Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحزاب ونقابات جزائرية تقفز من مركب الحراك الشعبي

واجهت شخصيات اسلامية ويسارية وعلمانية مواقف الرفض ذاتها من الجمهور

علم جزائري ضخم في تظاهرة الجمعة 15 (أ.ف.ب.)

انسحبت الأحزاب الجزائرية من المشهد السياسي المتأزم في البلاد، بعد محاولات للحاق بحراك الجزائريين المفاجئ، وكما كان الأمر في عهد الرئيس السابق، بات حوار السلطة والشارع مباشراً من دون وسطاء، بعد "تصحر" العمل السياسي الحزبي وفقدان الأمل فيه. في الأسابيع الأولى من المسيرات السلمية، لا سيما في العاصمة الجزائرية، كان زعماء أحزاب ضمن المشاركين في الحراك بعدما فاجأهم جمعة الثاني والعشرين فبراير (شباط) الماضي. وحاول أكثر من مسؤول حزبي البحث عن موطئ قدم بين المتظاهرين، تكفيراً عن حالة "تواطؤ" بطريقة أو بأخرى مع نظام بوتفليقة. وكان رد فعل الشارع سواء، حيث واجه رؤساء أحزاب إسلامية ويسارية وعلمانية مواقف الرفض ذاتها في الحراك. وعلى الرغم من أنها وجهت اتهامات لمجموعات صغيرة بتعمد مطاردتها، إلا أن الظاهرة تكررت بشكل أسبوعي، مع كل من لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال، كريم طابو الناشط السياسي، عبدالله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية.

نفور الجزائريين

كما واجه المواقف ذاتها، كل من عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، ومرشح الرئاسيات اللواء المتقاعد علي غديري، وشخصيات كثيرة من الحقل السياسي، ما ثبت ظاهرة نفور الجزائريين من الفعل الحزبي بفعل تراكمات على علاقة بفترة حكم عبد العزيز بوتفليقة. يقول المحلل السياسي والباحث الجامعي ناصر جابي عن هذه الحالة، "لم يكن الحزب السياسي الجزائري حالة شاذة، وهو يشاهد خروج المواطنين للشارع، من دون تأطير، وفي غياب كلي للظاهرة الحزبية وقياداتها... وضع أدى بالحراك في الجزائر إلى رفض مشاركة القيادات الحزبية الوطنية في المسيرات الأولى على الأقل. موقف عممته جماهير الحراك على كل القيادات الحزبية المعروفة، مهما كان انتماؤها السياسي". ويضيف "لقد عاد الشباب بقوة إلى الاهتمام بالعمل السياسي، هم الذين كان المعروف عنهم ابتعاداً واضحاً عن كل ما هو سياسي رسمي، بكل أشكاله على غرار التحزب". ويوثق جابي القطيعة من المؤسسة الحزبية والشباب كالآتي "شمل الابتعاد كل النشاطات الرسمية، وعلى رأسها العملية الانتخابية بكل تفاصيلها، فقد كان الشباب على رأس الفئات المقاطعة للانتخابات السياسية كأحد أشكال المعارضة المتاحة، بعد أن اختاروا ملاعب كرة القدم مكاناً للتعبير السياسي، بدل الحزب السياسي الذي سيطرت عليه شلل محدودة العدد، استعملته لتحقيق أغراضها ومقايضة مواقفها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"التصحيحيات" خطة بوتفليقة لتدجين الأحزاب

يتهم الحراك الجزائري، الأحزاب الجزائرية والمنظمات النقابية وجمعيات المجتمع المدني، بسلوك ممارسات النظام السابق ذاتها، بتصاعد "الزبائنية" في اختيار القيادات، وتحول هذه الأوعية تدريجاً إلى فضاءات تلخص مساوئ السلطة عموماً. وتغذى الفعل الحزبي، من ظواهر جديدة رافقت أكثر من حزب على مدار عشريتين، بظهور ما يعرف بـ"التصحيحيات"، وهي آلية انقلابات موازية تتم باسم القانون في العادة، وتورط فيها سياسيون في أحزاب باستعمال تنفذهم في الإدارة، فلم يعد الجزائري يفرق بين فعل السلطة وفعل المسؤول الحزبي. وطالت ظاهرة الانقلابات داخل الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات، بعض القادة منذ مست حزب جبهة التحرير الوطني ومن ثم حركة النهضة التي عرفت انقلابا على مؤسسها عبدالله جاب الله، إضافة إلى مجموعة من المؤامرات العلمية التي نفذت لاحقاً على مستوى عدد من الأحزاب. لكن هذا المسار لا تتحمل السلطة نقائصه وحدها، بل إن الشخصيات الفاعلة والمحركة لأحداثه تتحمل أيضاً من مسؤوليته، وتنسب للغالب منهم اليوم المساهمة في تمييع العمل السياسي كونها باتت غير قادرة حتى على تنظيم الاجتماعات العضوية الداخلية ما عدا لجان التأديب. لكن أكثر مشاهد الفعل الحزبي، الشبيه بممارسات السلطة نفسها، اتصل بجبهة التحرير الوطني، التي تقود الغالبية والحكم منذ استقلال البلاد، فحتى وإن عرفت أزمات حادة في العشرية الماضية، إلا أنها لم تكن على قدر من الغموض مثل ما هو واقع في الفترة الحالية. وشكل خبر لقاء الأمينة العامة لحزب العمال، بالسعيد بوتفليقة، في الـ27 مارس (آذار) الماضي، ضربة موجعة جديدة للأحزاب الباحثة عن عذرية، فحنون شاركت في المسيرات منذ بداياتها في فبراير، وكانت تتوسط هتافات تتهم السعيد بـ"الفساد والخيانة وغيرهما".

"الأفالان" فرخ صراعات

  يطرح كثير من المراقبين الخلافات الحاصلة في جبهة التحرير الوطني (الأفالان) من باب المقارنة. وكثيرون من ساق الأزمة الحالية ضمن "حرب مواقع" لا يوجد فيها ما يمت بصلة إلى "خلافات فكرية أو سياسات الحزب"، على عكس مستوى الأزمات التي شهدها حزب الغالبية سابقاً، واحدة منتصف التسعينيات ساد فيها نقاش حول إخراج الحزب إلى المعارضة أو إبقائه "قاطرة" السياسة الداخلية في الجزائر. وعاد القول الأخير فيها لأصحاب الرأي الثاني، فيما غادر الأمين العام السابق عبد الحميد مهري الأمانة العامة "مكرهاً"، في عملية سميت "المؤامرة العلمية" قادها عبد القادر حجار سفير الجزائر حاليا في تونس. وتحولت لاحقاً "المؤامرة العلمية" إلى مصطلح تبنته أحزاب في الموالاة أو المعارضة، حين تقوم عمليات "انقلاب" ضد قادتها. والأزمة الثانية في تاريخ جبهة التحرير عام 2013، كانت الأعنف في تاريخ الحزب منذ الاستقلال، يومها بدت أزمة الحزب "أزمة بلد"، قادها فريق من "التصحيحيين" على رأسهم الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم، لصالح عبد العزيز بوتفليقة ضد خصمه السابق علي بن فليس، انتهت إلى فوز بوتفليقة بمقاليد الحزب "شرفياً" وولاية رئاسية ثانية (2004)، فيما خسر بن فليس أمانة الحزب وسباق الرئاسيات، ومن ثم اختفى من الحياة السياسية لعشر سنوات كاملة.

وضعية الأحزاب عطلت تمثيل الحراك

لأن فكرة العمل الجماعي المنظم قد سحبت من قاموس الجزائريين في العقدين الأخيرين، فإن غياب إطار حزبي نقابي، جمعوي يحظى بثقتهم، أخّر بشكل واضح مسألة تمثيل الحراك وتقديم متحدثين باسمه. ومن الواضح أن محاولات أحزاب ركوب الصفوف الأولى للمسيرات، كان بحثاً عن طرح بدائل وأوعية تضم هذا الكم من الجزائريين المهتمين بالسياسة فجأة. وتكرر الأمر ذاته نقابياً، فقد بات الاتحاد العام للعمال الجزائريين، رمزاً يساوي "الفساد السياسي" بامتياز في نظر الجزائريين، وهو امتداد بدوره لفساد العمل السياسي عموماً، إثر شراكة جمعت زعيمه عبد المجيد سيدي السعيد مع الحكومة وأرباب المال، على حساب ملايين العمال المنضوين إليه بحجة "العقد الاقتصادي والاجتماعي".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي