في الوقت الذي تستعد فيه حركة "حماس" لبلورة رؤيتها كاملة للعمل مع حركة "فتح" وبدء مسارات المصالحة، أعلن مصدر قيادي بالحركة أنها تدرس خيارات التصعيد مع إسرائيل في ظل استمرار حصار غزة وتباطؤ إعادة الأعمار، وفي ظل تواصل الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى واستهداف الأسرى، وأبدى "الاستياء" من سلوك الوسيط المصري تجاه غزة، معتبراً أن مصر لم تلتزم بما تعهدت به لـ"حماس" وفصائل المقاومة من إعادة الإعمار والتخفيف عن غزة.
أجواء متوترة
ويبدو أن حركة "حماس" اختارت أن توجه رسالة سلبية لمصر في ملفات عدة دفعة واحدة، أهمها ملف المعبر والإعمار ورعاية التهدئة، وهو ما قد يشير إلى أن الحركة أرادت أن تصعد في مواجهة مصر كلامياً من دون أن يكون هناك أي تحديد مباشر لما يجري، بخاصة وأن القاهرة تراقب عن قرب ما يجري في قطاع غزة، كما أنها نجحت في السيطرة على الموقف الإسرائيلي ووضعته في إطار محدد، وهو ما يحسب للوسيط المصري.
ففي الوقت التي تم فيه توجيه "الاتهامات" إلى مصر على لسان القيادي في "حماس"، فإن الحركة تعمل على حفظ حال الوضع الراهن، وعدم تجاوزه وعدم الانتقال إلى الخطة (باء) التي سبق وهددت بها قيادات "حماس" في حال أي مواجهة جديدة، وهو ما لم يحدث، لا سيما وأن المستوى السياسي للحركة لا يريد الدخول في مواجهة راهنة مع إسرائيل، وأن هذه التصريحات تأتي في سياقها من دون أن تجرؤ الحركة على كسر حال الوضع الراهن لاعتبارات أمنية وسياسية ولإدراكها أن إسرائيل سترد، ولن تقبل بالسكون أو التهدئة في الوقت الراهن، وهو ما يجب التحسب له جيداً، بخاصة وأن القاهرة يمكنها فعلياً اتخاذ إجراءات مقابلة، ومعلوم أن مصر تخطط لإنشاء ثلاث مدن سكنية جديدة في قطاع غزة، الأولى في شمال القطاع وتضم 500 وحدة سكنية، والثانية في المنطقة نفسها، وتضم 700 وحدة سكنية، والثالثة في وسط غزة وتضم 1500 وحدة سكنية، كما تنوي إنشاء جسرين في منطقة حي الشجاعية في مدينة غزة، والثاني في وسط مدينة غزة في منطقة السرايا.
تفسيرات مطروحة
يمكن تفسير الهجوم على مصر انطلاقاً من وجود صراع حقيقي على الأولويات الكبرى، وتدوير السياسات داخل مؤسسات حركة "حماس" بعد الهجمة الأخيرة على الحركة في بريطانيا، وحظر نشاط الحركة سياسياً، ومن قبل عسكرياً، والرسالة بأن القيود على الحركة أوروبياً قد تدفعها لمحاولة تطويق ما جرى وسيجري في الفترة المقبلة بعد أن بدأت التحقيقات الراهنة في لندن وعواصم أوروبية لمعرفة الصلات الحقيقية، والامتدادات المباشرة بين التنظيم الدولي لجماعة "الإخوان المسلمين"، ونشاط الحركة دولياً، وهو الأمر الذي سيتطلب بالفعل مراجعة المواقف والتوجهات ومحاولة لفت الانتباه، والأنظار مع توجيه الاتهامات لكل الأطراف مع التركيز على ملف معبر رفح باعتباره "ترمومتر" العلاقات بين مصر والحركة.
تأزم "حماس"
تلوح حركة "حماس" في مواجهة مصر بكثير من المتطلبات وخلط "الحابل والنابل" معاً، فهناك تيار سياسي داخل الحركة يدفع بقوة لمزيد من المواجهات، وهو ما يشير إلى استمرار حال الانقسام داخل الحركة التي تتخوف من مزيد من الحصار، ما يصب في صالح حركة "فتح" ويدفع بقوة إلى ضرورة التحرك ونقل رسالة لمصر بضرورة التحرك واستئناف تحركاتها، وإلا فإنها ستعمل على كسر حال الوضع الراهن مع إسرائيل بل، والدخول في مواجهة جديدة، وهي قد تكون رسالة أولى تحذيرية يمكن الانطلاق منها إلى خطوات أخرى، وفي المقابل، فإن مصر تتحرك بخطوات مباشرة وهادئة وترتب لما هو قادم إذ من المتوقع أن يقوم وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد بزيارة للقاهرة.
ومن المتوقع أن تغطي محادثات لبيد المزمع عقدها في القاهرة قريباً والهدنة المؤقتة التي توسطت فيها مصر بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزة، إضافة إلى قضية الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، ورفات الجنود الإسرائيليين هناك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي قد التقى سامح شكري وزير الخارجية المصري في يوليو (تموز) الماضي، على هامش مؤتمر للاتحاد الأوروبي في بروكسل، كما كان الرئيس الجديد لجهاز الأمن العام الإسرائيلي "شاباك"، ومستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت للأمن القومي، قد عقدا لقاء مهماً، أخيراً، في مصر لإجراء محادثات بشأن غزة، وتزامن التحرك المصري مع تحذير مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، تور وينيسلاند من أنه من دون اتخاذ إجراء سريع وحاسم لمعالجة الدوافع الرئيسة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن المنطقة تخاطر بالانزلاق إلى تصعيد مميت آخر للعنف، وأن الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة والتحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية، سيؤدي إلى أزمة اقتصادية حادة تهدد استقرار المؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية.
رؤية مكررة
وقبل الإعلان عن الإشارات السلبية لحركة "حماس" تجاه القاهرة، كانت قد قدمت ورقة عمل لمصر تركزت في الدعوة إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أساس مشروع شامل ومتكامل للمقاومة، والتأكيد أن هدف تحرير فلسطين هدف ثابت، ولن يتم التراجع عنه تحت أي ظرف من الظروف، كما تضمنت رؤية الحركة السياسية للمرحلة المقبلة، والتي تشمل العلاقات الداخلية والخارجية للحركة، وبنيت الورقة على أساس العمل وفق وثيقة الحركة المعلن عنها عام 2017، وهي تشمل مبادرة جديدة لإحياء ملف المصالحة على أساس الانتخابات الشاملة لكل المؤسسات، بدءاً من المجلس الوطني لمنظمة التحرير وصولاً إلى المجلس التشريعي والرئاسة، كما تضمنت المبادرة عقد جلسات حوار للتوصل إلى حلول توافقية بشأن قضايا القدس والتدخلات الإسرائيلي في الساحة الفلسطينية، بما يؤدي إلى سحب كل الذرائع التي تعيق المصالحة وإعادة بناء البيت السياسي الفلسطيني، وإعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية لتكون إطاراً جامعاً للفصائل كافة، وإنهاء حال التفرد في القرارات من قِبل حركة "فتح".
أما بخصوص تبادل الأسرى، فأوردت الحركة، في رؤيتها، أنه طالما كان هناك أسرى في السجون الإسرائيلية، فإنها لن تتوقف عن جهودها لأسر مزيد من الجنود الإسرائيليين، بما يتيح إبرام صفقات تبادل، وأنها لن تقبل مقايضة ملف الأسرى الأربعة لديها بأي ملفات أخرى، وأعادت "حماس" طرح مقترحها المتصل بإبرام صفقة على مرحلتين: الأولى تشمل الإفراج عن الأسيرات والأطفال والمرضى وكبار السن، والثانية يطلَق خلالها سراح ذوي الأحكام العالية، مؤكدة أنها قدمت خلال الفترة الماضية التنازلات اللازمة لتمضي الصفقة، إلا أن المعضلة تمثلت دائماً في مماطلة إسرائيل .
ومضت حركة "حماس" في مسارين، الأول، نقل رسائل مباشرة لمصر عبر الإعلام وليس عبر الاتصالات التي تباشرها الحركة مع الأجهزة المعنية في مصر، والثاني، العمل على نقل فلسفة الحركة إلى الوسيط المصري للبدء في استئناف التفاوض، وهو أمر من الصعب تجاوزه، بخاصة وأن القاهرة منفتحة على الجانبين "فتح" و"حماس"، إلا أن الهجوم الإعلامي من قبل "حماس" على مصر سيؤدي إلى تبعات قد لا تتحملها الحركة التي لا تزال تتحدث بلغة مشاعرية وأيديولوجية، أما الواقع فمختلف تماماً عما يجري فعلياً، بخاصة وأن خيارات حركة "حماس" ضيقة، وتدور في دائرة محدودة جداً في ظل الواقع الجديد ومناخ ما بعد الحظر في بريطانيا والمرشح للتمدد في عواصم أخرى .
ومن ثم، فإن حركة "حماس" باتت في مأزق حقيقي، وما لم تعجل في الدخول بجدية في استحقاقات المصالحة، فإن خياراتها ستضيق فلسطينياً وإقليمياً.