحياة".

هذه المقاربة المفارقة تبدو وكأنها السبيل عند جموح السبل، فحتى السائس الماهر تغلبه الخيل الجامحة، ومن ذلك فإن كان للبيوت أسرارها فإن السياسة بيت الأسرار، فالقرار السياسي يكبر ككرة ثلج حتى يكون جبل الثلج ليس للقاصي بل وللداني أيضاً، بخاصة في أنظمة الحاكم الفرد.

لقد شاهدت الأيام الفائتة عبر محطات التلفزيون اجتماع مجلس الأمن الروسي برئاسة فلاديمير بوتين الذي كان يجلس على طاولة صغيرة، بينما الأعضاء يجلسون على كراس بعيداً في صالة كبيرة، ومَن يعطيه الرئيس الكلمة ينهض إلى ميكرفون بعيد.

كان هذا يجري في فضاء مسرحي واسع كل يؤدي فيه دوره في شبه عزلة وفراغ، فيما الرئيس بملامحه الجامدة مخرَج غائب عن المسرح لا ينصت ويرسل من دون أن يتلقى.

طبعاً المشاهد مشدود بالمشهد العجيب، فمن العادة أن مجالس الأمن تُعقد في غرف مغلقة، وعلى الرغم من أنه يشاهد جلسة علانية لكن تشوبها الأسرار، فكلمات الممثلين وملاحظات المخرج لا تضيف شيئاً للمشاهد من عرف قبل عبر محطات الأخبار ما يسمع وما يشاهد، وفي هذا الحال يخرج عند إغلاق الستارة كما دخل عند فتحها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مؤتمر ميونيخ للأمن قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته، "لا أعرف ما الذي يريده الرئيس الروسي، ولهذا السبب أقترح بأن نلتقي". وكان الكاتب الليبي عطية الأوجلي كتب معلقاً، "هل يستطيع ممثل كوميدي كل خبرته في الحياة كانت في التمثيل وإضحاك الناس، هل يستطيع إذا ما رشح نفسه وفاز أن يدير شؤون الدولة؟ الممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي الذي يتولى الرئاسة في أكثر بقع العالم سخونة فاز خلال الانتخابات وأصبح ضمن قلة من الرؤساء الذين أتوا إلى السياسة من أستوديوهات الفن، وأشهرهم بالطبع كان الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، غير أن الرياح السياسية أتت بما لا تشتهي سفن الرئيس الفنان".

مَن يعرف المسرح يعرف أن المخرج قد يفاجئ نفسه في أثناء عملية الإخراج فما بالك بالممثلين؟ فالسيناريو ملاحظات على الورق، لكن تجسيده على يد البشر يتكيف وفق المعطيات والمقاربات والتفاعلات.

وهكذا فإن العملية السياسية التي نتابع تشارك فيها أطراف عدة وتتعدد معطياتها، بخاصة عندما تكون وسائلها عسكرية، ولهذا كان ما شاهدنا عبر محطات التلفزيون وكأننا لم نشاهده، فلم أتمكن من المغزى ولم أتلق رسالة بوتين على الرغم من أني لم أكن مثله شارد الذهن وعلى رأسي الطير.

لكن هناك مثلاً ليبياً يقول، "فلان يأكل ويقيس"، ولهذا يبدو بوتين الغامض كما أراد أن يصفه رئيس المخابرات الأميركية يعرف ما يريد، لكنه لا يعرف ما يفعل لأنه يخاف أن يفعل ما يريده الأميركيون كما فعل القادة السوفيات، السلف غير الصالح.

يبدو أن بوتين ثم الروس فالعالم، بخاصة غربه، ما زالوا يشاهدون شبح الاتحاد السوفياتي ما لم يدفن بعد، وجثته تطلق بين حين وآخر روائح الحرب الباردة، فما نتج من الحرب الكبرى الثانية باق على المذبح حتى إن كهان القوى العظمى يصفون ما يحدث بأنه لم يحدث منذ الحرب الكبرى الثانية ولا في خليج الخنازير، وآذان العالم مصعوقة بطنين الذباب والضجة الإخبارية الأطلسية، وآذان الأوكراني مصابة بالطرش نتيجة لجنازير دبابات بوتين منذ سنين.

من دون تعليق جاء في النبوءة الـ 100 من كتاب النبوءات الصادر في القرن الـ 16 للصيدلاني والمنجم نوستراداموس، "سيكون هناك اضطراب مريع في الجزر/ على الرغم أن المرء لا يسمع إلا الطرف المحب للحرب/ سوف يكون خطر النهابين كبيراً جداً/ إلى حد أنهم سيأتون للانضمام إلى الحلف الكبير".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء