Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتشار ظاهرة "تجارة المآسي" في المغرب

استغلال الفقر لطلب المساعدة وجمع التبرعات عبر مواقع التواصل لكسب ثروات هائلة

استياء في المغرب من استغلال جمع التبرعات للربح المادي (أ ف ب)

يشهد المغرب جدلاً واسعاً حول ظاهرة الاحتيال من خلال استخدام جمع التبرعات، حيث يقوم البعض باستغلال الفقر والمآسي للقيام بحملات وهمية لجمع التبرعات على مواقع التواصل الاجتماعي، يسعون من ورائها إلى كسب ثروات مادية هائلة. 

وعبّر مواطنون ومراقبون عن استيائهم من تنامي ظاهرة استغلال جمع التبرعات لمآرب شخصية، مطالبين بمكافحتها، لكونها غير أخلاقية وتسيء لسمعة البلاد.

وندد إدريس السدراوي، الرئيس الوطني للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، بالفوضى التي يعرفها مجال "التماس الإحسان العمومي"، مشيراً إلى أن هناك "من أصبح يعتمدها مهنة يسعى من خلالها للثراء السريع مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي بمهنية كبيرة، حتى أصبح المتصفح للعديد من هذه الصفحات يكاد لا يرى إلا الكوارث والحالات المتخلى عنها اجتماعياً وطبياً واقتصادياً"، موضحاً أنه بالنظر إلى ذلك "أصبح يخيل للعديد من الأجانب والمغاربة القاطنين بالخارج وكأن المغرب لا يتوفر حتى على الحد الأدنى من رعاية الأطفال والمسنين". وأضاف، "المستغلون لمآسي المواطنات والمواطنين لا يفوتون أي فرصة للحالات التي تشهد تعاطفاً من دون أن يستغلوها من أجل جلب الدعم المادي، ولو استعمل البعض منهم التدليس والكذب". 

الطريقة والغاية 

يهدف "المحتالون" من خلال جمع أموال التبرعات إلى كسب الثروات بشكل سريع، مستغلين الانتشار الواسع لتقنيات التواصل الحديثة بقصد التأثير على المتعاطفين مع بعض الحالات الإنسانية المحتاجة للدعم المالي، ويشير الباحث في علم الاجتماع، حسن قرنفل، إلى أن التقنية الرقمية تسهم في تيسير عمليات النصب والاحتيال في مجالات عديدة، موضحاً أنه "أصبح من السهل انتحال صفة شخص معروف أو مجهول على مواقع التواصل بهدف الاحتيال على أشخاص آخرين، وذلك عبر استغلال تعاطفهم وسذاجة بعضهم من أجل الحصول على أموال كان من المفترض أن يستفيد منها المحتاجون".

من جانبه، يشير إدريس السدراوي إلى أن "هدف أصحاب هذه الصفحات والمواقع هو الغنى السريع بالأساس، الأمر الذي حققه بعضهم حتى أصبحوا يشكلون لوبيات تهاجم كل من حاول فضحهم، بل يذهبون إلى حد تنظيم وقفات احتجاحية مدفوعة الأجر للمشاركين فيها من أجل الضغط على القضاء في بعض قضايا النصب الإلكتروني والدفاع عن آلية جمع التبرعات"، موضحاً أن "هدفهم الأساسي هو تحقيق أكبر قدر من الاستفادة المادية، ولذلك وجب التأكيد على ضرورة إصلاح قانون التماس الدعم العمومي، بما يضمن الشفافية وترتيب الجزاء الجنائي المناسب والرادع لكل من سولت له نفسه اعتبارها مهنة للتكسب والاغتناء على حساب مآسي الغير". 

فرصة ذهبية

وأعادت حادثة الطفل ريان، الذي علق في عقر بئر لخمسة أيام بضواحي مدينة شفشاون، الجدل حول تلك الظاهرة، وذلك بعد إطلاق العديد من حملات التبرع الوهمية بمجرد الإعلان عن الحادث، مما زاد من حدة المطالب بضرورة مكافحة تلك الظاهرة. من جانبه، أشار حسن قرنفل إلى أن "حادثة الطفل ريان شكلت بالنسبة للمحتالين فرصة من ذهب لكسب الأموال، لكونهم لمسوا أن تلك المأساة نالت تعاطفاً كبيراً تخطى حدود البلاد"، معتبراً أن "موجة الحزن والتعاطف الجماعية الهائلة تلك سهلت مهمتهم في خداع عدد كبير من الأشخاص داخل المغرب وخارجه". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونبّهت السلطات المحلية بإقليم شفشاون في بيان لها إلى وجود العديد "من المبادرات، على شبكات التواصل، من داخل المغرب وخارجه، وبصيغ وأشكال مختلفة، تحاول استغلال حادثة وفاة الطفل ريان أورام، الذي وافته المنية بعد سقوطه في بئر بإقليم شفشاون، وذلك تحت ذريعة جمع تبرعات نقدية أو عينية لفائدة أسرة الفقيد"، مشيرة إلى وجود "مقتضيات قانونية وطنية، تضبط وتقنن عمليات ومسطرة التماس الإحسان العمومي، ومختلف المبادرات والدعوات التي تهدف لجمع التبرعات وتقديم المساعدات، وذلك حماية للفئات التي قد تتضرر من ذلك، بما فيها أسرة ريان"، معتبرة أن أسرة ريان، التي هي على علم بمثل هذه التصرفات، ترفض استغلال البعض لظروفها الإنسانية، تحت ذريعة تقديم مساعدات لفائدتها في هذا الظرف.

تشديد القانون

كان مجال الإحسان العمومي في المغرب ينظمه القانون رقم 71-004 الصادر في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 1971، إلى حين صدور قانون 18-18 في عام 2018، والذي حدد الجهات المخول لها جمع التبرعات، وهي: "الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية"، و"الأشخاص الذاتيون" ممن لا يكون صدر في حق أحدهم مقرر قضائي نهائي من أجل ارتكاب جنايات أو جنح متعلقة بأمن الدولة أو الإرهاب أو متعلقة بالأموال أو التزوير أو الرشوة أو الاختلاس أو تبديد المال العام، ما لم يرد اعتبارهم، محدداً عقوبة غرامة بين 50 ألفاً و100 ألف درهم (ما بين 5 آلاف و10 آلاف دولار) لكل من يقوم بعملية جمع التبرعات من دون أن تكون له هذه الصفة. 

ويشدد ذلك القانون على أن الغرض من جمع التبرعات يجب أن يكون محدداً حصراً في تمويل أو إنجاز أنشطة أو برامج أو مشاريع ذات صبغة اجتماعية أو إنسانية أو تضامنية أو خيرية أو ثقافية أو بيئية، أو لأغراض البحث العلمي، أو بهدف تقديم مساعدة أو إعانة لفائدة شخص ذاتي أو أكثر في وضعية هشة أو احتياج أو في حالة استغاثة، أو لفائدة مؤسسة اجتماعية غير ربحية محدثة بصفة قانونية، سواء داخل المغرب أو خارجه. 

اقتراح حلول

وبخصوص الحلول الممكنة للتصدي لتلك الظاهرة، يشير قرنفل، إلى ضرورة إدخال حصص خاصة ضمن المقررات الدراسية بخصوص طريقة التعامل مع المجال الرقمي، بالتالي المساعدة على التحقق من المعطيات ومعرفة إمكانات النصب المحتملة في العالم الرقمي، مشيراً إلى أن قضية الطفل ريان أكدت مرة أخرى على ضرورة ضبط الإحسان العمومي، وأن يكون ومقنناً بشكل صارم لا يتيح المجال لأي شخص يدعي بأنه يقوم بعملية الإحسان بشكل منفرد بعيداً على الرقابة القانونية الضرورية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير