Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين يلقي الكرة في الملعب الغربي لتجنب غزو أوكرانيا

بينما لا يريد الرئيس الروسي التورط في صراع عسكري قد يكلفه كثيراً لا يستبعد مراقبون ذلك الخيار لردع التهديدات الغربية

منذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي بموجب استفتاء شعبي في ديسمبر (كانون الأول) عام 1991، أصبح ذلك البلد الواقع في شمال شرقي أوروبا منطقة صراع بين موسكو والقوى الغربية، وتحديداً واشنطن. فعشية الاستفتاء الأوكراني، بادر الرئيس الأميركي جورج بوش، آنذاك، بإعلان قرار بلاده الاعتراف بأوكرانيا كدولة مستقلة إذا ما قرر مواطنوها ذلك، في الوقت الذي كان الانفصال ضربة قوية للاتحاد السوفياتي الذي انهار في 26 من الشهر نفسه. 

على مدار العقود الثلاث الماضية، لم يغب ذلك المثلث عن دائرة صراعات القوى الدولية، لا سيما مع فوز الأحزاب الموالية للغرب في الانتخابات البرلمانية الأوكرانية عام 2014، والتي تلت الثورة التي أطاحت الرئيس الأوكراني الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش في فبراير (شباط) من العام نفسه، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، التي يسكنها غالبية من الروس، في مارس (آذار).

اليوم تسود حالة طوارئ في كل من أوروبا والولايات المتحدة في ظل استمرار الحشد العسكري الروسي على الحدود مع أوكرانيا، في تحركات تثير الشكوك حول غزو آخر وشيك للأراضي الشرقية الأوكرانية ودعم موسكو للانفصاليين في منطقة دونباس. وتواصلت التحذيرات الغربية لموسكو بشأن الإقدام على غزو ذلك البلد الذي يشكل حدوداً فاصلة بين روسيا وأوروبا أو حلف شمال الأطلسي بمعنى أشمل، ما يعني أن الغزو المحتمل هذه المرة لن تقتصر آثاره على كييف بل يشكل خطراً على الأوروبيين. 
الخميس الماضي، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن أجرى محادثة هاتفية مع قادة تسع دول من أوروبا الشرقية أعضاء في حلف شمال الأطلسي لإحاطتهم بالمباحثات التي جرت بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين في القمة الافتراضية التي عقدت، الثلاثاء 7 ديسمبر الحالي، و"الاستماع لآرائهم حول الوضع الأمني الراهن، والتأكيد على التزام الولايات المتحدة الأمن عبر الأطلسي".

تأكيدات ملزمة قانوناً

اللقاء الافتراضي بين الرئيسين الروسي والأميركي، كان كاشفاً لما يريده الكرملين الذي أوضح أن بوتين ندد خلال القمة بتنامي "القدرات العسكرية" لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على الحدود الروسية، وطالب بـ"ضمانات" بعدم توسيع الحلف شرقاً. باختصار، يرغب بوتين في وقف التوسع الزاحف لحلف الناتو في بلد كان لقرون جزءاً من روسيا، وهو ما يعني أنه إما يُظهر استعداده للقتال أو ينوي القتال بالفعل إذا لزم الأمر لوقف ما يراه تهديداً أمنياً لبلاده. 

تتصاعد الخلافات بين روسيا والغرب بشأن توسع الناتو في فترة ما بعد الحرب الباردة منذ أن فتح الحلف آفاق منح العضوية لجورجيا ولأوكرانيا في عام 2008. ومن ثم كانت حرب روسيا القصيرة عام 2008 مع جورجيا وضم بوتين لشبه جزيرة القرم ودعمه للانفصاليين في شرق أوكرانيا، خطوات جادة لإظهار استعداده للتدخل العسكري لإحباط هذه الأهداف، حتى عندما أشار الناتو إلى أن العضوية أمر بعيد المنال.

مساء الجمعة، أصدرت الخارجية الروسية بياناً عرضت فيه مطالبها التفصيلية، إذ دعت حلف شمال الأطلسي لإلغاء بيانه الصادر عام 2008 بشأن انضمام أوكرانيا وجورجيا للحلف. وقالت إنه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها تقديم تأكيدات ملزمة قانوناً بعدم نشر أسلحة حول روسيا يرى الكرملين أنها تشكل تهديداً صريحاً. 

وعلى مدار الأشهر الماضية، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بإرسال سفن حربية إلى البحر الأسود، الأمر الذي تسبب في فورة من التوتر التي كادت تتسبب في إحدى المرات بمواجهة مسلحة بين القوات الروسية ومدمرة بريطانية قبالة شبه جزيرة القرم، في يونيو (حزيران) الماضي. إذ أطلقت البحرية الروسية طلقات تحذيرية، وألقت القنابل في مسار المدمرة البريطانية بعد اختراقها المياه الإقليمية قبالة سواحل القرم التي تقول بريطانيا ومعظم بلدان العالم، إنها تابعة لأوكرانيا.

وخلال العام الحالي، أجرى الناتو عدة مناورات عسكرية في البحر الأسود، كان آخرها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسبقها مناورات "سي بريز 2021"، التي أجريت بين 28 يونيو الماضي، و10 يوليو (تموز)، بمشاركة الولايات المتحدة ودول أخرى من حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا، وهي المناورات التي أثارت اعتراض واستياء موسكو التي أجرت مناورات موازية في البحر الأسود وجنوب غربي روسيا، حيث تدربت الطائرات الحربية على عمليات قصف ونشر صواريخ دفاع جوي بعيدة المدى لحماية الساحل.

تحرك عسكري أوسع

يتحدث مراقبون عن تحركات عسكرية روسية أوسع تشكل خطراً على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، إذ يشير غوستاف غريسل، زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى انتقال جيش السلاح المشترك الـ41، وهو جيش ميداني تابع للقوات البرية الروسية، من مقره في سيبيريا إلى المنطقة العسكرية الغربية في روسيا والتي تمتد من فنلندا إلى معظم حدود روسيا مع أوكرانيا. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد شاركت هذه القوات في مناورات "زاباد 2021" التي أجريت سبتمبر (أيلول) الماضي، وشملت التدريب على شن هجوم على الجناح الشرقي لحلف الناتو. وتتمركز كثير من هذه القوات منذ أكتوبر (تشرين الأول) في يلينا بمنطقة سمولينسك، بجوار بيلاروس، حيث تبعد حوالى 250كم من الحدود الأوكرانية، وإن كان ذلك يقع إلى الغرب إلى حد كبير. 

ويشير غريسل إلى كثير من التحركات العسكرية والتغيير المستمر لمواقع القوات الروسية المنتشرة حول الحدود الأوكرانية مما يجعل من الصعب تتبعها. ويضيف أنه إذا بدأت روسيا حرباً مع الناتو من جهة الغرب، فستكون مهمة الجيش الـ41 هي قيادة التقدم من بيلاروس نحو فجوة سوالكي، وهي المنطقة الحدودية بين بولندا وليتوانيا التي تفصل بيلاروس عن كالينينغراد الروسية. 

وإذا اندلعت حرب كبرى في منطقة البحر الأسود بدلاً من غرب روسيا، فإن مهمة الجيش الـ41 ستكون الضغط على أوكرانيا من الشمال، في الغالب عبر بيلاروس، الحليف الوثيق لموسكو. إذ ستسعى روسيا إلى عزل كييف سريعاً عن أي تعزيزات أوروبية وأميركية وستتخذ مواقع على الضفة الغربية لنهر دنيبر، الذي يمر عبر العاصمة ويقسم أوكرانيا طولياً. ليس ذلك فحسب، إذ تسارع عدد من التعزيزات العسكرية الروسية في مطلع نوفمبر الماضي، حيث جرى زيادة عدد الأصول العسكرية في القرم، وتم نشر دبابات في مدينة مسلوفكا القريبة من حدود مدينة خاركيف الأوكرانية شمال شرقي البلاد، فضلاً عن نشر المزيد من المركبات العسكرية حول روستوف شرق أوكرانيا، كما أن حشد وحدات الحرس الوطني الروسي علامة على أن الكرملين يفكر على الأقل في التوغل داخل حدود أوكرانيا.

تلويح عسكري للضغط

ومع ذلك، يعتقد مراقبون غربيون أن بوتين لا يريد التورط في صراع عسكري ربما يكلفه كثيراً، لكن في الوقت نفسه لا ينبغي استبعاد ذلك الاحتمال بالنظر إلى أنه يرى أن روسيا، وحكمه الذي يستمر منذ أكثر من عقدين، يتعرضان لهجوم من الولايات المتحدة وحلفائها. وتقول كادري ليك، المتخصصة في العلاقات بين روسيا والغرب لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الاستعدادات العسكرية الروسية التي تنذر بغزو بري واسع قد تفضي لحرب ضخمة في قلب أوروبا، ما من شأنه أن يسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا وإحداث تغييرات كبيرة في النظام الدولي. لكن من الصعب أن نرى كيف سيفيد أي من هذا روسيا سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.

بحسب أشخاص مقربين من الكرملين تحدثوا لموقع "بلومبيرغ"، في نوفمبر الماضي، فإن موسكو تعلم أن أي محاولة لاحتلال مساحات كبيرة من الأراضي الأوكرانية عسكرياً سيكون مصيرها الفشل، حيث ستواجه معارضة عامة واسعة النطاق على الأرض وفرض عقوبات محتملة من الغرب. ومع ذلك، فبعد سنوات من المقاومة للعقوبات وغيرها من الضغوط، لا يبدو أن بوتين عوقب بالفعل، بل على النقيض فإنه يعتبر تحركاته العسكرية وسيلة فعالة في الضغط على الغرب. 

ومراراً لوح بوتين باستعدادات لشن حرب، ثم كان يتراجع بمجرد أن يحقق هدفه بلفت انتباه الغرب. ظهر ذلك بوضوح في أبريل (نيسان) الماضي، عندما قام بحشد قواته بالقرب من الحدود الأوكرانية، لكن سرعان ما انطفأ فتيل الأزمة عندما اتصل به نظيره الأميركي وعرض عليه لقاء قمة. وربما يمثل اللقاء الافتراضي بين الزعيمين نافذة للدبلوماسية لمنع مزيد من التصعيد الذي قد يفضي لصراع عسكري. 

سيناريو جورجيا 2008

لكن يشير مراقبون روس إلى أن الكرملين يتفهم أنه لا توجد فرصة حقيقية للاستجابة لمطالب الرئيس الروسي، من جانب الناتو، بعدم الانتشار شرقاً أو نشر أسلحة الحلف بالقرب من روسيا، كما أن منح الكرملين أي نوع من الضمانات بشأن عدم ضم أوكرانيا للناتو سيكون بمثابة تنازل كبير للغاية. وتقول تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة شركة "آر بولتيك" للأبحاث السياسية، في فرنسا، إن بوتين ليس مستعداً للانتظار طويلاً، فإذا تأكد أنه لا سبيل للتفاهم، فلا يمكن استبعاد الخيار العسكري. 

ووفقاً لأندري كورتونوف، رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي، الذي أسسه الكرملين: "لا يوجد أي تقدم حقيقي حتى الآن، فلا يبدو أن أياً من الجانبين على استعداد للتراجع.. الأمر يتوقف الآن على ما هي نوايا بوتين الحقيقية، إذا كان الهدف هو الردع فقط فيمكنه أن يعلن أن المهمة قد أُنجزت، لكن التعزيزات العسكرية الجارية قد يكون لها منطق مختلف تماماً".

ويحذر آخرون من أن موسكو قد تسعى لإثارة صراع على طول خط المواجهة المتوتر بين الانفصاليين والقوات الأوكرانية، ما من شأنه أن يمنح روسيا ذريعة للانضمام علانية إلى القتال والدفاع عن نصف مليون من السكان الذين منحتهم جوازات سفر روسية. وهو سيناريو مشابه لذلك الذي استخدمه الكرملين في حربه ضد جورجيا المجاورة قبل أكثر من عقد، إذ سحبت روسيا جيشها بعد سحق جيش جورجيا ثم اعترفت رسمياً بمنطقتين انفصاليتين أوستيا وأبخازيا اللتين طلبتا نشر الآلاف من القوات الروسية، وما زالوا هناك حتى يومنا هذا.

المزيد من تقارير