يدفع الديمقراطيون المعتدلون مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) إلى التحرك بقوة أكبر نحو سياسة نقدية أكثر تشدداً للقضاء على التضخم، في إشارة إلى قلقهم المتزايد بشأن التداعيات السياسية من ارتفاع الأسعار. ويأتي ذلك في وقت ازداد فيه الضغط على البنك المركزي الأميركي من الجناح الوسطي للحزب الديمقراطي، قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع المقبل، حيث يُتوقع أن يعلن الاحتياطي الفيدرالي خلالها عن سحب أسرع لمشترياته من الأصول، ما يمهد الطريق لمصالح محتملة. كما يعكس القلق المتزايد داخل حزب الرئيس الأميركي جو بايدن من أن التضخم المرتفع يمكن أن يكون "ساماً" بالنسبة إلى الناخبين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، بخاصة أنه لن يتم كبحه قريباً بما فيه الكفاية من خلال قانون رعاية الأطفال وتغير المناخ الذي يبلغ 1.75 تريليون دولار. كما لن يكون لإصلاحات بايدن الهيكلية تأثير واضح وسريع على اقتصاد البلاد، وعلى الأميركيين ربما الانتظار لسنوات لرؤية نتائج على الأرض.
ويحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى البدء بتقليل عدد الأصول التي يشتريها كل شهر بشكل عاجل، ومن ثم رفع أسعار الفائدة. وقال جيك أوشينكلوس، وهو ديمقراطي من ولاية ماساتشوستس، وعضو لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، التي تشرف على السياسة النقدية، لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، إنه "يمكن تحقيق هذين الأمرين بحلول شهر مارس (آذار) المقبل". وأضاف "أعتقد أن جيروم، باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، سيُحسن صُنعاً لإنهاء عقد من المال السهل".
الجدل الديمقراطي حول التضخم
ويستمر الجدل الديمقراطي حول التضخم في التصاعد عند كل إصدار جديد للبيانات. ففي نوفمبر (تشرين الثاني)، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 6.8 في المئة مقارنةً مع العام السابق، وهي أسرع وتيرة له منذ عام 1982. وأقر بايدن يوم الجمعة 10 ديسمبر (كانون الأول)، بأن التضخم كان "عثرة حقيقية على الطريق"، على الرغم من أن مسؤولي البيت الأبيض ما زالوا يتوقعون تراجع الأسعار، وتسعدهم رؤية أسعار البنزين تبدأ بالانخفاض.
يُذكر أنه عندما أعاد بايدن تعيين باول لولاية ثانية كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، قال إنه يعتقد أن الأخير أفضل شخص للتعامل مع التضخم، لكن البيت الأبيض لا يعلق على سياسات محددة للبنك المركزي.
ولا يزال الدعم الكلامي لسياسة نقدية أكثر تشدداً، نادراً نسبياً من الديمقراطيين. فلطالما شدد الحزب على ضرورة أن يحتفظ الاحتياطي الفيدرالي بأكبر قدر ممكن من الدعم للتعافي من أجل الوفاء الكامل بولايته المتمثلة في السعي إلى تحقيق العمالة الكاملة التي من شأنها أن تعود بالفائدة على جميع شرائح السكان. ولا يزال بعض الديمقراطيين الرئيسين يقترحون أن تكون هذه هي الأولوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال شيرود براون، رئيس اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ، وعضو ديمقراطي من ولاية أوهايو، في بيان "في هذه اللحظة، عندما يكتسب العمال أخيراً القدرة على المساومة، نحتاج إلى مواصلة الضغط من أجل التوظيف الكامل وسوق العمل حيث تتنافس الشركات على العمال من خلال تقديم أجور أعلى ومزايا أفضل". وأضاف "ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي التأكد من أن اقتصادنا يعمل لصالح العمال وأسرهم، وليس لـ وول ستريت".
التضخم والحمائم
في المقابل، يطالب آخرون البنك المركزي بالتحرك بشكل أسرع في ما يتعلق بالتضخم. فعلى سبيل المثال، انتقد جو مانشين، السناتور الديمقراطي من ولاية فرجينيا الغربية، بلا خجل شراء بنك الاحتياطي الفيدرالي للسندات، فيما اقترح مارك وارنر، الديمقراطي من فرجينيا، على باول تسريع "تقليص" مشتريات الأصول خلال جلسة استماع الشهر الماضي. وقال "أعتقد أن تقليص المشتريات بسرعة، يمكن أن يكون بمثابة بوليصة تأمين". وكان وارنر تحدث في 30 نوفمبر عن "إنهاك محتمَل للاقتصاد الأميركي".
وقال إيان كاتز، الباحث في "كابيتال ألفا بارتنرز"، إن "التحول لم يكن مفاجئاً نظراً إلى الضغوط السياسية التي تواجه الديمقراطيين". وأضاف "إذا كان التضخم يهدد الاقتصاد وآفاق الديمقراطيين في الانتخابات، فسيكون هناك عدد أقل بكثير من الحمائم".
وقال أحد مساعدي الكونغرس الديمقراطيين في مجلس الشيوخ فضل حجب اسمه، إن عديداً من الديمقراطيين وكذلك البيت الأبيض، يأخذون التضخم على محمل الجد لأنهم أدركوا أن هذه كانت "لحظة سياسية" جديدة. وأضاف "في الدورات السابقة، تحدثنا دائماً عن مزيد من الوظائف، وظائف ذات رواتب أفضل. واليوم لدينا كلاهما... لكنه بالنسبة لعديد من الناخبين لا يشعرون بالرغبة في ذلك. فهناك كثير من المال في جيوبهم".
السياسة المالية مثل حاملة طائرات
ويتخذ صف صقور الديمقراطيين المتنامي أشكالًا متنوعة، بما في ذلك النقد المتجدد بأن سياسات الاحتياطي الفيدرالي الفضفاضة تؤدي إلى التفاوت. وضغط جون أوسوف، السناتور الديمقراطي عن ولاية جورجيا، على باول بشأن الغرض الاقتصادي المحدد الذي يخدمه برنامج شراء السندات في وقت يكون فيه الطلب الكلي "قوياً جداً" وأسواق رأس المال "عالية السيولة".
وتساءل جون أوسوف، "بينما توفر سيولة إضافية لأسواق رأس المال، فإنك تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة من خلال زيادة تقييمات الأسهم والأصول وتحويل مزيد من السيولة إلى الميزانيات العمومية للمؤسسات المالية الكبرى والأفراد ذوي الملاءة المالية العالية والمستثمرين؟".
وأشاد جيك أوشينكلوس بتعامل الاحتياطي الفيدرالي قائلاً، إنه كان أفضل تجهيزاً من إدارة بايدن والكونغرس للتعامل مع التضخم. وشبه السياسة المالية بحاملة الطائرات، "فهي تستغرق وقتاً طويلاً للاستعداد، وتتطلب وقتاً طويلاً للتحرك، وتستغرق وقتاً طويلاً لنشرها... لكنها قوية". وأضاف أن "السياسة النقدية مثل الطائرات المقاتلة، إنها ذكية للغاية... عندما تقول إنها ستفعل شيئاً ما، فإنها ستفعل ذلك، ولكن يمكن أن تعمل وفق جدول زمني من الأسابيع والأشهر".