أكدت وسائل إعلام إسرائيلية قيام مسؤول سوداني هذا الأسبوع بزيارة إسرائيل على رأس وفد أمني ودبلوماسي، وعقد الجانبان سلسلة اجتماعات ركزت على تعزيز العلاقات وإمكانية دفعها إلى الأمام، وصولاً لتوقيع اتفاق سلام، فضلاً عن مناقشة مسألة التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين.
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، فإن المبعوث السوداني الموجود حالياً في تل أبيب يمثل مجلس السيادة السوداني، والتقى مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية. في حين لم يصدر تأكيد بعد عن المتحدثين باسم الحكومتين الإسرائيلية والسودانية عن هذه الزيارة وفحواها.
وتأتي هذه الزيارة بعد ثلاثة أسابيع من زيارة وفد إسرائيلي إلى الخرطوم استمرت ساعات عدة، التقى خلالها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) ورئيس الاستخبارات العامة أحمد إبراهيم مفضل، وجرى بحث الجوانب الأمنية وتطورات الأحداث السياسية التي تشهدها البلاد.
لكن كيف ينظر المراقبون السودانيون والإسرائيليون إلى هذه الزيارة ودوافعها، وتوقعاتهم لتطور العلاقات بين الدولتين؟
ارتباط كاثوليكي
يوضح السفير السابق في وزارة الخارجية السودانية الصادق المقلي، "ما يثير الدهشة والغرابة صمت السلطات السودانية عن الزيارات المتبادلة مع الجانب الإسرائيلي، فمثل هذا الحدث يتطلب من الجهات المختصة في وزارة الخارجية ومجلس السيادة التعليق بالنفي أو الإثبات، بخاصة أن هذه الزيارة وغيرها يتم تداولها بشكل واسع محلياً ودولياً، وهو أمر ليس جيداً في حق الدولة السودانية".
وتابع، "بدأت بوادر العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب مع بداية المرحلة الانتقالية بلقاء البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو في عنتبي بيوغندا مطلع فبراير (شباط) 2020، وعلى الرغم من مشاركة الجهاز التنفيذي المدني ممثلاً بحكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في التوقيع على اتفاقية إبراهيم في يناير (كانون الثاني) 2021، لكن كل الزيارات التي تمت بين الجانبين كانت ذات طابع أمني وعسكري".
وأضاف "بالتأكيد أن اسرائيل تبحث في إطار علاقاتها مع السودان عن مصالحها، وتمكّنت من الاستفادة من فتح الأجواء السودانية لعبور الطيران الإسرائيلي، وبإمكان الخرطوم الاستفادة من التقنيات الإسرائيلية في المجال الزراعي، فهي تملك أحدثها على مستوى العالم. وبشكل عام، ارتبطت إقامة هذه العلاقات الثنائية بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما حصل بالفعل في ديسمبر (كانون الأول) 2020، بالتالي لم تأتِ هذه العلاقات من فراغ".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى المقلي أن تل أبيب وواشنطن ترتبطان مع بعضهما البعض ارتباطاً كاثوليكياً، لذلك من الصعوبة بمكان توقيع اتفاق سلام بين السودان وإسرائيل في ظل الوضع الانقلابي الحالي الذي تشكل بموجب القرارات التي اتخذها البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بإعلان حالة الطوارئ وتعطيل الشراكة مع المدنيين، فأميركا لا تعترف بالحكومة السودانية القائمة الآن باعتبارها غير شرعية.
حليف إقليمي
في المقابل، يقول الإعلامي الإسرائيلي روعي كايس في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "في رأيي أن إسرائيل تنظر إلى السودان على أنه حليف إقليمي مهم انطلاقاً من موقعه الاستراتيجي، فضلاً عن أنه دولة عربية انضمت إلى اتفاقيات إبراهيم، ما يحتّم على تل أبيب في إطار الحفاظ على مصالحها ومكتسباتها إقامة علاقات شاملة معها وليس فقط في الجانبين العسكري والأمني، لكن ما يمر به السودان حالياً من وضع داخلي معقد، لن يتيح التقدم إلى الأمام من ناحية العلاقات الثنائية".
ويضيف كايس، "في نظري، بإمكان السودان أن يستفيد من إسرائيل في المجالات شتى بخاصة الاقتصادية، فهناك فرص كبيرة يمكن للبلدين الاستفادة منها، وبالذات الخرطوم، فلديها فرصة لجلب التقنيات الإسرائيلية في الجانب الزراعي وغيره من المجالات".
وبالنسبة إلى تقديراته بشأن توقيع اتفاق ثنائي وتبادل سفراء بين الدولتين، أفاد الإعلامي الإسرائيلي، "لا أعتقد أن ذلك متاح في هذا الوقت، بسبب الأوضاع غير المستقرة في السودان الذي يشهد غلياناً شعبياً، مما يجعل الأمر صعباً للغاية، لكن على المدى البعيد، لا بد من أن تنتقل العلاقة بين البلدين من الشق الأمني والعسكري إلى الشق الدبلوماسي من أجل المصلحة المشتركة".
زيارات متبادلة
واتخذ السودان خطوات لإقامة علاقات مع إسرائيل في 2020، وظل الجانبان يتبادلان الزيارات الراتبة منذ ذلك الحين على الرغم من عدم توقيع أي اتفاق رسمي.
لكن هذه الخطوة أثارت آنذاك انتقادات من قبل بعض المجموعات المدنية، التي اعتبرت أن حكماً انتقالياً لا يمكن أن يلزم قانوناً البلاد بمثل تلك القرارات، ما دفع وزارة الخارجية السودانية في 23 أكتوبر 2020 إلى التوضيح أن الحكومة اتخذت خطوة الاتفاق على إقامة علاقات مع إسرائيل، لكنها تترك للبرلمان الانتقالي، الذي لم يُشكَّل بعد، أمر قبولها أو رفضها.
وناقشت الزيارة الأخيرة للوفد الإسرائيلي إلى السودان، التي جرت في 19 يناير الماضي، المقترحات الهادفة إلى معالجة الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد حالياً، وتتمثل تلك المساعي في استعادة بناء الثقة بين شركاء الانتقال في السودان مدنيين وعسكريين، والدخول في عملية سياسية جديدة يشارك فيها الجميع.
وتزامنت تلك الزيارة مع أخرى لوفد أميركي، ضم مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في ومبعوث الرئيس الأميركي إلى القرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد، والتي جاءت في إطار الجهود التي تبذلها واشنطن لوقف العنف ضد المتظاهرين السودانيين، الذين يطالبون بإبعاد العسكريين عن المشهد السياسي وتسليم السلطة إلى المدنيين.