انخفضت أسهم "فيسبوك"، أو "ميتا بلاتفورمس إنك" وفق تسميتها الآن، بمقدار الربع الأسبوع الماضي وتواصل انخفاضها منذ ذلك الحين. وفي الواقع، إنها متراجعة بمقدار الثلث هذه السنة، حتى الآن. ويشكل ذلك جزئياً قصة تخص "فيسبوك"، بمعنى كونها نتيجة من نتائج انحدار عدد المستخدمين النشطين، وقصة شهدت تحولاً إضافياً بفعل خلاف "فيسبوك" الأخير مع الاتحاد الأوروبي.
لكنها أيضاً إحدى قصص السوق في شكل أكثر عموماً. حتى الآن، تعاني أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية الأخرى، وهناً هذه السنة. لقد انخفضت أسهم "نتفليكس" بمقدار الثلث، و"تيسلا" الربع، و"تويتر" و"بيليتون" بـ15 في المئة. حتى أسهم "أمازون"، على رغم الأداء الجيد جداً للشركة، انخفضت بسبعة في المئة، بينما تراجعت أسهم "مايكروسوفت" بواقع 10 في المئة، وهبطت أسهم "أبل"، وهي الشركة الأعلى قيمة [مالياً] في العالم، بمقدار خمسة في المئة تقريباً.
في الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، تبرز صورة مختلفة تماماً. في لندن، ليس سوى عدد قليل نسبياً من شركات التكنولوجيا المتقدمة مدرجاً في البورصة. وبشكل كبير، يعود ثقل مؤشر "فايننشال تايمز 100" للأسهم إلى شركات النفط والمصارف وموردي البضائع الاستهلاكية. والمؤشر في الواقع مرتفع قليلاً هذه السنة، على عكس مؤشر "ناسداك" في نيويورك، المنخفض بنسبة 12 في المئة. والواقع أن لندن وهونغ كونغ هما سوقا الأسهم الرئيسيتان الوحيدتان المرتفعتان حتى الآن هذه السنة، مع انخفاض كل من باريس وفرانكفورت.
ما الذي يحصل؟ هل هذا ببساطة تحوّل في الموضة أم أن هناك شيئاً أكبر يجري؟ حسناً، من المؤكد أن بعض الشركات الأقل رواجاً في نظر المستثمرين، على الأقل حتى وقت قريب، قفزت قيمها. خذوا النفط، مثلاً. ارتفعت أسهم "بريتيش بتروليوم"، التي أعلنت لتوها زيادة في الأرباح، بـ17 في المئة هذه السنة، بينما زادت أسهم "شل" بنسبة 20 في المئة تقريباً.
أو انظروا في المصارف. قفزت أسهم "أتش أس بي سي"، المصرف الأكثر قيمة في أوروبا، بنسبة 20 في المئة، على رغم التطورات كلها التي تحدث في هونغ كونغ. حتى "ناتويست"، الاسم الجديد لمجموعة "رويال بنك أوف سكوتلاند" التي أنقذتها حكومة المملكة المتحدة، ارتفعت أسهمه ستة في المئة. إنها أنباء طيبة في شكل متواضع لدافعي الضرائب البريطانيين إذ لا تزال الحكومة تملك 55 في المئة من الأسهم.
واستطراداً، تشير الحقيقة الواضحة التي مفادها أن أسواق المملكة المتحدة في ارتفاع، والأسواق الأخرى كلها تقريباً في انخفاض، إلى أن المملكة المتحدة تعاود رواجها، بعدما كانت غير رائجة لدى المستثمرين الدوليين. ولا أعتقد بأن لذلك علاقة بالسياسة، لأسباب واضحة، على رغم أنني أعتقد بالفعل بأن الأسواق تنظر إلى ما بعد ولاية رئيس الوزراء الحالي. أظن ببساطة أن المستثمرين يدركون أن المملكة المتحدة شهدت نمواً قوياً السنة الماضية في أعقاب 2020 الضعيفة للغاية، وأن فرصاً إضافية تُتَاح مع تحسن الاقتصاد. لم تصبح المملكة المتحدة رائجة [لدى المستثمرين كسوق رابحة]، لا ينبغي لنا أن نخطئ في هذا الصدد، بل ربما يُنظَر إليها من منظور أكثر تحفظاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعتقد بأن ثمة شيئين آخرين يحدثان معاً. الأول هو التشكيك في التقييم العالي للغاية لشركات التكنولوجيا المتقدمة الأميركية. لقد غيّرت الشركات العملاقة في الساحل الغربي الأميركي العالم، كما يعرف أي شخص لديه "آيفون"، ويحصل على شيء تسلمه "آمازون"، أو يجري بحثاً على "غوغل". لكن، ما هو ثمن ذلك برأيكم؟ ربما كانت قيمة "آبل" بالفعل ثلاثة تريليونات دولار قبل بضعة أسابيع، لكنها الآن تقدر بنحو 2.8 تريليون دولار. وعلى الرغم من ذلك، إنها شركة ضخمة، غير أنها أقل ضخامة بقليل مما كانته من قبل.
ويتمثّل الأمر الثاني بالوعي الأوسع نطاقاً بأن المال المجاني ينتهي. نعم، أعلم أن تكاليف الاقتراض لم تكن مجانية أبداً للناس العاديين، إذ لم تبلغ الصفر على الإطلاق. لكن الرهن العقاري الذي تقل تكلفته عن واحد في المئة حينما ترتفع أسعار المساكن بنسبة 10 في المئة، قريب جداً من المال المجاني. ووفق ما نشرناه في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، يمكنكم الحصول على معدل ثابت للفائدة لسنتين عند 0.9 في المئة.
الآن تغير العالم. ويبرز سؤال عن المدى الذي قد تتسلقه معدلات الفائدة. إنها قصة شاملة. حتى السندات الألمانية التي تستحق بعد 10 سنوات، وقد بلغ مردودها أقل من الصفر قبل 10 أيام، أصبحت الآن تدر حوالى 0.3 في المئة. وأظن أن معدلات الفائدة السلبية ستختفي تماماً قريباً، ولن نراها مرة أخرى طيلة حياتنا.
ستشكل نهاية الأموال شبه المجانية تجربة جديدة بالنسبة إلى عديد من المستثمرين. لقد ظلت المصارف المركزية الرئيسية تحتفظ بمعدلاتها في حدود واحد في المئة أو أقل من ذلك منذ انهيار المصارف في 2008. وإذا عاد العالم إلى ظروف ما قبل 2008، فما هي التجربة الحارقة السابقة للأسواق؟ إنها انهيار قطاع الشركات الرقمية [أُشير إليها آنذاك بانهيار ظاهرة شركات دوت.كوم] في 2000.
إذاً، نعود إلى السؤال المتعلق بشركات التكنولوجيا المتقدمة الأميركية. هل انتهت علاقة الحب [مع المستثمرين]؟ إجابتي هي: لا، لكنها بردت بكل تأكيد.
© The Independent