Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رفع الموارد الضريبية يثير مخاوف من التهرب في تونس

تقدر المداخيل وفق موازنة عام 2022 بمليارات الدولارات على الرغم من انتعاش الاقتصاد الموازي 

وزيرة المالية التونسية سهام بوغديري خلال مؤتمر صحافي حول موازنة عام 2022، في 28 ديسمبر الماضي (أ ف ب)

تضمن قانون المالية التونسية لعام 2022 الذي يمثل ميزانية الدولة، أحكاماً جبائية جديدة، وأظهر رفعاً في الضغط الجبائي من 24.4 في المئة في عام 2021 إلى 25.4 في المئة في العام الجديد، ما أدى إلى انتقادات لاختيارات الحكومة في الرفع من الأداء لتعبئة الموارد الجبائية، بحكم أنه  المنحى ذاته الذي اعتمدته الحكومات السابقة وأدى إلى نقص في التعبئة بفعل التهرب الضريبي الذي أحدثته.

واختلف المحللون الذين أدلوا بقراءتهم لهذه الاختيارات لـ "اندبندنت عربية"، حول الفرضيات التي وضعتها الحكومة لتعبئة الموارد والنتائج الواقعية المنتظَرة، حيث تباينت الآراء بين اعتبار رفع موارد الجباية عبر زيادة الأداء، خطوات من شأنها تعميق التهرب، بالتالي نقص التعبئة واستفحال الاقتصاد الموازي، وبين الجزم بتنامي مداخيل الجباية كنتيجة حتمية لأحكام جبائية سابقة اتُخذت في عام 2021، ويُنتظر جني مداخيلها في الموازنة الجديدة، حيث شهدت هذه الواردات نمواً في 2021 ليتواصل نسَقها التصاعدي في العام الحالي.  

تطور الموارد

وتُقدَّر الموارد الذاتية لميزانية عام 2022، بـ 38.6 مليار دينار (13.3 مليار دولار)، أي تطوراً بـ 1.12 في المئة مقارنةً مع تقديرات قانون المالية التعديلي لعام 2021. وتتوزع بين مداخيل جبائية تصل إلى حد 35 مليار دينار (12 مليار دولار) ومداخيل غير جبائية تبلغ 3 مليارات دينار (مليار دولار)، وهبات خارجية تصل إلى نحو 460 مليون دينار (158.6 مليون دولار). 

وتُقدَّر المداخيل الجبائية وفق تقديرات موازنة سنة 2022 بـ 35 مليار دينار (12 مليار دولار)، بتطور قدره 13.9 في المئة مقارنةً مع عام 2021، حين بلغت 30.8 مليار دينار (10.6 مليار دولار). وزادت الموارد الجبائية في 2021 بنسبة 13.5 في المئة مقارنةً مع عام 2020 حين لم تزد على 27.1 مليار دينار (9.3 مليار دولار). وشهد عام 2020 تراجعاً حاداً بفعل الأزمة الصحية بلغ حجمه 6.1 في المئة، بعدما بلغت جملة الموارد 28.9 مليار دينار (9.9 مليار دولار) في عام 2019.
وبلغت الموارد الجبائية المجمّعة 24.6 مليار دينار (8.4 مليار دولار) إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021، مقابل 21.7 مليار دينار (7.4 مليار دولار) في الشهر ذاته من عام 2020 بزيادة قدرها 2.8 مليار دينار (965 مليون دولار)، وبنمو قدره 13.2 في المئة.

وبلغت جملة الأداءات المباشرة 13.2 مليار دينار (4.5 مليار دولار) في عام 2021، بتطور قدره 9.5 في المئة مقارنةً مع عام 2020، التي لم تتجاوز فيها 12 مليار دينار (4.1 مليار دولار). وتوزعت بين 9.5 مليار دينار (3.2 مليار دولار) ضريبة على الدخل ومليار دينار (344 مليون دولار) ضريبة الشركات البترولية و2.6 مليار دينار (896 مليون دولار) ضريبة الشركات غير البترولية.

أما الأداءات غير المباشرة  فبلغت 17.6 مليار دينار (6 مليارات دولار) بزيادة قدرها 16.7 في المئة مقارنةً مع 15 مليار دينار (5.1 مليار دولار) في 2020. وتنوعت بين الرسوم الجمركية بـ 1.3 مليار دينار (448 مليون دولار) والأداءات على القيمة المضافة بـ 8.7 مليار دينار (3 مليارات دولار) ورسم الاستهلاك بـ 3.4 مليار دينار (1.1 مليار دولار) إضافة إلى أداءات ومعاليم أخرى بقيمة 4 مليارات دينار (1.3 مليار دولار).
تهرب ضريبي

وتواجه تونس معضلة التهرب الضريبي الذي يصل حجمه وفق بيانات سابقة لرئاسة الحكومة إلى نحو 25 مليار دينار (نحو 8.6 مليار دولار). وسعت الدولة التونسية إلى الحد من ظاهرة التهرب الضريبي التي تنامت في العقد الأخير بحكم استفحال الاقتصاد الموازي، الذي قُدِّر بنحو 53 في المئة من مجمل النشاط الاقتصادي، ونتج من هذه الظاهرة ارتفاع حجم رؤوس الأموال المتداوَلة خارج المنظومة الرسمية ممثلةً بالبنوك الحكومية والخاصة.

ويبلغ حجم الأموال المتداوَلة خارج القطاع المهيكل وفق محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، حوالى 4 مليارات دينار (1.37 مليار دولار)، ويتم تداولها بالمناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويُشار إلى أن السلطات التونسية لم تحدد قائمةً تضم رجال الأعمال والشركات والمؤسسات المتهربة من الضرائب.

تغييرات

ونفى المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد سويلم، ارتباط ارتفاع الموارد الجبائية بالتهرب الضريبي والاقتصاد الموازي. ورأى أن "النشاط الاقتصادي غير المؤطر قانونياً لن يتأثر بالزيادة والنقصان في الأداءات. فهو غير مقنن ولا يخضع لها بحكم طبيعة ممارسته، بينما يتأثر الضغط الجبائي بالناتج القومي الخام، بالارتفاع أو الانخفاض حسب النمو المسجل. وكلما زاد النمو ارتفعت المداخيل الجبائية. وبناءً على ذلك يُنتظر تسجيل زيادة في الضغط الجبائي تُقدَر بـ 1 في المئة لتصل الى 25.4 في المئة في عام 2022، وهي زيادة تقديرية بالموازنة الجديدة". 

ويأتي ذلك بحكم تطور نسق النمو المفترض بعد فترة الركود التي اتسم بها عاما 2020 و2021 بسبب الأزمة الصحية، حيث يُنتظر تسجيل نسبة نمو تُقدر بـ 2.6 في المئة لعام 2021 في المجمل.
ولا تنص ميزانية 2022 على فرض ضرائب جديدة على المؤسسات التونسية، لكن يُشار إلى إحداث تغييرات في سلم الضرائب وقد سُنّت عام 2021. ويُذكر أنه تم تخفيض الضريبة على أرباح الشركات التونسية من 25 إلى 15 في المئة في عام 2021. ما عدا الشركات البترولية والاتصالات والبنوك والتأمينات التي تفرض عليها ضرائب بقيمة 35 في المئة من الأرباح. 

كما فُرضت ضرائب بقيمة 10 في المئة على الشركات غير المقيمة والمصدرة كلياً بعد أن كانت معفاة في الماضي. وأتت هذه الإجراءات بهدف إحداث التوازن بين الشركات المقيمة وغير المقيمة. وفي إطار سعي تونس إلى احترام المعاهدات الدولية بعد مغادرتها القائمة السوداء لغسيل الأموال الخاصة بمجموعة العمل المالي (فاتف) في عام 2019. ويُنتظر ظهور انعكاسات مباشرة لهذه التنقيحات على الموارد الجبائية المجمعة لعام 2022 بعنوان أرباح سنة 2021.
غياب العدالة الضريبية

من جهة أخرى، اعتبر الباحث الاقتصادي جمال بن جميع، أن "ارتفاع الضغط الجبائي يؤدي حتماً إلى التهرب الضريبي، بالتالي استفحال النقص الحاصل في الموارد من الضرائب". وتخسر تونس سنوياً عائدات جبائية بقيمة 1.1 مليار دينار (379 مليون دولار)، ما يساوي 1 في المئة من الناتج القومي الخام وفق شبكة العدالة الضريبية (مستقلة). 

وتشكل الخسائر الناجمة عن التهرب الضريبي للمؤسسات 0.9 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وفشلت القوانين والإجراءات في كبح التهرب، وزاد رفع الضرائب في استفحاله، فيما تحتاج المؤسسات التونسية الصغرى إلى تكريس العدالة الجبائية الغائبة في الوقت الراهن.

وأضاف بن جميع أن "الخيارات الحالية برفع موارد الجباية تزيد من تكريس اللاعدالة المستفحلة التي تنخر المنظومة الاقتصادية. ونصت الميزانية الجديدة على الرفع في رسوم تخص الأفراد مثل رسم جولان العربات وأداء على الاستهلاك بالمغازات الكبرى... وبذلك تنعكس الزيادة في الضرائب بالسلب على الجباية وتُضعف مواردها، في حين تعجز الدولة التونسية عن فرض القانون بوضع قائمة واضحة للمؤسسات الكبرى المتهربة، بينما يخضع الأفراد إلى الأداءات المباشرة غير الخاضعة لمعايير حجم الأرباح".