Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الصيد الثمين" في انتظار القصاص... أسرار عملية تسليم "هشام عشماوي" من ليبيا إلى مصر

محتجز في مقر سريّ شديد الحراسة بزنزانة انفرادية...  واتخاذ جميع الاحتياطات لمنعه من إنهاء حياته

مثلت إذاعة عملية تسليم الإرهابي المصري الخطير هشام العشماوي من ليبيا إلى مصر على الهواء مباشرة، حدثا نادرا خلال سنوات الحرب على الإرهاب التي خاضتها مصر مع موجة العمليات والتنظيمات الإرهابية التي اجتاحت البلاد لعدة سنوات، وبخاصة منذ إطاحة حكم جماعة الإخوان المسلمين في صيف 2013، لكن تظل هناك الكثير من الأسئلة والأسرار المرتبطة بمسار ومصير "عشماوي"، الذي أصبح القاصي والداني يعلم اسمه وربما سيرته الذاتية الكاملة منذ ميلاده بحي مدينة نصر شرقيّ العاصمة المصرية عام 1978 ولحظة وصوله مكبّلاً ومعصوب العينين إلى مطار القاهرة على متن طائرة عسكرية أقلّته من ليبيا.

 

اتفق خبراء قانونيون وأمنيون مصريون على أن الإرهابي "هشام علي عشماوي مسعد"، الذي أُلقي القبض عليه في مدينة درنة الليبية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وعُثر بحوزته على بطاقة عسكرية لضابط برتبة رائد بالمعاش رقم 112079، تنتظره إجراءات مثوله أمام نيابات أمن الدولة العليا والنيابات العسكرية في مصر للتحقيق معه في الاتهامات الموجهة إليه، فضلا عن إمكانية إعادة محاكمته حال الطعن على الأحكام الغيابية الصادرة بحقه قبل القبض عليه، ومن بينها حكم المحكمة العسكرية في ديسمبر (كانون الأول) 2017 بإعدامه مع مدانين آخرين بتهمة الهجوم الإرهابي على كمين عسكري في واحة الفرافرة بالحدود المصرية الغربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكدت مصادر قانونية وأمنية متعددة أن عشماوي تنتظره إعادة المحاكمة في القضايا التي صدرت ضده فيها أحكام غيابية خلال فترة هروبه داخل وخارج البلاد، وقال المستشار مسعد عبد العاطي شتيوي، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للقانون الدولي، إن "السلطات المصرية بمجرد تسلّمه بدأت الإجراءات الأمنية والقانونية الخاصة بالتحقيق معه، فضلا عن إجراءات محاكمته أمام القضاء المصري في قائمة من الاتهامات المسندة إليه بموجب التحريات والأدلة التي جمعتها السلطات الأمنية المصرية وما ستتوصل إليه من خلال التحقيقات السابقة حول أدواره في تدريب العناصر الإرهابية وتنفيذ عمليات إرهابية عدة والتخطيط لأخرى وتوفير الدعم المادي واللوجيستي والمعلوماتي لها، فضلا عن التعامل مع أجهزة مخابرات أجنبية وتعاونه معها لتنفيذ مؤامرات ضد الدولة المصرية".

وقالت مصادر أمنية رفيعة المستوى لـ"اندبندنت عربية" إن عشماوي "احتُجز في مقر سريّ شديد الحراسة في زنزانة انفرادية مجهزة بوسائل للمراقبة الدائمة، التي تشمل معدات فنية وكاميرات لمراقبته وتحديد موقعه وتحركاته بشكل مستمر، فضلا عن اتخاذ كافة الاحتياطات لمنعه من إنهاء حياته"، وأوضحت المصادر أن "التحقيقات بدأت بالفعل، للحصول منه على اعترافات لا تستهدف فقط تقديم أدلة جديدة على إدانته في الجرائم المتهم بها، ولكن لكشف شبكة التنظيمات الإرهابية التي ارتبط بها، وكذا الجهات الداعمة لها والأدلة التفصيلية التي تدين دولا داعمة للإرهاب في المنطقة".

لماذا انتظر عشماوي في ليبيا 8 شهور قبل تسليمه؟
وبعد 8 شهور من الجدل حول تسليمه، منذ إعلان قوات الجيش الوطني الليبي إلقاء القبض عليه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وظهور مطالب بضرورة محاكمته في ليبيا عن الجرائم التي ارتكبها بحق المدنيين وقوات الأمن الليبية خلال تمركزه لعدة سنوات في درنة، فضلا عن عرض تسليمه إلى مصر مقابل حصول ليبيا على الإرهابي عبد الرحيم محمد عبدالله المسماري، الذي أُلقي القبض عليه خلال عملية تطهير الظهير الصحراوي لمحافظة الجيزة ردا على عملية "طريق الواحات" الإرهابية ضد قوات الشرطة التي تعرضت لهجوم مباغت عندما كانت في طريقها لشن عملية ضد معسكر ونقاط تمركز للإرهابيين في الصحراء يوم الجمعة الموافق 20 أكتوبر 2017، فإن إبقاء المسماري في مصر قد أسهم في الوصول لزميله العشماوي في درنة، بحسب مراقبين.

 

أوضح عز الدين عقيل، رئيس الائتلاف الجمهوري الليبي والكاتب والمحلل السياسي المقرّب من المشير خليفة حفتر، أنه تم القبض على عشماوي "أثناء تطهير الجيش لمدينة درنة من الجماعات المتطرفة التي كان هذا الإرهابي أحد أعوانها بتوفير الخبرة العسكرية وعلاقاته الواسعة العابرة للحدود مع الجماعات الإرهابية"، مؤكدا أنه كان هناك "مطالب واضحة بضرورة محاكمته، سواء في مصر أو في ليبيا، عن جرائمه بحق الشعب الليبي، وحسب ظني لا بد وأن تكون أحد عناصر مذكرة التفاهم الرئيسة التي تضمنت بنود اتفاق التسليم الذي أبرم بين الجانبين الليبي والمصري".

وفي تفسيره لتأخر عملية تسليم عشماوي، أوضح أنه "بمجرد التأكد من وجود عشماوي في ليبيا، طالبت السلطات المصرية الجيش الوطني الليبي بضبطه وتسليمه كونه مطلوبا وصادرا بحقه عدة أحكام قضائية، فضلا عن وجوده ضمن المتهمين في العديد من القضايا المنظورة أمام القضاء، ولكن تأخر عملية التسليم جاء لأسباب تتعلق برؤية الجيش الليبي لكيفية تحقيق الاستفادة من الجوانب الأمنية والسياسية المتعلقة بهذا (الصيد الثمين)".

وتابع "بالنسبة إلى توقيت التسليم، أتصور أن الجيش الليبي اختار هذا الوقت لأسباب عديدة، أبرزها أن الجيش يريد الدخول رسميا في مرحلة التحول إلى شريك استراتيجي وأمني حقيقي للقوى الإقليمية والدولية بمكافحة الإرهاب وضمان الأمنين والسلمين الإقليمي والدولي، وذلك بعد أن استطاع الجيش الوطني الليبي أن يلبي معايير التحول إلى هذا الشريك بكفاءة عالية من خلال تنظيم وسلامة عملية التسليم، وما رافق عشماوي من تسليم ملفات أمنية تخصّ الأمن القومي المصري أسست لها سلطات التحقيق الليبية، بعد أن شكلت قاعدة بيانات مهمة من جملة التحقيقات مع عشماوي والمرتبطين به وغيرهم خلال عملياتها لمكافحة الإرهاب، ويمكنها أن تكون مجالا مهما لتبادل المعلومات والتعاون الأمني مع دول أخرى".

 

وقال المحلل السياسي الليبي "في تقديري أن قوى دولية مهمة ستثني على هذه العملية وستدفعها إلى الاعتراف بموجبها بحق وكفاءة الجيش الليبي بالتحول إلى شريك استراتيجي بمكافحة الإرهاب، وهو ما سيرتب حصول الجيش بالمقابل على مساعدات كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، خصوصا مرحلة ما بعد انتهاء حرب تحرير العاصمة، وهي المساعدات التي  سيحتاجها بشدة لإعادة استقرار البلاد وترتيب البيت الليبي الداخلي".

ومن الزاوية الأمنية البحتة، قال "عقيل" إن هناك دعما كبيرا تقدمه الجماعات الإرهابية في مصر للجماعات الليبية، والعكس صحيح، و"ربما لو كان  العشماوي سُلّم مبكراً لما تمكّن الجيش الليبي من التوصل إلى كثير من روابط تلك التنظيمات الإرهابية داخل ليبيا وخارجها، وبخاصة مع اطمئنان العديد من العناصر الإرهابية لاستمرار وجود قائدهم في ليبيا، وبخاصة مع رغبة الجيش الليبي بمساعدة السلطات المصرية على الوصول إلى هذه الجماعات وتفكيكها والقضاء عليها، نظرا للترابط الكبير بين الأمن القومي في مصر وليبيا".

 

ومن جانبه، أوضح العميد خالد المحجوب، آمر إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي، إن "تسليم الإرهابي هشام عشماوي للسلطات المصرية جاء وفق اتفاقيات التعاون الأمني المشترك بين البلدين"، مشيرا، في بيان له اليوم الأربعاء، إلى أن "عملية التسليم تمت بعد التحقيق معه تحقيقا موسعا بسبب تورطه في قضايا قتل وجرائم إرهابية"، ولفت إلى عدم وجود مطلوبين آخرين من مصر لدى السلطات في ليبيا.

كواليس اللحظات الأخيرة
تمكنت السلطات المصرية من إحاطة عملية تسليمه بتكتم وسرية شديدة، حيث تم الاتفاق على تحديد إجراءات تسليمه خلال الزيارة التي قام بها حفتر إلى القاهرة خلال شهر مايو (أيار) الحالي، وجاءت عملية التسليم خلال زيارة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، إلى ليبيا مساء الثلاثاء، حيث غادر المسؤول المصري على متن طائرة خاصة إلى ليبيا في حراسة طائرة مقاتلة إلى مقر القيادة العامة للجيش الوطني الليبي في "الرجمة"، فيما انتقلت طائرة عسكرية تحمل على متنها فريقا متكاملا من ضباط جهاز المخابرات العامة المصرية ومجموعة من عناصر القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب الدولي، لتولي مسؤولية تسلم الإرهابي المطلوب وإحضاره إلى مصر.

 

وقال اللواء فؤاد علام، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتابع للرئاسة المصرية، إنه كان "هناك تعاون وثيق بين مختلف الأجهزة الأمنية المصرية في عملية تتبّع هشام عشماوي وكان معلوما لدى السلطات المصرية أنه موجود في ليبيا، وكانت هذه المعلومة معلنة ومعروفة، وجرى التعاون بين الأجهزة الأمنية في البلدين ليتمكن الجيش الوطني الليبي من الإيقاع به، في مدينة درنة، التي شهدت من قبل قيام القوات الجوية المصرية بتوجيه ضربات مكثفة لها عامي 2015 و2017 ثأرا من حادثي ذبح عدد من المواطنين المصريين المخطوفين في ليبيا، فضلا عن العملية الأخيرة التي تورط فيها عشماوي ضد الأقباط في المنيا وخطط لها وقام بتوجيه عناصرها المنفذة من ليبيا".

وأوضح علام أن "التعاون بين جهاز المخابرات العامة المصرية وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع بالقوات المسلحة المصرية، قد أدى إلى هذه الاحترافية العالية في عملية تتبع عشماوي وتحركاته الخارجية لسنوات، والتي أفضت في نهاية الأمر من خلال التعاون مع ليبيا في عملية تسليمه التي يشهد بها العالم على كفاءة الأجهزة الأمنية المصرية"، إلا أن علام أبدى انزعاجه الشديد من طريقة نقل العملية على الهواء مباشرة، وقال المسؤول الأمني المخضرم، الذي شغل منصب نائب رئيس جهاز أمن الدولة سابقا، وكان له دور كبير في مكافحة الإرهاب لعقود، إن "استعانة الدولة بالإعلام في مكافحة الإرهاب لا بدّ أن يكون باختيار صحافي مخضرم أو مذيع قدير كما سبق أن اعتمدت الدولة على الإعلامي الراحل حمدي قنديل خلال الحقبة الماضية مع إرهابيي الثمانينيات والتسعينيات، حيث كان للقاءاته الإعلامية بهم دور كبير في تفكيك أفكارهم"، معتبرا أن الطريقة التي تمت مع عشماوي من خلال مذيع استقبله بعبارة "حمدالله على سلامتك" كانت دون المستوى.

 

وقالت مصادر أمنية إنه "على الرغم من نقل عشماوي مكبلا ومعصوب العينين فضلا عن منعه من السمع باستخدام سماعات الرماية العسكرية الكاتمة للصوت، فإنه نُقل وهو يعلم تماما أنه سيعود إلى مصر، حيث استقل الطائرة مع معاونه وحارسه الإرهابي بهاء علي، قبل تكبيله بهذه الطريقة، التي تمت لأسباب أمنية تقتضي ضرورة عزله عن المحيطين به في الطائرة"، مؤكدة أن "السلطات المصرية حريصة كل الحرص على سلامته لاستكمال إجراءات التحقيق معه ومحاسبته على جرائمه عبر المحاكمة العادلة".

وبدوره، أكد أستاذ القانون الدولي، مساعد شتيوي، أن "جريمة الإرهاب تعد جريمة دولية مهددة للسلم والأمن الدوليين، وتنال من الاستقرار الداخلي للمجتمعات ولذلك مكافحتها من أهم مقاصد الأمم المتحدة وميثاقها الصادر عام 1945، فضلا عن قرارات مجلس الأمن الصادرة عام 2001، والتي تلزم الدول بالتعاون من خلال تبادل المعلومات وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب وقطع وسائل الدعم اللوجيستي والتعاون في تسليم المطلوبين في الجرائم الإرهابية"، مشيرا إلى أن "ما فعلته مصر وليبيا في قضية عشماوي يمثل مثالا للتعاون، كما أنه سيوثق الجرائم التي تثبت إدانة الدول الداعمة للإرهاب في مصر، وسيقوي من الملف القانوني المصري أمام المنظمات الدولية، كما سيوفر معلومات يمكن أن تستفيد منها دول ثالثة وتتبادلها مصر مع مختلف البلدان، بما يسهم في مكافحة الإرهاب الدولي".

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط