Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إشكاليات الفنانين السود في السينما الأميركية كما يراها ويل هايغود

100 "عام من التلوين في عالم أبيض" كتاب سجالي ينطلق من فوز أوباما

الكاتب والصحافي الأميركي ويل هايغود (صفحة الكاتب على فيسبوك)

في السابع من نوفمبر(تشرين الثاني) 2008، نشرت "واشنطن بوست" مقالاً بعنوان "خادم جيد خدم في هذه الانتخابات"، للكاتب الأميركي ويل هايغود، عقب الاكتساح الذي حققه باراك أوباما على خصمه جون ماكين بأيام قليلة. حظيت هذه المقالة لاحقاً باهتمام ورواج عالميين، وتم تحويلها إلى فيلم بعنوان "رئيس الخدم 2013" بطولة روبن ويليامز وأوبرا وينفري، إخراج لي دانييلز، وأصبحت النواة الرئيسة للكتاب الصادر حديثاً لهايغود تحت العنوان الطويل "التلوين: مائة عام من الأفلام السوداء في عالم أبيض - Colorization: One Hundred Years of Black Films in a White World"، الذي يتتبع فيه حياة كبير الخدم في البيت الأبيض يوجين ألين عبر 34 عاماً عاصر خلالها وتعامل مع أكثر من رئيس للولايات المتحدة.  

يُقدم الكتاب نظرة شاملة على التغيرات التي طرأت على السينما والتاريخ ومسألة العنصرية على مدار القرن الماضي، لا سيما أن مؤلفه يعد شاهد عيان على عدد لا بأس به من مجريات الأحداث. لذلك فهو، كما وصفته الصحف العالمية، "كتاب سينمائي وتاريخي يدافع عن الحقوق المدنية". ولا شك أن للسود تاريخاً طويلاً داخل مطبخ البيت الأبيض، كما يشير تيد سورنسن مستشار الرئيس جون كينيدي "في المطبخ، كان الناس دائماً من السود"، وبحسب هايغود، فإن هذا التاريخ ينتهي عند يوجين ألين، آخر الرجال من ذوي البشرة السمراء. 

على جانب آخر، وبعيداً من أجواء المطبخ، يُسجل فريدريك مورو الريادة في تاريخ السود داخل البيت الأبيض، لكونه أول أسود يشغل منصباً سياسياً كمستشار في وزارة التجارة الأميركية، عقب مشاركته ضمن الحملة الانتخابية للرئيس السابق أيزنهاور 1952، وهو ما يتطرق إليه هايغود في كتابه مع بعض النماذج الأخرى لمشاهير من ذوي البشرة السمراء، متخذاً من السينما خلفية واسعة لاستعراض ما جرى بالصوت والصورة.

السينما كعدو جديد

يحمل كتاب هايغود عنواناً شاعرياً يُلخص مأساة أصحاب البشرة الملونة، ليس فقط في نطاق الولايات المتحدة فقط، وإنما في كل مناخ تعامل بشكل مختلف مع جزء لا يتجزأ من الجنس البشري. من المؤكد أن أفلام ما قبل عام 1915 لم تخلُ من أصحاب البشرة السوداء أو قضايا العنصرية، إلا أن مؤلف الكتاب اتخذ من أكثر الأفلام الموصومة بالعنصرية بداية لبحثه، وهو فيلم "ميلاد أمة" للمخرج الأميركي دي دبليو غريفيث، وقد عُرض في فبراير (شباط) من عام 1915، لينهي المائة عام بفيلم يحمل العنوان نفسه من إخراج نيت باركر، عرض في 2015. وعلى الرغم من أن الفيلمين من إنتاج أميركي، فثمة فروق بينهما تعود إلى اختلاف منظور كلا المخرجين، فغريفيث أبيض البشرة، فيما ينتمي باركر إلى أصحاب البشرة الملونة، ومن هنا نشأت أيديولوجيا طرح قضية العرق.

يُقدم غريفيث السود في صورة مجرمين، مُدمنين للجنس، ولا يتمتعون بذكاء يُذكر، وهذا ما يرصده المؤلف في الفصل الأول تحت عنوان "ليلة الأفلام في البيت الأبيض". عُرض الفيلم في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس ويلسون وشاهده ما يقرب من ربع سكان الولايات المتحدة. في هذا الصدد يقول هايغود، "أصبح من الواضح بشكل قاتم أن السود لديهم عدو جديد، إنه السينما"!.. وعلى الرغم من إنجازات ويلسون في الحركة التقدمية الأميركية التي رشحته بقوة من قبل الجماهير كـ "قائد تنويري"، فقد تسببت طريقته في التعامل مع ملفات العرقيات والحريات المدنية في كثير من الانتقاضات الرافضة.

أفلام وجوائز

يأتي الفيلم الشهير "Gone with the Wind-ذهب مع الريح 1940" إخراج فيكتور فليمنغ في مقدمة قائمة المائة عام من حيث الجوائز، بحيث حصد 8 جوائز للأوسكار عقب عرضه، من بينها أفضل ممثلة مساعدة للمسرحية هاتي ماكدانيال عن أدائها المميز لدور المُربية الزنجية "مامي".

ولدت ماكدانيال في ولاية كانساس لأبوين من العبيد الزنوج وعملت أمها كمغنية ترانيم في الكنيسة، فيما حارب والدها في الحرب الأهلية ضمن الفرق (الملونة) في جيش الاتحاد. وبهذا التكريم أصبحت ماكدانيال أول أميركية من أصل أفريقي تحصل على الأوسكار.

من ضمن الأفلام أيضاً "Years a Slave12 - اثنا عشر عاماً من العبودية 2013" للمخرج البريطاني ستيف ماكوين. حصد الفيلم المبني على السيرة الذاتية لأحد العبيد المزارعين عام 1841، أكثر من جائزة، على رأسها ثلاث جوائز أوسكار. ينتمي مخرجه إلى ثلاثة أعراق، البريطاني والأميركي فضلاً عن أصوله الأفريقية، في العام الماضي حصل على لقب "فارس"، وهو من أعرق الأوسمة في بريطانيا.  

سبايك لي.. أخوة سوداء

للمخرج الأميركي سبايك لي مساحة مميزة في الكتاب، على مستويين، الأفلام والسيرة، وهو ليس بالغريب طبعاً، إذ يجتمع جميع من في الكتاب (بمن فيهم المؤلف) على أخوة الدم كعنوان فيلم لسبايك، أنه الدم الأسود.

لا يخلو فيلم لسبايك من الممثلين السود أو قضايا العرق في العموم التي شغف في تتبعها عبر مسيرته، لأجل هذا قام بإنشاء شركة إنتاج خاصة أنتجت معظم أفلامه التي تجمع بين النخبوية والجماهيرية، فهو لا يلجأ إلى استعراضات إخراجية أو تراكيب معقدة، بل يسير وفق منهجية الحبكة المعتادة، السهلة لدى المشاهد، وربما لولا قضايا العنصرية المطروحة في أفلامه وتطعيمها بالأفكار لاستقبلت بشكل مغاير. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في فيلم "Do The Right Thing-افعل ما هو صواب" 1989 يتناول سبايك "المشكلة السوداء" في قالب كوميدي. رُشح الفيلم لعدد من الجوائز من بينها الغولدن غلوب، الأوسكار وجائزة الرابطة الوطنية الأميركية لتنمية الملونين. إلى جانب الإخراج قام سبايك بالتأليف والإنتاج وبالتمثيل أيضاً.

مواهب أهدرتها "هوليوود"

عقب عرض فيلم بورجي وبيس- Porgy and Bess " أواخر الخمسينيات كتبت المسرحية الشابة (آنذاك) لورين هانزبيري، "نحن نعترض على الأدوار التي تصور نساءنا كشريرات ورجالنا كحفنة من الضعفاء، كما أننا لا نريد رؤية سيدني بواتييه البالغ طوله ستة أقدام يجثو على ركبتيه باكياً من أجل بغي". وقد رأى هايغود أن بواتييه بدا وكأنه يخرج من داخل حُلم، سعى عديد من الأميركيين لتحقيقه.

في أوائل سبعينيات القرن الماضي، صاغ المنتج السينمائي جونيوس غريفين مصطلح "Blaxploitation"، ويعني به استغلال السود أو قضاياهم من خلال الأفلام السينمائية، وهي سينما لا تختلف كثيراً عن "سينما الاستغلال" التى تعتمد على إنتاج مجموعة من الأفلام ذات الميزانيات المنخفضة تخاطب الرغبات الحسية للمشاهد. في استغلال السود يتم استخدام الممثلين الأفرو- أميركيين، لبطولات تقوم قصصها علي تقديم (بطل أسود) يواجه الأشرار في سياق استهلاكي تجاري سواء على مستوى السيناريو والإخراج أو الأداء التمثيلي.

خصص المؤلف فصولاً عدة من الكتاب تتناول هذه المسألة، مستعيداً تجارب لأسماء سينمائية على مستوى الإخراج أو التمثيل ومن أجيال مختلفة مثل، جوردان بيل، آفا دوفيرناي، جون سينغلتون وغيرهم. وأوضح الكيفية التي أهدرت بها "هوليوود" إمكاناتهم المختلفة وبعض الحالات التي تم فيها تجاهل متعمد من لجان الأوسكار لأفلام مميزة، حتى أن المخرج العالمي فيديريكو فيليني قال في حفلة توزيع الأوسكار 1993، "الأفلام وأميركا، هما الشيء نفسه تقريباً".

ولد ويل هايغود في ولاية أوهايو سنة 1954، عمل في الصحافة والإذاعة وأجرى عديداً من المقابلات في برنامجه الإذاعي كانت بمثابة مراجع مهمة لكتابه "التلوين". إلا أن شهرته العالمية تعود إلى مقال "الخادم". من مؤلفاته "شاهد على التاريخ"، "بالأبيض والأسود"، "ملك القطط"، و"المواجهة". وما يسترعي الانتباه أن الخادم الكبير بطل المقال والكتاب، رفض إجراء حوار مع هايغود. فكما يُقال إن عائلة الرجل رغبت في إبعاده عن الضوضاء التي ستجلبها حكايته القديمة، وهو ما لم يحدث!    

 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة