Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل انفرط عقد "حركة النهضة" بعد إجراءات 25 يوليو؟

تعمّقت أزمتها الداخلية مع توالي الاستقالات في صفوفها 

رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي (أ ف ب)

تمر "حركة النهضة" بأسوأ أزمة داخلية في تونس إثر قرارات الـ25 من يوليو (تموز) 2021، وما تلاها من موجة استقالات طاولت قيادات من الصف الأول للحركة، وبعد تنامي الانتقادات الموجهة لرئيسها، راشد الغنوشي، الذي ترى قيادات في الحركة أنه لم يُحسن إدارتها، ولا إدارة مؤسسة البرلمان، كما يحملونه مسؤولية ما آل إليه الوضع داخل البرلمان، علاوة على التدهور الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، والذي أدى إلى الإجراءات الاستثنائية في يوليو الماضي التي هزّت الحركة من الداخل، ما تسبّب في ما يشبه الزلزال بالمشهد السياسي في تونس.

فأي مصير ينتظر هذا الحزب ذا المرجعية الإسلامية؟ وهل يمكن الحديث عن مشهد سياسي في تونس مستقبلاً من دون "حركة النهضة"؟

أزمة داخلية عمّقها 25 يوليو

تعمّقت أزمة "حركة النهضة" الداخلية، مع توالي الاستقالات في صفوفها اثر إعلان 16 عضواً من مجلس شورى الحركة في أواخر عام 2021، تعليق عضويتهم، إضافة إلى استقالة 113 عضواً في سبتمبر (أيلول) الماضي، بينهم نواب في البرلمان المُعلّقة أعماله، بسبب ما قالوا إنه "إخفاق في معركة الإصلاح الداخلي للحزب".

كما باتت الحركة تنتظر مصيرها بعد التهديدات المُتتالية لرئيس الجمهورية، قيس سعيد، مُقاضاة الأحزاب المتورطة في التمويل الأجنبي الذي يُجرّمه القانون الانتخابي، بينما تحدّث مراقبون عن إمكانية الذهاب إلى حل الحزب والمتورطين معه، في حال ثبتت قضائياً تلقي هذين الحزبين ("النهضة" و"قلب تونس") تمويلات أجنبية.

وقد لوّح الرئيس التونسي بإصدار مراسيم خاصة لتنفيذ قرارات محكمة المحاسبات فيما يتعلق بـ"الجرائم الانتخابية" المسجلة في انتخابات 2019، والتي قد تصل إلى إسقاط قوائم انتخابية لأحزاب ورد اسمها ضمن تقرير محكمة المحاسبات. 

حضور ضعيف في المستقبل لـ"النهضة"

يعتبر النائب السابق والكاتب، هشام الحاجي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه "من الناحية السياسية يصعب تشكيل مشهد سياسي جديد في المستقبل القريب من دون "حركة النهضة"، على الرغم من تراجع شعبية هذه الحركة بشكل كبير ولافت، حيث لم تعد الحزب المهيمن والمسيطر الذي يقرر تقريباً بمفرده، بل أصبحت حزباً عادياً، وقد تزداد ضعفاً في المرحلة المقبلة، وخصوصاً أن الحركة في مواجهة غير متكافئة مع رئيس الجمهورية الذي يحظى حتى الآن في استطلاعات الرأي بشعبية واسعة، إضافة إلى مشاكلها الداخلية والاستقالات التي تعصف بسردية أنها حزب متماسك ومُهيكل، كما أنها باتت في مواجهة مع القضاء، وستكون للتتبّعات القضائية التي تلاحق عدداً من قياداتها، تداعيات على حجم الحركة في المشهد السياسي مستقبلاً".

ويضيف الحاجي، أن "عدم وجود أحزاب قوية في الساحة السياسية في تونس، سيجعلها مستفيدة إلى حدٍّ ما"، لافتاً إلى أن "الدستوري الحر" الذي يُعد المنافس الشرس لـ"حركة النهضة"، لم يصبح حزباً مهيكلاً وقوياً بما يكفي". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد النائب السابق، أن "(حركة النهضة) باتت عاجزة على بناء تحالفات جديدة، مع أحزاب أخرى، وهو ما يتجلى منذ 25 يوليو إلى اليوم، حيث ترفض الأحزاب التي تعارض الإجراءات الاستثنائية لرئيس الجمهورية التعامل مع الحركة، وهو مؤشر على أن حضورها مستقبلاً سيكون ضعيفاً".

ويشدد الحاجي على أن "(حركة النهضة) استهلكت برنامجها السياسي الذي ارتكز على الاستثمار في المظلومية، واكتفت بشعارات عامة، في إدارتها للشأن العام عند ممارسة السلطة"، وبخصوص شكل الخريطة السياسية في المستقبل يتوقع الحاجي، أن "تتكون من الأحزاب التي قد تتشكل من رحم التوجهات العامة لرئيس الجمهورية بمبادرة من شخصيات وطنية، إضافة إلى الدستوري الحر وأحزاب التيار الديمقراطي، وحركة الشعب، إلى جانب (حركة النهضة)".

"النهضة" فشلت وعليها الانسحاب

في المقابل، يرى الكاتب الصحافي والمحلل السياسي، خليل الرقيق، في تصريح خاص، أنه "من الممكن تشكيل مشهد سياسي في تونس مستقبلاً من دون (حركة النهضة)"، لافتاً إلى أن "المشهد السياسي في تونس تشكّل لسنوات من دونها، والمشهد السياسي لا يتطلب حزباً بعينه، بل يتطلب سلطة قوية وناجزة وقادرة على رفع التحديات وتحقيق الرفاه للتونسيين". 

ويشدد الرقيق على أن "(حركة النهضة) جرّبت السلطة، وفشلت على جميع الصعد على مدى عشر سنوات كاملة، حيث لم تستطع أن تطور المجتمع السياسي التونسي، بل جعلته ملعباً للمُحاصصات والحسابات السياسية الضيقة، كما أنه لا يوجد ما يدل على أن (حركة النهضة) نجحت اقتصادياً أو اجتماعياً في معالجة مشاغل التونسيين". 

ويدعو الرقيق "حركة النهضة" إلى الانسحاب من المشهد، لتترك المجال لتجربة سياسية جديدة في تونس، لافتاً إلى أن "هذه الحركة لن تنقرض من المشهد السياسي بين عشية وضحاها، لأنها تمثل تياراً فكرياً موجوداً في المجتمع، وهو تيار المحافظين ولديها ثقافة معينة تمثلها داخل الشارع التونسي، ولكن ليس بالحجم الذي سيسمح لها بأن تطوع المشهد السياسي لصالحها". 

ويتوقع أن "تبقى الحركة كتيار فكري، ينشط بدرجة محدودة في المشهد السياسي من دون أن يكون لها تأثير كبير".

وختم قائلاً، "قوتان أساسيتان ستبقيان في المشهد السياسي التونسي، وهما التيار الذي يساند قيس سعيد، على الرغم منم أنه لم يتبلور بعد في حزب سياسي أو حركة، إلى جانب الحزب الدستوري الذي يملك خزاناً انتخابياً موجوداً في الواقع في جميع جهات الجمهورية، إضافة إلى ما يمكن تسميته القوى الثالثة على غرار حركة الشعب والحركات التي ستُساير الرئيس سعيد، وتعمل ضمن توجهاته".

أطراف تسعى إلى إقصاء "النهضة"

في المقابل، نفت "حركة النهضة" الاتهامات الموجهة إليها في علاقة بملف الإرهاب، والتعاقد مع شركات ضغط لتلميع صورتها، رافضة محاولات تشويهها التي تهدف إلى استبعادها من المشهد السياسي.

واتهم المستشار السياسي لرئيسها، سامي الطريقي، في ندوة صحافية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، "أطرافاً تسعى إلى ضرب حركة النهضة بأي طريقة كانت، وإقصائها من المشهد السياسي باستخدام أجهزة الدولة، وتهديد القضاء والضغط عليه".

وأكد الطريقي "وجود ضغوط ومساع لإسقاط قوائم حركة النهضة في الانتخابات التشريعية السابقة التي فازت النهضة بأغلبيتها".

وقالت القيادية في الحركة وعضو البرلمان التونسي المعلقة أعماله، زينب البراهمي، إنه "لا صحة للاتهامات التي توجه إلى الحركة بتلقي تمويل أجنبي خلال الانتخابات الماضية"، مضيفة أن حزبها "يحتكم إلى القضاء وعلوية القانون".

وتابعت البراهمي أنه "يجري توجيه الرأي العام عبر مغالطات وحملات تشويه تستهدف حركة النهضة".

"النهضة" تتفهم وتتعهد المراجعات

يذكر أن "حركة النهضة" قد عبّرت إثر الإجراءات الاستثنائية في يوليو الماضي عن "تفهُّمها الغضب الشعبي المتنامي، بخاصة في أوساط الشباب بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي، بعد عشر سنوات من الثورة".

وعبَّر مجلس شورى الحركة، المنعقد في 4 أغسطس (آب) على "ضرورة قيام الحركة بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية، والقيام بالمراجعات الضرورية، والتجديد في برامجها وإطاراتها في أفق مؤتمرها الحادي عشر".

وكان من المقرر أن تعقد الحركة مؤتمرها نهاية 2021، إلا أنه تأجَّل لأسباب صحية على علاقة بالوضع الوبائي، ولأسباب داخلية، منها الانشقاقات التي تعيشها، ورفض عدد كبير من قيادييها ترشّح رئيسها الحالي راشد الغنوشي لولاية ثالثة، وتمسّكهم باحترام النظام الأساسي للحركة، الذي ينص على عدم ترشّح رئيس الحركة، لأكثر من دورتين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير