نبّه قادة قطاع الصحة في إنجلترا المرضى الذين يحتاجون إلى جراحات عاجلة كتلك المتعلقة بالقلب والسرطان، إلى تأخير هذه العمليات في المستشفيات، لأن مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" (أن إتش أس) NHS استنفدت أقصى طاقاتها بشكل غير مسبوق.
وأعلن أكثر من 20 مستشفى في إنجلترا عن وضعية الحوادث الخطيرة [حالة تتيح للقيّمين على المؤسسات طلب المساعدة من مستشفيات أخرى قريبة، بهدف ضمان تمكّنها من مواصلة تقديم الخدمات الأساسية]، بسبب تزايد أعداد العاملين في مجال التمريض الذين اضطروا إلى عزل أنفسهم، ما ضاعف الضغط على خدمة تعمل أساساً بالحد الأقصى من قدرتها، نتيجة الارتفاع الحاد في حالات الإصابة بعدوى "كوفيد".
يأتي هذا التطور في الوقت الذي حذرت مجموعة من أعضاء البرلمان من عواقب قرار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون "إمكان تخطي" الموجة الراهنة لمتحوّرة "أوميكرون" من دون الحاجة لاتخاذ مزيد من القيود، مشيرة إلى استمرار التراكم الراهن لحوالى 6 ملايين مريض على قوائم الانتظار في إنجلترا.
واستطراداً، ذكر الدكتور ستيفن ويب، رئيس "جمعية العناية المركزة" Intensive Care Society لـ"اندبندنت" أن "عزل الموظفين ومرض العاملين بسبب كورونا، يحدّان من قدرتنا على رعاية المرضى الآخرين".
وأضاف، "علمنا من أعضاء في الجمعية أن جميع وحدات العناية المركزة تقريباً تتعرّض لضغوط نتيجة القيود الموضوعة على التوظيف، وهذا من شأنه أن يقيّد إمكانية إخضاع المرضى لعمليات جراحية عاجلة". وأوضح أن "الأفراد الذين قد يحتاجون إلى تدخل عاجل على غرار التدخلات الطبية المتعلقة بأمراض القلب، سيضطرون بلا شك إلى الانتظار فترة أطول في المستشفى، كي يتاح لهم مكان في الوحدة المختصة ينقلون إليه".
وأشار الدكتور ويب إلى أنه "ستكون هناك قيود على العلاجات العاجلة هذه بسبب الضوابط التي وُضعت على التوظيف، وسمعنا أن هذا الوضع يحصل داخل وحدات العناية المركزة، بسبب قلة عدد العاملين في تلك الأقسام، ما يمنع إضافة أسرّة جديدة. وكذلك لا يقتصر النقص في عدد الموظفين على وحدات العناية المركزة".
ويوم الأربعاء الفائت، نبّه كريس هوبسون من هيئة "أن إتش أس بروفايدرز" NHS Providers التي تمثل المؤسسات الاستشفائية التابعة لـ "الخدمات الصحية الوطنية" في إنجلترا، إلى أن خدمات الصحة "استنفدت أقصى طاقاتها بشكل لم يسبق له مثيل". وسُجلت 194747 إصابة أخرى بالعدوى يوم الأربعاء الماضي و334 حالة وفاة. وطغى هذا الوضع أيضاً على قطاعات التعليم والنقل والبيع بالتجزئة في البلاد، ودعت بعض المدارس طلابها إلى البقاء في منازلهم، بعدما شارفت عطلة عيد الميلاد على الانتهاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ذلك الصدد، توقع ناظم الزهاوي، وزير التعليم البريطاني، أمام أعضاء البرلمان أن ترتفع نسبة تغيّب المعلمين فوق عتبة الـ8 في المئة التي سُجلت قبل عطلة الأعياد. وفي وقت سابق، أكد جونسون أنه لن يعمد إلى تشديد القيود على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في محاولة كبح اندفاعة متحوّرة "أوميكرون". وأبدى اعتزازاً بأن رده "المتوازن والمتناسب" على المتحوّرة شديدة العدوى، سمح لإنجلترا "بأن تظل بلداً مفتوحاً، ولاقتصادنا بأن يواصل عمله أكثر من أي اقتصاد آخر مشابه له في أوروبا".
في ذلك الإطار، يُشار إلى أنه جرى تخفيف القواعد الخاصة باختبارات كورونا، مع إلغاء شرط تأكيد وجود قراءة إيجابية لاختبار "التدفق الجانبي" Lateral Flow باختبار "تفاعل البوليمراز المتسلسل" (بي سي آر) PCR. في المقابل، لن يخفف هذا التغيير كثيراً من عبء العزلة الذاتية، بمعنى أن فترة الأيام السبعة الدنيا تبدأ دائماً من لحظة اكتشاف العدوى للمرة الأولى.
في غضون ذلك، أعلنت نيكولا ستورجن، رئيسة وزراء اسكتلندا يوم الأربعاء الماضي تخفيض الفترة من 10 إلى 7 أيام تماشياً مع إنجلترا. لكن رئاسة الوزراء في "داونينغ ستريت" قللت من احتمال إجراء تخفيض إضافي إلى 5 أيام، بناءً على نصيحة مفادها بأن ذلك الأمر سيشجع على عودة مبكرة للأفراد إلى العمل، ما قد يتسبب في زيادة عدد الإصابات بالمرض.
وفي الوقت ذاته، أُلغي شرط إخضاع المسافرين المطعمين باللقاح لاختبار قبل التوجه إلى إنجلترا، اعتباراً من السابع من يناير (كانون الثاني) الحالي، في اعتراف بحقيقة أن متحوّرة "أوميكرون" توطنت الآن في المملكة المتحدة ودول أخرى في مختلف أنحاء العالم.
وأظهرت أرقام جديدة صادرة عن "المكتب الوطني للإحصاء" Office for National Statistics ، أن ما يُقدّر بنحو 3 ملايين و700 ألف شخص في المملكة المتحدة، أصيبوا بعدوى "كوفيد- 19" مع الأسبوع المنتهي في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2021، وهو الأعلى منذ بدء مقارنة الأرقام بخريف 2020. وتبيّن أن هناك شخصاً مصاباً بالفيروس من كل 15 شخصاً في إنجلترا، فيما ارتفع العدد إلى فرد من كل 10 في العاصمة لندن.
في المقابل، بلغت الوفيات بسبب العدوى 334 حالة، وباتت الأسوأ في موجة "أوميكرون" والأعلى منذ فبراير (شباط) من العام الماضي، لكنها تضخمت بشكل مصطنع بسبب وصول متأخر للبيانات من المستشفيات الإنجليزية التي لم تبلّغ عن إصابتها منذ مطلع يناير الحالي.
وتمكّنت "اندبندنت" من الاطلاع هذا الأسبوع على رسالة داخلية موجهة إلى الموظفين في "مستشفيات دورسيت الجامعية" University Hospitals Dorset، تعلن فيها إدارة المؤسسة وضعية "الحادثة الخطيرة"، مع إشارتها إلى أن لديها "عدداً محدوداً جداً من الأسرّة"، وأن "هذا العدد القليل" لا يلبي الطلب من جانب المرضى، الأمر الذي حتّم إلغاء بعض العمليات الجراحية الاختيارية.
في غضون ذلك، أبلغت "مستشفيات بيرمنغهام الجامعية" موظفيها يوم الثلاثاء الفائت، بأنها اضطُرت إلى إغلاق جميع غرف العمليات الجراحية في مستشفى "غود هوب" Good Hope.
في سياق مشابه، أبلغ "مستشفى بيرمنغهام للرعاية الصحية المجتمعية" Birmingham Community Healthcare Foundation Trust ، مرضاه بعدم إمكانية قبول أي إحالات جديدة إلى خدمات العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي، وبأنه في صدد إلغاء الإحالات غير العاجلة، وذلك بسبب "الضغوط الكبيرة التي يواجهها داخل المستشفى وفي المجتمع".
وأفاد أحد كبار الأطباء في المؤسسة لـ"اندبندنت" بأن الحالات المرضية بين الموظفين في مستشفاه، زادت بـ"المئات" في غضون 24 ساعة. وحذر من أنه "إذا استمرت هذه الوتيرة في توقف العاملين عن العمل، أو تسارعت على نحو أكثر سوءاً، فأنا لست متأكداً كيف سيمكننا تقديم أي خدمة لاحقاً".
وأضاف، "إننا نبذل في الوقت الراهن كل ما في وسعنا لعدم إلغاء عمليات السرطان، وما زال لدينا عدد قليل من الأجنحة الاختيارية الخالية من كورونا، لكن إذا واصلنا فقدان العاملين بهذا المعدل، ربما نصل إلى تلك النقطة".
في منحىً متصل، أطلع رئيس الوزراء البريطاني أعضاء البرلمان على أن حالات الدخول إلى المستشفيات "تتضاعف كل 9 أيام"، مشيراً إلى أن المملكة المتحدة تسجل أسرع نمو على الإطلاق في حالات الإصابة بعدوى "كوفيد".
في المقابل، تمسّك بوريس جونسون بتدابير "الخطة باء" التي وضعها، بما في ذلك الاستخدام الأوسع لكمامات الوقاية، وفرض حيازة تصاريح "كوفيد" شرطاً لحضور التجمعات والأحداث والفاعليات الجماهيرية، ودعوة الموظفين إلى العمل من المنزل، مشيراً إلى أنها إجراءات "تساعد في التخلص من موجة أوميكرون".
وكذلك اعتبر النواب أن الإجراءات الراهنة جاءت "متوازنة ومتناسبة، بهدف ضمان قدرتنا على التعايش مع ’كوفيد‘ من دون أن نتخلى عن حذرنا".
وأعرب جونسون عن اعتقاده أيضاً بأن من خلال المراجعة المقررة لـ"الخطة باء" في 26 من يناير 2022، "ستعود الحياة إلى حد كبير تقريباً إلى الوضع الطبيعي (و) لن يكون من الضروري الإبقاء على القيود التي نطبقها في الوقت الراهن".
في معلم مغاير، رد النائب في حزب "العمال" المعارض أفضل خان، على ما أورده جونسون، إذ اعتبر إن إنجلترا "تعيش وضعاً غير مستدام". وأضاف مخاطباً مجلس العموم، "ليل أمس، أعلن 17 مستشفى في مختلف أنحاء مدينة مانشستر الكبرى عن تعليق إجراء الجراحات غير العاجلة بسبب تأثير عدوى ’كوفيد- 19‘، وقد اضطُرت 10 مؤسسات استشفائية على الأقل في جميع أنحاء إنجلترا، إلى الإعلان عن وضعية ’الحوادث الخطيرة‘، منذ عيد الميلاد".
وأضاف النائب المعارض، "في الأسبوع الماضي، أعرب رئيس الوزراء عن أمله في أن نتمكّن من تجاوز هذه الموجة، لكنني لا أعتقد أن موظفينا الذين يعملون بجد في مرافق ’الخدمات الصحية الوطنية‘، أو المستشارين العلميين للحكومة، يشاطرونه الرأي".
في مقلب مختلف، تتمسك دوائر رئاسة الحكومة في "داونينغ ستريت" بموقفها القائل إن إعلان مستشفيات عن دخولها وضعية "الحوادث الخطيرة"، "لا يعكس بالضرورة طريقة أداء مؤسسات الخدمات الصحية، لأن هذا الوضع قد يستمر في بعض الحالات، ساعات قليلة".
كذلك أقرّ المتحدث الرسمي باسم جونسون بأن مرافق "الخدمات الصحية الوطنية"، واجهت "عدداً من الأسابيع الصعبة عليها"، وأكد أن إمكانية اتخاذ تدابير إضافية لم تُستبعد، لأنه لم يُعرف بعد ما إذا كانت المملكة المتحدة أو إنجلترا قد وصلتا إلى ذروة موجة "أوميكرون".
ورأى أن "من السابق لأوانه الحكم على التأثير الكامل لمتحوّرة ’أوميكرون‘، لذا من الصواب أن نبقي الإجراءات قيد المراجعة، بحسب ما يتوخى الناس. لكن، وفقاً لما هو الوضع عليه الآن، وهذا ما كان رئيس الوزراء واضحاً حياله، فإننا نعتقد أننا نطبق الحزمة الصحيحة من الإجراءات المتناسبة".
واتصالاً بذلك، علّق متحدث باسم هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" على ما تقدم بالإشارة إلى أنه "على الرغم من أن ليس هناك شك في أن يناير 2022 سيكون شهراً صعباً بالنسبة إلى الموظفين، فإن الهيئة أجرت اختبارات وتفحصاً للخطط الموضوعة، الهادفة إلى التعامل مع الضغط المتزايد. وعلى الرغم من هذه التقارير التي تسرد وقائع، ستواصل الخدمات الصحية إعطاء الأولوية للأشخاص المصابين بمرض السرطان، أو المشتبه في إصابتهم بسكتة دماغية أو بنوبة قلبية".
وختم بالتأكيد على أن "مرافق ’الخدمات الصحية الوطنية‘ ستستمر في رعايتها لمرضى كورونا وغيرهم من طالبي الاستشفاء، لذا يتعيّن على أي شخص يحتاج إلى رعاية، أن يتصل بخدمات الصحة، على غرار ما اعتاد فعله سابقاً، كي يحصل على الدعم الذي يحتاجه".
© The Independent