Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدام المشاريع يفتح مرحلة "ما بعد لبنان وسوريا والعراق"

الجديد في المشروع الإيراني ليس إلغاء الحدود عملياً بل الإبقاء عليها نظرياً فالتغيير داخل الحدود هو الأساس

حزب الله جعل لبنان "دويلة" في دولته (أ.ف.ب)

في لعبة أكبر من المنطقة يتصرف "حزب الله" كأنه لاعب أكبر من لبنان. لا بل أن الآخرين ينظرون إليه على هذا الأساس. وحين يوحي كبار اللاعبين أنهم لا يعرفون كيف وبماذا ينتهي الصراع الجيوسياسي الدائر في الشرق الأوسط وعليه، فإن "حزب الله" يكرر خطاب الواثق من رؤية النهاية ولمن سيكون المستقبل. وهو صراع يصعب حصره بقضية واحدة، وإن كان البارز على سطحه ما يدور على حافة الهاوية بين أميركا وحلفائها وإيران وحلفائها. ولم يكن خارج المألوف في اللجوء إلى السذاجة في لبنان طرح سؤال يبدو حائراً حيث لا مجال للحيرة: ماذا يفعل "حزب الله" إذا قادت الحسابات الباردة أو الأخطاء في الحسابات أو الانزلاقات في صدامات من دون حساب إلى مواجهة عسكرية بين واشنطن وطهران؟ هل يندفع في المعركة من دون حساب لشركائه في الوطن، وما يحدث له ولهم أم يتجنب توريط لبنان في مواجهة أخطار كبيرة؟

الجواب لم يتأخر ولا كان مفاجئاً إلا للأبرياء من التجارب. ففي يوم القدس العالمي أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الموقف بوضوح كامل "الحرب على إيران لن تبقى ضمن حدودها، فكل المنطقة ستشتعل وكل القوات والمصالح الأميركية ستباد ومعها المتآمرون" في المنطقة. لا بل هدد المسؤولين الأميركيين الذين يسألون عن امتلاك "حزب الله" مصانع صواريخ دقيقة بأن استمرارهم بالسؤال سيرد عليه بتأسيس هذه المصانع، و"لدينا القدرة على التصنيع". ولم يتردد في "القول للعالم" إن "لدينا صواريخ دقيقة تطال كل الأهداف المطلوبة في الكيان الصهيوني وتستطيع أن تغير وجه المنطقة".

صمت الحملان

لم يتوقف السيد نصر الله أمام ما سيصيب لبنان المأزوم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من دمار جراء الرد العسكري الإسرائيلي ومن ضيق جراء الرد السياسي والاقتصادي الأميركي، ومن ضياع الأحلام حول استثمارات مؤتمر "سيدر". فهو انتقد موقف رئيس الحكومة سعد الحريري في قمم مكة لأنه لم يتحفظ عن إدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية العربية أو أقله لم يمارس "النأي بالنفس" المتفق عليه في البيان الوزاري. أي أنه طلب من رئيس الحكومة التي هو شريك فيها "النأي بالنفس" السياسي، ومارس إقحام النفس العسكري في المواجهة. أما أهل السلطة المشغول بعضهم بمعارك النفوذ وبعضهم الآخر بمعارك التفاهة، فإنهم مارسوا ما يشبه "صمت الحملان" حيال موقف نصرالله.

لكن الصمت لا يلغي الخطر، ولا يعفي من موقف لحماية لبنان وشعبه من أية مغامرة مرتبطة بمشاريع إقليمية. فما أعلنه نصرالله عملياً هو أن لبنان جزء من المشروع الإيراني. وهو مشروع بدأته طهران بتسليح ميليشيات مذهبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتأسيس شبكات سرية في دول الخليج وسواها، بحيث صارت المنطقة كلها مسرح عمليات واحداً. وما كان يقال من أن "حزب الله" صار "دويلة داخل الدولة" تجاوزه الواقع بحيث يمكن أن يقال إن السلطة هي "دويلة داخل دولة حزب الله".

والسؤال الذي لا مهرب من مواجهته، ولو لم تحدث حرب هو: هل دخلنا بداية مرحلة جيوسياسية يمكن وصفها بأنها مرحلة "ما بعد لبنان وسوريا والعراق"، وما قبل النجاح الكامل للمشروع الإيراني؟ ألم يقل المرشد الأعلى علي خامنئي "إن المقارنة بين سياسة الشرق الأوسط للغرب وسياسة الشرق الأوسط لإيران تكشف بوضوح أن سياستنا الإقليمية تقترب من تحقيق اهدافها"؟ أليس العراق هو "الحلقة الأولى في سياسات الأمن القومي الإيراني" كما يقول أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين في بغداد الدكتور حسين علاوي؟ ألم تصبح سوريا الحلقة الثانية ولبنان الحلقة الثالثة؟ إلى أي حد يمكن الاتكال على ثبات أميركا في استراتيجية "كبح النفوذ" الإيراني؟ وإلى أية درجة يمكن الرهان على أن تقود مصالح روسيا "السورية" وحساباتها في المنطقة إلى تعطيل المشروع الإيراني؟

تغيير الخرائط

ليست هذه هي المرة الأولى التي يكثر الحديث فيها عن "تغيير الخرائط". فعلى مدى قرن ونحن نسمع ونرى خططاً ومحاولات مختلفة لتغيير حدود البلدان التي رسمها اتفاق سايكس - بيكو خلال الحرب العالمية الأولى. حركات وأحزاب وتيارات تريد "التكبير". وحركات وأحزاب في اتجاه "التصغير". كل التيارات القومية رفعت شعار إلغاء الحدود لتوحيد الأمة: من البعث والقوميين والعرب والناصريين دعاة "الأمة العربية" إلى الحزب القومي السوري وطموحه إلى توحيد "الأمة السورية". تيارات الإسلام السياسي على اختلافها وضعت من البداية "إعادة الخلافة" وتوحيد "الأمة الإسلامية" على رأس أهدافها. داعش بدأ التنفيذ على الأرض في العراق وسوريا قبل أن "ينهزم جغرافيا". ولا تزال ذاكرتنا طرية حيال شعار ضد القوميات جرت كتابته في شوارع بيروت خلال النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي: "العروبة = صهيونية". وأقل ما يطرحه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المنطقة الممتدة "من حلب إلى الموصل" جزء من الأمن القومي التركي. أما التصغير، أي التقسيم بدءاً من العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى بلدان أخرى، فإنه اصطدم ولا يزال بحقائق صعبة. وهكذا بدت خطط سايكس - بيكو في طليعة الثوابت.

الجديد في المشروع الإيراني ليس إلغاء الحدود عملياً بل الإبقاء عليها نظرياً. فالتغيير داخل الحدود هو الأساس. والمعادلة هي الحفاظ على الجغرافيا في خدمة المتغيرات الجيوسياسية، والحدود المفتوحة على مسرح عمليات واحد ضمن مشروع إمبراطوري في عصر نهاية الإمبراطوريات.

في كتاب "الحروب العربية الجديدة"، سجّل مارك لينش أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن "أن عام 1970 كان نهاية الحروب الأيديولوجية العابرة للحدود وانتقال الاهتمام إلى البقاء". لكن ما نشهده حالياً هو بداية حروب أيديولوجية مذهبية عابرة للحدود. وما أصعب حياة البلدان الصغيرة.

المزيد من آراء