Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المراوحة السياسية تطرح "تعقيم" الحياة الحزبية في الجزائر

فشلت عشرات الأحزاب في الحصول على مقاعد بمؤسسات التسيير المحلي

يرى مراقبون أن هذه "الحُزيبات" كما توصف لا تجسد مفهوم الممارسة السياسية الحقيقية وإنما تسهم في تمييع المشهد (أ ف ب)

لم تحمل محطتان انتخابيتان نظمتهما الجزائر خلال عام 2021 أي عنصر مفاجأة، إذ كانت نتائجهما معلومة مسبقاً لدى كثير من المراقبين للمشهد السياسي في البلاد، بتوقعهم عودة الأحزاب الموالية للسلطة وتقاسمها الواجهة مع تشكيلات ذات توجه إسلامي وكتلة المستقلين، فيما لا يزال صوت المعارضة خافتاً بسبب تشبث بعضها بموقف يوصف بـ"الراديكالي" لمطالبتها بمرحلة انتقالية ترفضها السلطة جملة وتفصيلاً.

وأعادت نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو (حزيران) الماضي، واستحقاقات تجديد المجالس المحلية (الولائية والبلدية) في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني)، طرح تساؤلات عن مصير بقية التشكيلات التي أثبت الواقع السياسي أنها مجرد "ديكور" يحمل رؤساؤها أختاماً ويتمتعون بمقرات حزبية ومنتسبين يعدون على الأصابع، فيما برزت مطالبات بضرورة "تعقيم الحياة السياسية" أو تطهيرها من الأحزاب غير الفاعلة والفاقدة للتمثيل الشعبي.

أحزاب من دون مقاعد

ومن خلال قراءة نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، يمكن رصد فشل قرابة 30 حزباً في الحصول على مقاعد في مؤسسات التسيير المحلي (الولاية والبلدية) من أصل 40 حزباً مشاركاً ضمن 1541 مجلساً بلدياً و58 مجلساً ولائياً، وذلك على الرغم من اعتماد نظام القائمة المفتوحة الذي يسمح للناخب باختيار المرشحين داخل القائمة الواحدة بحسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما هي وفق ترتيب الحزب من دون إمكانية التصرف فيها.
ويرى مراقبون أن هذه "الحُزيبات" كما توصف، لا تجسد مفهوم الممارسة السياسية الحقيقية وإنما تسهم في تمييع المشهد وإضفاء الضبابية عليه، إذ تُشير الأرقام الرسمية إلى وجود أكثر من 60 حزباً في الجزائر، لكن على صعيد الممارسة، فإن عدداً لا يُستهان به منها، لم يعقد مؤتمرات كما ينص عليه قانون الأحزاب. وفي غضون العام الحالي، أصدر مجلس الدولة، أعلى سلطة في القضاء الإداري بالجزائر، قراراً يقضي بحل حزبين معتمدين ومنعهما من أي نشاط سياسي وهما حزبا "الاتحاد من أجل الديمقراطية والحريات" و"جبهة الجزائريين الديمقراطيين"، بسبب وجودهما في وضعية غير مطابقة للقانون المؤطر للأحزاب السياسية، ولعدم عقدهما مؤتمراتهما العامة في الوقت المحدد. كما تعتزم السلطة حل أحزاب أخرى، كحزب "العمال الاشتراكي".

تعددية منقوصة

في سياق متصل، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة غرداية، جنوب الجزائر، جيدور حاج بشير، إنه "من المنظور القانوني التاريخي، فإن التجربة الحزبية في الجزائر انطلقت منذ الانفتاح السياسي الذي أطره دستور فبراير (شباط) 1989 أو دستور الإصلاحات، وجعلتها حكومة مولود حمروش آنذاك قضية جوهرية من قضايا الجزائر الجديدة بعد عام 1989، ونص ذلك الدستور، صراحة على حرية إنشاء الجمعيات ذات التوجه السياسي كما سمح ذات الدستور بالتعددية السياسية والنقابية". وأضاف حاج بشير أن "الجزائر دخلت الانتخابات المحلية 1990 والتشريعية 1991 بزهاء 60 حزباً، غالبيتها المطلقة مجهرية لا تمثيل لها ومستنسخة عن بعضها ومن دون قواعد جماهيرية، بل أغلبها بلا مال ولا عتاد ولا حتى مقرات خارج العاصمة، مما جعلها في حكم الملغاة وغير الفاعلة، لكن لم يقدر المشرع القانوني والمقرر السياسي على التعامل معها بسيف الإلغاء أو الحل، لأن ذلك سيسبب لهما حرجاً سياسياً وقانونياً وحتى أخلاقياً، إلا في حالة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، حيث جاء الحل قانونياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


كيانات حزبية لا تمثل إلا نفسها

وبالنسبة للمنظور السياسي الواقعي الذي يؤطره الواقع المعيش للتجربة، ولا يمكن أن ينفصل عن المنظور التاريخي القانوني، قال أستاذ العلوم السياسية الجزائري "إن الأداء الحزبي مرتبط الآن بدعامة قانونية تتمثل في النشاط الشرعي لهذه الأحزاب، وإنها معتمدة رسمياً ويحق لها المشاركة في المناسبات الانتخابية، غير أن ضعف الأداء الذي يظهر في نتائجها المتدنية جداً يسبب لها مأزقاً أخلاقياً لعدم قدرتها على مجاراة الأحزاب الأخرى ومأزقاً سياسياً للسلطة السياسية التي تعمل هذه الأحزاب في فلكها، ذلك أنها تستشعر نظرة ريبة تجاهها من المجتمع السياسي (الناخبين والمتفاعلين بالحراك السياسي)، ذلك أن هذا المجتمع سيُسائل السلطة عن جدوى الاحتفاظ بهكذا كيانات حزبية لا تمثل إلا نفسها ولا تؤثر في البيئة السياسية ولا تتأثر بمخرجات علاقات السلطة بالمواطن".
وتابع "يمكن إعادة تأطير الموضوع من خلال مقاربة تنظيمية، تحيلنا على التفكير الجاد في إنتاج منظومة قانونية وأخرى سياسية للتعامل الجيد مع هذا الإشكال، من خلال تعديل قوانين الانتخاب والأحزاب وكذلك النصوص التنظيمية ذات العلاقة بالأداء الحزبي من أجل تنظيم الساحة السياسية وإعادة تفعيل قاعدة البقاء للأصلح و/ أو الأقدر، حتى نستعيد ثقة المواطن بالسلطة أولاً وثقته بالأداء الحزبي ثانياً، فلا يستشعر المواطن بنظرية التمثيل بالإكراه، عندما يرى أن الكعكة السياسية كلها تُمنح بالتناوب لتشكيلات سياسية من دون غيرها".
وتعيش الطبقة السياسية في الجزائر حالة من الجمود، يرجعه مراقبون لسببين، الأول مرتبط بحجم الإغلاق الذي مارسته السلطة في الحقل السياسي والإعلامي بشكل عام، والذي كبل الأحزاب في ظل عدم تجاوب السلطة مع المبادرات التي تُطلقها والتي رُفض جُلها، لا سيما تلك الداعية إلى ضرورة فتح حوار وطني جامع لمناقشة كل الاختلالات والنقائص المسجلة في الممارسة السياسية. ويتمثل السبب الثاني في تداعيات الحراك الشعبي الذي جعل الأحزاب عرضة لرفض عارم خلال التظاهرات التي شهدتها البلاد في عام 2019، التي دعت إلى تغيير النظام السياسي، قبل أن تلجأ السلطة إلى تنظيم انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر (كانون الثاني) من ذات العام، أوصلت الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم.

المزيد من العالم العربي