تنادى مناصرو التيار الفيدرالي من كل مناطق شرق ليبيا وتجمعوا في ميدان عمر المختار، أحد أشهر الميادين في مدينة بنغازي، ليعبروا من جديد عن رفضهم لمسودة الدستور التي وضعت على طاولة المفاوضات بين مجلسي الدولة والنواب في محاولة لتنقيحها وعرضها على الاستفتاء العام.
وطالب الحراك الفيدرالي الذي ينشط منذ سنوات في إقليم برقة، بالعودة إلى دستور ليبيا القديم، الذي اعتمد في عام 1951، وعدل في 1963 وجمد بعد انقلاب القذافي عام 1969، مع تفعيل نظام الأقاليم ضمن حزمة مطالب أخرى من ضمنها عدالة التوزيع للثروات والعودة إلى نظام العاصمتين، الذي كان معتمداً في دستور المملكة.
رفض مسودة الدستور
نظم الحراك الفيدرالي تظاهرة هي الثالثة له في ظرف أسبوعين في مدينة بنغازي، احتجاجاً على رغبة بعض الأطراف السياسية في إعادة مسودة الدستور إلى دائرة الضوء، وهي التي رفضها الحراك وقت صدورها عام 2017، بعد أن رأى فيها أنها تجاهلت مطالب إقليم برقة، المتمحورة حول اعتماد النظام الفيدرالي، وهي التي رفضت أيضاً في ذلك الوقت من عدة مكونات سياسية وثقافية أخرى، على رأسها تكتل أمازيغ وطوارق ليبيا.
ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بضمان المشاركة العادلة في الحقوق السياسية والاقتصادية بين أقاليم ليبيا الثلاثة، ولوحوا برفع سقف مطالبهم إذا تم تجاهلها من السلطات الحالية، على رأسها مجلس النواب.
بيان مثقل بالمطالب
وتلا المتظاهرون بياناً في نهاية وقفتهم الاحتجاجية، حذروا فيه من أن تجاهل مطالبهم قد يمثل تهديداً صريحاً لـ “مصير الأمة الليبية ويجرها إلى المجهول، الذي لن يجنبها إياه إلا الرجوع إلى دستور الآباء المؤسسين غير المعدل عام 1951".
وشدد البيان على "رفض مشروع الدستور الحالي، ودعم مبادرة مجلس النواب بتشكيل لجنة فنية تمثل الأقاليم التاريخية الثلاثة، طرابلس وفزان وبرقة، لمناقشة وضع دستور البلاد".
وطالب الحراك الفيدرالي بـ"التوزيع العادل للموارد والثروات، وفقاً للمعايير الديموغرافية والجغرافية ومواطن الثروات، وعودة العمل بنظام العاصمتين للبلاد، وفقاً للمادة 188 من دستور الاستقلال، مع عودة المؤسسات السيادية لمواطنها الأم والتوزيع العادل لبقيتها على أقاليم البلاد".
الأزمة دستورية
وقال الكاتب والناشط في الحراك الفيدرالي سعد العبيدي، إن "سبب نشاط الحراك ودعواته، هو أن المشكلة في ليبيا حالياً هي مشكلة دستورية بالأساس، تسببت في خلق حالة الانسداد السياسي الحالي، بسبب عدم وجود قاعدة دستورية تبنى عليها المراحل المقبلة، بالتالي نحن ندعو إلى العودة لدستور تأسيس الدولة الليبية غير المعدل، الذي نرى فيه الحل الأمثل الذي يمكن أن تبنى عليه هذه المرحلة".
وأشار إلى أنه "ليس بالضرورة العودة إلى الدستور القديم بشكله الكامل، ولكن ندعو إلى أن يكون هو المرجعية الأساسية في بناء أي دستور جديد، أو قاعدة دستورية يمكن أن ننتقل بها إلى المراحل التالية، لأنه يخلق ثوابت من الثقة بين أبناء الشعب الليبي، التي اهتزت كثيراً وأوصلتنا إلى مرحلة حرجة تكاد تصل بالبلاد إلى الانقسام والتشتت".
الحرص على وحدة البلاد
ورد الناشط في الحراك الفيدرالي علي العمروني، على الاتهامات التي توجه إليهم بأنهم يسعون إلى تقسيم ليبيا، قائلاً إن "دعوات الحراك تنبع من الحرص على وحدة ليبيا وليس العكس، ولكن لنا رؤية في أن هذه الوحدة الوطنية لا يمكن الحفاظ عليها ما لم نرجع إلى دستور الاستقلال، الذي أسست بناء عليه الدولة الحديثة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أن "هذا الدستور هو الأفضل لليبيا لأنه راعى وقت صدوره، تركيبتها الاجتماعية وإرثها الثقافي، وكونها دولة مركبة شاسعة المساحة، وفي هذا الدستور كان كل شيء محدداً بدقة بداية من ضمان العدالة في المشاركة السياسية وتوزيع الموارد ومواقع المؤسسات وتوزيعها، بالتالي نال رضى الجميع وقاد البلاد إلى سنوات من الاستقرار".
وخلص إلى أن "الابتعاد عن الدستور الذي وحد الليبيين، يعني التوجه إلى مزيد من الفرقة والشقاق، بسبب المغالبة لطرف على آخر، وليبيا لن تبنى إلا على العدل الذي هو أساس الملك".
مؤازرة برلمانية
وفي تصريح لـ"اندبندنت عربية"، قال النائب في البرلمان الليبي، عبد المنعم العرفي، إن "مجلس النواب يتفهم مطالب المتظاهرين من تيار الحراك الفيدرالي ويؤمن بحقوق كل الأقاليم الليبية، ويريد أن يؤسس لشراكة وطنية حقيقية قائمة على العدل، عبر دستور توافقي يضمن حقوق الجميع".
وبين العرفي سبب مشاركته في التظاهرة، مشدداً على أن "نائب عن برقة واجب عليه الوقوف على مطالب من انتخبوه، الذين يرفضون مسودة الدستور، بالتالي سأعمل على نقل مطالبهم إلى البرلمان لمناقشتها ووضعها في عين الاعتبار".
وكان لافتاً في تصريح العرفي، قوله إن "نواب برقة في البرلمان سيقفون مع مطالب الشارع مهما ارتفع سقف المطالب، مع أن مبدأنا رفض المساس بوحدة البلاد، لكننا نريد دولة عادلة تكفل حقوق كل المدن والمناطق والأقاليم ".
وأشار إلى أن "أغلب نواب الشرق الليبي مجمعون على دعم مقترح تشكيل لجنة خبراء، بواقع 10 أشخاص من كل إقليم، لمناقشة مقترحين لا ثالث لهما، كتابة دستور جديد أو العودة لدستور التأسيس زمن المملكة".
محاذير المعارضين
وتواجه دعوات الحراك الفيدرالي في الشرق الليبي بتوجس كبير من أطراف كثيرة في ليبيا، خصوصاً في الغرب الليبي، التي ترى فيها دعوات تمهيدية لتقسيم البلاد، ويرى الناشط السياسي الطرابلسي إبراهيم حدوث، أن "ارتفاع نبرة الانفصال غير المبرر وغير المدروس، سيؤدي إلى تفكك البلاد وتوزع مواردها وممتلكاتها، وسيدخلنا في صراعات وحروب على المصادر والثروات والحدود البرية والبحرية".
وتابع، "النظام الفيدرالي يحتاج إلى أجهزة تشريعية وقضائية وتنفيذية وإدارية ورقابية ضخمة، كما أن الفيدرالية مكلفة في المال والوقت، وتأتي خصماً على حساب الموارد والضرائب، إذ نلاحظ الارتفاع الضريبي في دول الحكم الفيدرالي، الذي قد لا ينسجم مع دول الريع المحدودة الموارد والمداخيل مثل ليبيا".
من جانبها، تعتبر عضو الهيئة التأسيسية للدستور نادية عمران، أن "مطالب الحراك الفيدرالي غير مبررة، مع وجود كل الضمانات المطلوب دسترتها في مشروع الدستور الليبي المعتمد من الهيئة التأسيسية، وهو ما لم يكن وارداً في عديد من الدساتير حتى الفيدرالية منها".
وأشارت إلى أن "هذه المسودة اعتمدت نظام اللامركزية الموسعة، التي تعطي للوحدة المحلية المتمتعة بالاستقلال الإداري والمالي إمكانية إدارة المصالح المحلية وفق مبدأي التدبير الحر والتفريع واتخاذ القرارات التي تمس حياة المواطن اليومية، وتقديم الخدمات استناداً إلى مواردها المركزية والذاتية".
وأوضحت أن "مشروع الدستور نص أيضاً على توزيع عوائد الدولة وفق معايير دستورية، وتخصيص جزء منها لإنشاء مشاريع تنموية بديلة في مناطق الإنتاج، بل وذهب المشروع إلى أبعد من ذلك كتوزيع المؤسسات السيادية دستورياً، والهيئات الدستورية جغرافياً، والمصالح والهيئات والشركات العامة، ووجود غرفة ثانية (مجلس الشيوخ) لرقابة كل القوانين الخاصة بذلك".