تكفّل الشجار النيابي الأخير والذي تخلله تبادل اللكمات والشتائم، بإنعاش ذاكرة الأردنيين، وأعاد للأذهان تاريخاً طويلاً من العنف النيابي على مدار تاريخ المجلس منذ عام 1946.
الحادثة التي حظيت باهتمام ومتابعة الإعلام العالمي، لم تكن الأولى، وسبقتها قبل أشهر حادثة أخرى شتم فيها أحد النواب المجلس النيابي بكلمات نابية، ولم يلبث أن تطور الأمر إلى أزمة أمنية وعشائرية محلية، بعد فصل النائب أسامة العجارمة ومن ثم سجنه بتهمة التطاول على العاهل الأردني.
وانقسم الأردنيون في ردود فعلهم بين من يرى في الشجارات البرلمانية ظاهرة صحية تحدث في أغلب برلمانات العالم المتقدم، ويكون سببها خلاف في الرأي حول القوانين والخدمات والأداء الحكومي، وتيار آخر يرى أن الشجار البرلماني هو انعكاس لحالة العنف التي تسود المجتمع الأردني برمته.
حادثة العض
ويستذكر الأردنيون حادثة قيام أحد النواب بقضم أذن نائب آخر تحت قبة البرلمان الـ13. ففي عام 2001 قرر رئيس مجلس النواب الأردني آنذاك عبد الهادي المجالي رفع الحصانة البرلمانية عن نائبين وإحالتهما إلى القضاء إثر مشاجرة جرت بينهما في مبنى المجلس وقضم خلالها أحدهما أذن الآخر.
وتعارك النائبان السابقان منصور مراد وأحمد العبادي بالأيدي داخل غرفة بمبنى المجلس، وبعد أن تبادلا الشتائم والسباب، قضم النائب العبادي أذن النائب مراد أثناء المشاجرة، فأصابه بجروح نُقل على إثرها إلى المستشفى لإعادة الجزء المقطوع من أذنه إلى مكانه.
تاريخ العنف البرلماني
وفي شهر سبتمبر (أيلول) عام 2013، اقتحم نائب غاضب قبة المجلس ببندقية كلاشينكوف، وأطلق رصاصتين بعد خلاف سابق مع زميل له. وقبلها بأيّام كان أكثر النواب الأردنيين إثارة للجدل يحيى السعود قد دخل في شجار مع زميل له أيضاً.
استفزت هذه الرصاصات العاهل الأردني والحكومة، وعُقدت جلسة طارئة للبرلمان انتهت بالتصويت على فصل مطلقها، وتجميد عضوية آخر، باعتبارها "حادثة غير مسبوقة وخطيرة تعبّر عن انحدار مستوى ممثلي الشعب إلى الحضيض".
مرة أخرى وفي العام ذاته، استخدم نائب آخر السلاح تحت قبة البرلمان، وحاول إشهار مسدسه في وجه زميل له إثر جدال وغضب ومشادات، لكن من دون أن يطاله أي إجراء.
وفي حادثة طريفة سجلتها كاميرات الإعلام المحلي، وجه النائب يحيى السعود لكمات لوجه زميله معتز أبو رمان، وتقاذف الاثنان عبوات المياه والأوراق والملفات الرسمية، وتحول الأمر برمته إلى مادة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشادات كلامية
وفي المجلس النيابي الـ16 عام 2010، اعتدى النائب السعود على زميله اليساري جميل النمري، ورماه بالحذاء من دون أن يصيبه.
وفي المجلس الـ15 عام 2007، هاجم النائب خليل عطية زميله فخري اسكندر بعد مشادات كلامية.
وفي المجلس الـ14 الذي انتخب عام 2003، تبادل رئيس الوزراء السابق عبد الرؤوف الروابدة الشتائم والاتهامات مع نواب الإخوان المسلمين وحزب "جبهة العمل الإسلامي" بعد نقاش حاد حول إبعاد قادة حركة "حماس" من الأردن.
أما في العام 1993، اضطر المجلس لاستبدال المنافض الزجاجية بأخرى، بعد أن رشق نائب غاضب زميلته النائبة الأبرز في تاريخ المجلس توجان فيصل بعد مشاجرة "حامية".
وإثر هذه السلسلة الطويلة من حوادث العنف البرلماني، أقر المجلس النيابي تعديلات على نظامه الداخلي تتيح له تجميد عضوية أو رفع الحصانة عن كل من يحاول الإساءة إلى مجلس النواب بالقول أو الفعل أو بحمل سلاح تحت القبة أو في أروقة المجلس بالمدة التي يراها المجلس مناسبة، وبالنظر إلى جسامة كل فعل على حدة.
فوضى خلاقة
بدوره يؤكد الكاتب ماهر أبو طير أن الفوضى الخلاقة التي شهدها البرلمان الأردني مؤشر خطير، على الوضع خلال الفترة المقبلة، فثمة حالة توتر شديد وشكوك، وتحفيز سلبي شخصي وعام داخل البرلمان، في أهم توقيت العمل السياسي الأردني.
ويضيف أبو طير "في كل برلمانات العالم تحدث مشادات من هذا القبيل، لكننا اليوم أمام حالة فريدة لا يمكن مطابقتها مع ما يجري في برلمانات ثانية، لأن البرلمان في الأردن له سقف طوال عمره، لكننا نشهد شكلاً مختلفاً".
أرشيف زاخر
ويعتبر الكاتب زيد النوايسة أن ما حدث ليس خارجاً عن المعتاد، ولكنه الأكثر حدة وغرابة، ويضيف أن أرشيف مجلس النواب الأردني زاخر بعشرات حالات العنف اللفظي والجسدي، بما فيها إطلاق العيارات النارية، لكنه يرى أنّ ما جرى أخيراً يفوق كل ما سبقه، ما أشعر الأردنيين بالذهول.
يضيف النوايسة "هذه ثاني أخطر حادثة يمر بها المجلس الـ19، بعد حادثة عبارة "الطز" التي استمرت أكثر من أسبوع، وأدخلت الأردن كلها في أزمة ناتجة من سوء التقدير والعنف وفائض الاستعلاء والزهو وعدم الاحتكام للغة الحوار والقانون".
ويعزو النوايسة العنف النيابي إلى الجو العام المشحون والآخذ في الاتساع، وهو ما ينسحب على النواب الذين يعانون من ضغوط يومية من قبل قواعدهم، من حيث عدم تمكنهم من الاستجابة للمطالب المتعلقة بالخدمات العامة أو الخاصة في قضايا التوظيف، بالتالي لا خيار أمامهم إلا مسايرة الخطاب الرافض والشعبوية.