على وقع حالة من الجدل المتصاعد في شأن تفاقم ظاهرة الانتحار بمصر، وتعدد حالاتها، وإن اختلفت الدوافع، دخل البرلمان المصري على خط الأزمة، عبر تقديم النائب أحمد مهني مشروع قانون يجرم الانتحار والشروع فيه، ساعياً في ذلك إلى الحد من انتشار الظاهرة، ومعالجتها، على حد وصفه في تصريحات لـ"اندبندنت عربية".
ووفق نص مشروع القانون، الذي تقدم به النائب مهني، فإن العقوبة المقترحة "لن تكون الحبس، كون من أقدم على الانتحار ليس مجرماً بطبعه، وإنما أقبل عليه نتاج خلل نفسي أو مجتمعي، يستلزم العلاج، وليس الحبس، أو السجن"، مقترحاً في ذلك إضافة مادة إلى قانون العقوبات يكون مغزاها "أن كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلاً من الأفعال التي قد تؤدي إلى وفاته، يعاقب بالإيداع فى إحدى المصحات التى تُنشأ لهذا الغرض بقرار من وزير العدل، بالاتفاق مع وزراء الصحة والداخلية والتضامن الاجتماعي، وذلك ليعالج فيها طبياً ونفسياً واجتماعياً".
وبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، تحتل مصر المرتبة الأولى عربياً في معدلات الانتحار، متفوقةً في ذلك على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروباً أهلية، ويليها في الترتيب السودان، ثم اليمن، فالجزائر، مشيرة إلى أنه في عام 2019 وحده انتحر في مصر 3022 شخصاً. يأتي ذلك في وقت تصر فيه المؤسسات الحكومية المصرية على التشكيك في هذه الأرقام، وتصفها بـ"التقديرات غير الدقيقة"، لكنها لا تنفي الظاهرة. وفي عام 2020، أشار مركز البحوث الاجتماعية والجنائية في تقريره السنوي إلى أن معدل الانتحار لا يتجاوز 1.29 شخص لكل 100 ألف نسمة خلال عام 2018.
تفاصيل مشروع القانون
وفق ما جاء في مشروع القانون الذي تقدم به النائب أحمد مهني، ولقي قبولاً في الأوساط البرلمانية وبين مؤسسات الدولة، على حد تعبيره، فقد تم توصيف الشروع في الانتحار بأنه "جريمة في بعض التشريعات يعاقب عليها، والبعض الآخر لا يعاقب عليها، ولذلك فإن جريمة الانتحار من الجرائم الخاصة ذات الظروف والملابسات الخاصة، ولا بد من علاج الشخص الذي يحاول الانتحار نفسياً لعدم إقدامه على تكرار ذلك مستقبلاً، وإيجاد العقوبة الرادعة لمن يحرض على الانتحار وإزهاق النفس وفقاً لما تشرعه القوانين للمحافظة على الحياة".
وذكر النائب في نص مشروع قانونه، أن القانون المصري "لا يجرم الانتحار أو الشروع فيه، وإنما يجرم التحريض عليه باعتباره فعلاً يبث روح التشاؤم والانهزام في نفوس المصريين، كما أنه يحسن ويبسط فكرة الانتحار أو الموت وكأنها أمر بسيط يحق لأي شخص بكل بساطة أن يفكر في الموت أو الانتحار، وهو ما يكون معاقباً عليه قانوناً طبقاً لنص المادة 177 من قانون العقوبات، لقيام المحرض بتحسين أمر يعد جناية في القانون، وهو التحريض على الانتحار"، مشيراً إلى أنه "فى ظل انتشار وقائع الانتحار بات من الأهمية بمكان تجريم وقائع الشروع فيه... وهذا ما نحاول فعله من خلال مشروع القانون المطروح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح مهني أن "مشروع القانون، وإن لم يتمكن وحده من القضاء على الظاهرة، فإنه يهدف بالأساس إلى الحد منها، وإلقاء الضوء على الأسباب التي تقود للانتحار، ومعالجتها"، مشيراً إلى أن العقوبة المشمولة في مشروع القانون "لن تكون الحبس، بل الإيداع في إحدى المصحات التي تنشأ لهذا الغرض على ألا تقل مدة بقاء المحكوم عليه بالمصحة عن ثلاثة أشهر، ولا أن تزيد على ثلاث سنوات، ما لم يقرر القاضي غير ذلك".
ويتابع: "يكون الإفراج عن المُودَع بقرار من اللجنة المختصة بالإشراف على المُودَعين بالمصحة، وفى حالة العودة إلى الانتحار تكون العقوبة الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه (نحو 640 دولاراً)، ولا تتجاوز 50 ألف جنيه (3200 دولار)، ولا يجوز الحكم بالإيداع إذا ارتكب الشروع في الانتحار مرة أخرى بعد سبق الحكم عليه بتدبير الإيداع المشار إليه".
ووفق ما ذكره مهني، فإنه يتوقع أن يتم تمرير مشروع القانون خلال الأيام المقبلة، وذلك في ضوء "الترحيب الواسع الذي لاقيه بين نواب المجلس والمسؤولين في الوزارات المعنية"، معتبراً أنه يسعى من خلاله إلى تشريع مواجهة الظاهرة، والوصول إلى مرحلة دفع من يحاول الانتحار للعلاج والتخلي عن مثل هذه الأفكار".
تفاقم الظاهرة في مصر
على مدار الأشهر الأخيرة، تكررت حوادث الانتحار في مصر، وفي كل مرة كانت حالة من الجدل تصاحبها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الشعبية.
وقبل أيام معدودة، كانت آخر تلك الحوادث انتحار فتاة في كفر الزيات تبلغ من العمر 17 عاماً، بعد تعرضها للابتزاز الإلكتروني من أحد الشباب، وتهديده لها بنشر "صور مفبركة"، حيث قام بتركيب صور لها على أحد البرامج، ونشرها على مواقع التواصل لابتزازها، وبعد رفضها قام الشاب بتداول هذه الصور، محاولاً الضغط عليها، وتهديدها، بحسب ما جاء في تحقيقات النيابة العامة.
وقبلها بنحو أسابيع قليلة، هزّت حالة أخرى الأوساط المصرية، بعد أن انتحر أحد الموظفين في إحدى الشركات الخاصة في مقر الشركة بالتجمع الخامس (شرق القاهرة)، وانتشر حينها أنه واجه تعنتاً من مديره المباشر، ما أثر عليه نفسياً، وقاده للانتحار. وقبلها، وثّق طالب بكلية الطب، في مقطع مصور، التخلص من حياته، إذ أقدم على إلقاء نفسه من الطابق الرابع، من أعلى مبنى كلية الطب داخل إحدى الجامعات الخاصة بمدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة).
وتقول منظمة الصحة العالمية، إن الانتحار يُعد رابع سبب للوفاة بين اليافعين من الفئة العمرية بين 15 - 19 عاماً، وإن ضحاياه يقدرون بنحو 700 ألف شخص حول العالم كل عام، وشخص واحد يفقد حياته، بسببه كل 40 ثانية.
ويرجع مراقبون انتشار ظاهرة الانتحار بين أوساط الشباب إلى عدد من الأسباب من بينها، سوء استخدام المواقع الإلكترونية والتأثر بأفكار الانتحار، فضلاً عن الضغوط التي قد تفرضها بعض الأسر على المراهقين، بالإضافة إلى الإصابة بالاكتئاب، معتبرين أن "الوصم المجتمعي المرتبط بالعلاج النفسي يحول دون علاج الكثيرين، مما يعرقل جهود إنقاذهم".