بعد مرور أكثر من أسبوع، لا تزال قضية محافظة كركوك السابق نجم الدين كريم، واحتجازه في مطار بيروت من قِبل الإنتربول الدولي، بناء على طلب استرداد وجّهته وزارة الداخلية العراقية، تتفاعل.
ففي الـ21 من مايو (أيار) الحالي، وصل مُحافظ كركوك السابق نجم الدين كريم إلى مطار رفيق الحريري الدولي، آتياً من مدينة إربيل في إقليم كُردستان العراق. حينها، تناقضت الأنباء عما جرى معه في المطار، فبينما قالت مصادر سياسية عراقية إن "كريم قُبض عليه من قِبل السُلطات اللُبنانية، بناء على طلب عراقي، وسيُسلم إلى السُلطات المركزية العراقية ليحاكم، بناء على ملفات قضائية عدة مرفوعة ضده"، نفت جهات مُقربة من كريم تلك الأنباء، وأكدت أنه "طلب استرداد كيدي قديم، قُدّم من قِبل حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، وأن السُلطات اللُبنانية احتجزت فقط أحد جوازات سفره، إلى أن تتحقق من الأمر، وأنه يملك كامل حرية التحرك في لبنان، وسيعود إلى إربيل في أقرب وقت".
وزارة الداخلية العراقية أصدرت توضيحاً بيّنت فيه "أنها خاطبت الإنتربول اللبناني عبر البرقية رقم 8259 بتاريخ 21 مايو 2019، بعدما علمت بأن كريم موجود على الأراضي اللبنانية، لأنه مطلوب للجهات القضائية العراقية، بحسب وثيقتي بحث وتحر، صادرتين عن الجهات العراقية، وأن الوزارة على تواصل مع نظيرتها اللُبنانية، حتى إرسال طلب الاسترداد العراقي الخاص، لينظر القضاء اللبناني في أمره، ومن ثُم يُحدد قراره بشأن الموافقة على التسليم من عدمه".
وساطات
طوال الأسبوع الحالي، تداولت وسائل إعلام عراقية الكثير من الأنباء بشأن تدخلات عراقية وإقليمية في مسألة المحافظ كريم، كون مسألته لا تتعلق بملف قضائي مالي فحسب، بل تتعداه لأن تكون واحدة من منصات المواجهة السياسية والقانونية، التي كانت ولا تزال بين بعض القوى السياسية العراقية، خصوصاً تيار رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ونظيرتها الكُردية، لا سيما الحزب الديمقراطي الكُردستاني وزعيمه مسعود بارزاني، على خلفية الصراع السياسي والعسكري على المناطق المُتنازع عليها بين الطرفين، إذ كان كريم يشغل أكثر المواقع حساسية في هذا الملف، كان محافظاً لكركوك منذ عام 2011.
وقالت المصادر إن "زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني هاتف رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، وطلب تدخله في الموضوع، خصوصاً أن دوره مؤثر في الداخل اللبناني، وتحديداً مع الأحزاب الشيعية اللبنانية. إلا أن مكتب رئيس الوزراء العراقي نفى الأنباء رسمياً، معلناً أن رئيس الوزراء علم بالقضية بعد مرور يوم كامل عليها، وبعدما أخذت سياقاتها القانونية الطبيعية".
الأمر نفسه بالنسبة إلى الأنباء التي تحدثت عن الوساطة وتدخل رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، وثيق الصِلة برئيس الوزراء اللبناني الحالي سعد الحريري. إذ نفت شخصيات قريبة من علاوي قيامه بمثل تلك التدخلات، على الرغم من صلات القرابة السياسية والعائلية التي تجمع الطرفين.
كذلك تم تداول أنباء تقول إن "زعيم الحزب الديمقراطي الكُردستاني مسعود بارزاني كلّف رئيس الوزراء السابق (رئيس الإقليم المُنتخب مُنذ أيام) نيجيرفان بارزاني بمتابعة الموضوع، لما يملكه من علاقات وثيقة مع سياسيين ورجال أعمال لبنانيين، ومنع تسليم كريم إلى السُلطات المركزية العراقية بأي ثمن".
اتهامات وردود
الجهات السياسية العراقية المناوئة للمحافظ السابق ذكرت "أنه متورط بإيداع أكثر من 160 مليون دولار من عائدات نفط محافظة كركوك في حساباته الخاصة، طوال السنوات التي كانت فيها المحافظة خارج سلطة الحكومة المركزية بين الأعوام 2014-2017". كذلك اتهمته بأنه "كان يعمل على تصدير نفط المحافظة خارج خطوط التصدير النظامية والمراقبة".
كذلك فإن تلك الجهات استندت إلى قرار محكمة استئناف محافظة كركوك، بتاريخ 23 مايو 2018، الذي طالب بإلقاء القبض على كريم وحجز أمواله المنقولة وغير المنقولة، لأنه طالب أبناء المحافظة بحمل السلاح لـ "الدفاع عنها"، أثناء دخول القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي إليها في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
مكتب المحافظ السابق رد على تلك الاتهامات، عبر بيان توضيحي، أكد فيه "أنه مع ظهور تنظيم داعش الإرهابي في شهر يونيو (حزيران) عام 2014، أوقفت الحكومة المركزية كل الأموال المُخصصة للمحافظة، التي دخلت مرحلة أزمة مالية حادة". وأكد مكتب كريم "أن المحافظ توصل مع رئيس وزراء إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزني إلى اتفاق، يقضي بتخصيص مبلغ عشرة ملايين دولار شهرياً لمحافظة كركوك، دخل حيز التنفيذ بداية عام 2016، كعائدات من مخصصات البترودولار، كي تتمكن المحافظة من إدارة الحياة العامة".
بيان مكتب المحافظ السابق أوضح "أن ليس هناك أي حساب شخصي باسم المحافظ في البنك الذي تتوجه إليه الاتهامات، وأن الحساب الموجود عام يخص محافظة كركوك، وبعلم وزير المالية العراقي حينئذ، ليكون مظلة لمصروفات المحافظة. وأن الإجراءات كلها نظامية، إذ صرفت الأموال على تنفيذ المشاريع الاستراتيجية والخدماتية في المحافظة، ووفق الآليات الإدارية المُتعارف عليها".
المُلاحظ، أن وثيقة الاسترداد التي أرسلتها وزارة الداخلية العراقية إلى السفارة العراقية في بيروت، لتقوم هذه الأخيرة بتسليمها للقضاء اللبناني، لم تتضمن أية إشارة إلى مسائل مالية، تخص أموال النفط في فترة حُكم كريم لمحافظة كركوك، ولا حتى ادعاء محكمة استئناف كركوك الجنائي ضد كريم، ودعوته لاستخدام العنف ضد قوات النظام، بل تضمنت الوثيقة الرسمية العراقية فقط الادعاء على كريم بتهمة استخدام خمس سيارات عائدة للمحافظة من دون وجه قانوني!
السياسي والجنائي
بسبب تداخل المسائل السياسية وصراعات القوى المُتنافسة على قضايا الفساد في العراق، فإن مختلف القوى السياسية العراقية تستخدم مختلف أشكال الاتهام ضد خصومها السياسيين، ويبدو أن قضية محافظ كركوك السابق تحمل الكثير من ذلك.
إذ تقول المصادر الكُردية بأن القوى السياسية المركزية العراقية ناقمة على المحافظ السابق لأنه أيد رفع علم إقليم كردستان على المباني الرسمية لمحافظة كركوك، وأنه بقي حتى آخر لحظة مُصراً على تأييده لاستفتاء استقلال إقليم كردستان العراق. ولأجل ذلك فإن كل التُهم الجنائية مُركبة ضده لغرض سياسي، فكريم صار بالنسبة للقواعد الاجتماعية الكُردية رمزاً للوقوف بوجه هيمنة القوى المركزية وسيطرتها على الأكراد.
كذلك توضح هذه المصادر أن الحكومة العراقية تعترف رسمياً بوجود أكثر من 13 ألف ملف فساد في العراق، يبلغ عدد المتورطين فيها أكثر من مليون مواطن عراقي، وأن الملفات الأكبر تخص كبار السياسيين العراقيين، لكن من دون أن تتجرأ الحكومة العراقية أو المؤسسات القضائية العراقية على تنفيذ أي منها، لأنه ثمة تغطية سياسية عليها من قِبل الجهات النافذة. هذه الجهات التي تسعى لأن تستغل مواقعها وصلاحياتها لكسر إرادة الأكراد السياسية عبر القضاء.